يا ولي لقينا من أقطاب هذا المقام بجبل أبي قبيس بمكة في يوم واحد ما يزيد على السبعين رجلا و ليس لهذه الطبقة تلميذ في طريقهم أصلا و لا يسلكون أحدا بطريق التربية لكن لهم الوصية و النصيحة و نشر العلم فمن وفق أخذ به و يقال إن أبا السعود بن الشبل كان منهم و ما لقيته و لا رأيته و لكن شممت له رائحة طيبة و نفسا عطريا و بلغني أن عبد القادر الجيلي و كان عدلا قطب وقته شهد لمحمد بن قائد الأواني بهذا المقام كذا نقل إلي و العهدة على الناقل فإن ابن قائد زعم أنه ما رأى هناك أمامه سوى قدم نبيه و هذا لا يكون إلا لأفراد الوقت فإن لم يكن من الأفراد فلا بد أن يرى قدم قطب وقته أمامه زائدا على قدم نبيه إن كان إماما و إن كان وتدا فيرى أمامه ثلاثة أقدام و إن كان بدلا يرى أربعة قدام و هكذا إلا أنه لا بد أن يكون في حضرة الاتباع مقاما فإذا لم يقم في حضرات الاتباع و عدل به عن يمين الطريق بين المخدع و بين الطريق فإنه لا يبصر قدما أمامه و ذلك هو طريق الوجه الخاص الذي من الحق إلى كل موجود و من ذلك الوجه الخاص تنكشف للأولياء هذه العلوم التي تنكر عليهم و يزندقون بها و يزندقهم بها و يكفرهم من يؤمن بها إذا جاءته عن الرسل و هي العلوم عينها و هي التي ذكرناها آنفا و لأصحاب هذا المقام التصريف و التصرف في العالم فالطبقة الأولى من هؤلاء تركت التصرف لله في خلقه مع التمكن و تولية الحق لهم إياه تمكنا لا أمرا لكن عرضا فلبسوا الستر و دخلوا في سرادقات الغيب و استتر و بحجب العوائد و لزموا العبودة و الافتقار و هم الفتيان الظرفاء الملامتية الأخفياء الأبرياء و كان أبو السعود منهم كان رحمه اللّٰه ممن امتثل أمر اللّٰه في قوله تعالى ﴿فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً﴾ [المزمل:9] فالوكيل له التصرف فلو أمر امتثل الأمر هذا من شأنهم و أما عبد القادر فالظاهر من حاله إنه كان مأمورا بالتصرف فلهذا ظهر عليه هذا هو الظن بأمثاله و أما محمد الأواني فكان يذكر إن اللّٰه أعطاه التصرف فقبله فكان يتصرف و لم يكن مأمورا فابتلي فنقصه من المعرفة القدر الذي علا أبو السعود به عليه فنطق أبو السعود بلسان الطبقة الأولى من طائفة الركبان و سميناهم أقطابا لثبوتهم و لأن هذا المقام أعني مقام العبودة يدور عليهم لم أرد بقطبيتهم أن لهم جماعة تحت أمرهم يكونون رؤساء عليهم و أقطابا لهم هم أجل من ذلك و أعلى فلا رياسة أصلا لهم في نفوسهم لتحققهم بعبوديتهم و لم يكن لهم أمر إلهي بالتقدم فما ورد عليهم فيلزمهم طاعته لما هم عليه من التحقق أيضا بالعبودية فيكونون قائمين به في مقام العبودية بامتثال أمر سيدهم و أما مع التخيير و العرض أو طلب تحصيل المقام فإنه لا يظهر به إلا من لم يتحقق بالعبودة التي خلق لها فهذا يا ولي قد عرفتك في هذا الباب بمقاماتهم و بقي التعريف بأصولهم و تعيين أحوال الأقطاب المدبرين من الطبقة الثانية منهم نذكر ذلك فيما بعد إن شاء اللّٰه ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] لا رب غيره
(الباب الحادي و الثلاثون في معرفة أصول الركبان)
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية