لأن موسى ذو روح له حكم في مسك الصورة على ما هي عليه و ما عدا الحيوان فروحه عين حياته لا أمر آخر فكان الصعق لموسى مثل الدك للجبل لاختلاف الاستعداد إذ ليس للجبل روح يمسك عليه صورته فزال عن الجبل اسم الجبل و لم يزل عن موسى بالصعق اسم موسى و لا اسم الإنسان فأفاق موسى و لم يرجع الجبل جبلا بعد دكه لأنه ليس له روح يقيمه فإن حكم الأرواح في الأشياء ما هو مثل حكم الحياة لها فالحياة دائمة في كل شيء و الأرواح كالولاة وقتا يتصفون بالعزل و وقتا يتصفون بالولاية و وقتا بالغيبة عنها مع بقاء الولاية فالولاية ما دام مدبرا لهذا الجسد الحيواني و الموت عزله و النوم غيبته عنه مع بقاء الولاية عليه فإذا علمت إن الهيبة عظمة و أن العظمة راجعة لحال المعظم بكسر الظاء اسم فاعل علمت أنها حالة القلب فهو نعت كياني و مستندة في الإلهية من العلوم التي لا تنقال و لا تذاع و لا يعرفه إلا من علم إن الوجود هو الحق و أنه المنعوت بكل نعت قال تعالى ﴿وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج:32] يعني تلك العظمة و لما كانت العظمة تعطي الحياء و الحياء نعت إلهي فإن اللّٰه يستحيي من ذي الشيبة يوم القيامة لعظيم حرمة الشيب عنده تعالى فقد نعت نفسه بأن بعض الأشياء تعظم عنده كما قال ﴿وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّٰهِ عَظِيمٌ﴾ [النور:15] فقد قامت به العظمة لذلك الذي هان على الجاهل بقدره من الافتراء على بيت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم و الألفاظ لما كانت محجورة من الشارع علينا فلا نطلقها إلا حيث أمرنا بإطلاقها فوقع الفرق بين الهيبة و العظمة فنطلق العظمة في ذلك و لا نطلق الهيبة و لا الخوف و لا القبض فاعلم ذلك و اللّٰه سبحانه ﴿يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية