في حال سماعهم من الرسول صلى اللّٰه عليه و سلم حين «قال لهم إن الدنيا قنطرة» و أشباه ذلك فلا تشغلوا نفوسكم بعمارتها و انهضوا فما فرغ من قوله صلى اللّٰه عليه و سلم حتى رجع كثير منهم إلى عماهم و صممهم مع كونهم مسلمين مؤمنين فأخبر اللّٰه تعالى نبيه بقوله ﴿ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ [المائدة:71] بعد التوبة يقول ما نفع القول فيهم يا ولي لو فرضنا إن الدنيا باقية أ لسنا نبصر رحلتنا عنها جيلا بعد جيل
[مراعاة القلوب و مقتضيات«المحبوب»]
فمن أحوال هذه الطائفة مراعاتهم لقلوبهم و أسرارهم متعلقة بالله من حيث معرفة نفوسهم و لا اجتماع لهم بالنهار مع الغافلين بل حركتهم ليلية و نظرهم في الغيب الغالب عليهم مقام الحزن فإن الحزن إذا فقد من القلب خرب فالعارف يأكل الحلوى و العسل و المحقق الكبير يأكل الحنظل فهو كثير التنغيص لا يلتذ بنعمة أبدا ما دام في هذه الدار لشغله بما كلفه اللّٰه من الشكر عليها لقيت منهم بدنيسر عمر الفرقوي و بمدينة فاس عبد اللّٰه السماد و العارفون بالنظر إلى هؤلاء كالأطفال الذين لا عقول لهم يفرحون و يلتذون بخشخاشة فما ظنك بالمريدين فما ظنك بالعامة لهم القدم الراسخة في التوحيد و لهم المشافهة في الفهوانية يقدمون النفي على الإثبات لأن التنزيه شأنهم كلفظة لا إله إلا اللّٰه و هي أفضل كلمة جاءت بها الرسل و الأنبياء توحيدهم كوني عقلي ليسوا من اللهو في شيء لهم الحضور التام على الدوام و في جميع الأفعال اختصوا بعلم الحياة و الأحياء لهم اليد البيضاء فيعلمون من الحيوان ما لا يعلمه سواهم و لا سيما من كل حيوان يمشي على بطنه لقربه من أصله الذي عنه تكون فإن كل حيوان يبعد عن أصله ينقص من معرفته بأصله على قدر ما بعد منه أ لا ترى المريض الذي لا يقدر على القيام و القعود و يبقى طريحا لضعفه و هو رجوعه إلى أصله تراه فقيرا إلى ربه مسكينا ظاهر الضعف و الحاجة بلسان الحال و المقال و ذلك أن أصله حكم عليه لما قرب منه يقول اللّٰه ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ [الروم:54]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية