فولاية العبد ربه و ولاية الرب عبده في قوله ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللّٰهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ [محمد:7] و بين الولايتين فرق دقيق فجعل تعالى نصره جزاء و جعل مرتبة الإنشاء إليك كما قدمك في العلم بك على العلم به و ذلك لتعلم من أين علمك فتعلم علمه بك كيف كان لأنه قال ﴿وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] و قد ذكرنا في كتاب المشاهد القدسية أنه قال لي أنت الأصل و أنا الفرع على وجوه منها علمه بنا منا لا منه فانظر فإن هنا سرا غامضا جدا و هو عند أكثر النظار منه لا منا أوقعهم في ذلك حدوثنا و الكشف يعطي ما ذكرناه و هو الحق الذي لا يسعنا جهله و لما سألني عن هذه اللفظة مفتي الحجاز أبو عبد اللّٰه محمد بن أبي الصيف اليمني نزيل مكة ذكرت له أن علمنا به فرع عن علمنا بنا إذ نحن عين الدليل «يقول رسول اللّٰه ﷺ من عرف نفسه عرف ربه» كما إن وجودنا فرع عنه و وجوده أصل فهو أصل في وجودنا فرع في علمنا به و هو من مدلول هذه اللفظة فسر بذلك و ابتهج رحمه اللّٰه و هذا الوجه الآخر من مدلولها أيضا و هو أعلى و لكن ما ذكرناه له رحمه اللّٰه في ذلك المجلس لأنه ما يحتمله و لا يقدر أن ينكره و ما ثم ذلك الايمان القوي عنده و لا العلم و لا النظر السليم فكان يحار فأبرزنا له من الوجوه ما يلائم مزاج عقله و هو صحيح فإنه ما ثم وجه إلا و هو صحيح في الحق و ليس الفضل إلا العثور على ذلك فالله ولي المؤمن و المؤمن ولي اللّٰه «سئل رسول اللّٰه ﷺ فقيل له من أولياء اللّٰه فقال ﷺ الذين إذا رأوا ذكر اللّٰه» فذكر و علم و شهد برؤيتنا إياهم فجعلهم أولياء اللّٰه كما جاء عن اللّٰه أنه ﴿وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة:257] فالمؤمن من أعطى الأمان في الحق أن منه يضيف إليه ما لا يستحق جلاله أن يوصف به مما ذكر تعالى أن ذلك ليس له بصفة كالذلة و الافتقار و هذه أرفع الدرجات أن نصف العبد بأنه مؤمن فإن المؤمن أيضا من يعطي الأمان نفوس العالم بإيصال حقوقهم إليهم فهم في أمان منه من تعديه فيها و متى لم يكن كذا فليس بمؤمن فالولاية مشتركة بين اللّٰه و بين المؤمنين ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الباب التاسع و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله
﴿وَ مٰا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [ سبإ:39]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية