الفتوحات المكية

طبعات الفتوحات المكية

ملخص من المجلد الأول التعريفي من التحقيق

(اضغط هنا للمزيد من التفاصيل)

 

طبعة بولاق الأولى [نسخة مصورة]

قامت مطبعة بولاق بطبع كتاب الفتوحات المكية لأول مرة على مدى خمس سنوات بدءً من سنة 1269 هـ / 1852 م وحتى سنة 1274 هـ / 1857 م، تحت إشراف المصحح الشيخ أحمد أبو مصلح الأبياري والمصحح محمد قطة ابن الشيخ عبد الرحمن العدوي، وكانت تكلفة طباعته حوالي أربع وستين قرشاً:

 

 

بداية المجلد الأول من طبعة بولاق الأولى
 
خاتمة المجلد الأول من طبعة بولاق الأولى، وقد صدر في شهر ذي الحجة سنة 1269 هـ
 
خاتمة المجلد الرابع من طبعة بولاق الأولى، وقد صدر في شهر محرم سنة 1274 هـ

وكانت هذه الطبعة في أربع مجلدات: المجلد الأول بلغ 800 صفحة، والمجلد الثاني بلغ 772 صفحة، والمجلد الثالث بلغ 628 صفحة، والمجلد الرابع بلغ 611 صفحة للنص الرئيسي من غير الفهرس والخاتمة اللذان أضيفا للطبعة ومن غير الصفحات الفارغة. وقد أضاف المصحح محمد قطة العدوي في نهاية المجلد الرابع ملخصاً لسيرة الشيخ محي الدين مختصراً من كتاب نفح الطيب.

طبعة بولاق الثانية [نسخة مصورة]

بعد ذلك أعادت مطبعة بولاق طبع كتاب الفتوحات المكية سنة 1293 هـ / 1876 م بتصحيح الشيخ محمد قطة العدوي، ولكن كلا هاتين الطبعتبن كان فيهما أخطاء كثيرة بسبب اعتمادهما على مخطوطات متأخرة غير سليمة لعدم توفر نسخ المخطوطات الأصلية. ويتضح من خلال ترتيب أجزاء الكتاب أنه مبني على أساس الإصدارة الأولى التي أصدرها الشيخ الأكبر في دمشق سنة 629 ه.

طبعة بولاق الثالثة - الطبعة الميمنية [نسخة مصورة]

قامت دار الكتب العربية الكبرى التي أسسها في القاهرة أحمد البابي الحلبي سنة 1859 م باسم المطبعة الميمنية، وكانت تقع مقابل الجامع الأزهر، بطباعة الفتوحات المكية سنة 1329 هـ / 1911 م على نفقة الحاج فدا محمد الكشميري وشركاه بمكة، وتم فيها تدارك ما وقع في طبعتي بولاق من أخطاء، وذكر رئيس لجنة التصحيح الشيخ محمد الزهري الغمراوي أنه فات طبعتي بولاق الوقوفُ على نسخة المؤلف، وأنه من العناية الإلهية أن سيقت لهم نسخة تمت مقابلتها على نسخة قونية التي بخط المؤلف، قابلها جماعة من العلماء بأمر الأمير عبد القادر الجزائري رحمه الله تعالى، وتعرف هذه الطبعة باسم طبعة القاهرة.

وكما هو الحال بالنسبة لطبعة بولاق، فإنَّ طبعة القاهرة تحوي على أربع مجلدات، مع اختلاف عدد الصفحات: المجلد الأول يحوي على 763 صفحة، والمجلد الثاني يحوي على 693 صفحة، والمجلد الثالث يحوي على 568 صفحة، والمجلد الرابع يحوي على 554 صفحة للنص الرئيسي من غير الفهرس والخاتمة اللذان أضيفا للطبعة ومن غير الصفحات الفارغة. وقد أضيفت كذلك خاتمة المصحح محمد قطة العدوي التي وضعها في نهاية المجلد الرابع من طبعة بولاق والتي يذكر فيها ملخصاً لسيرة الشيخ محي الدين مختصراً من كتاب نفح الطيب. ثم أضاف الشيخ محمد الزهري الغمراوي رئيس لجنة التصحيح بمطبعة دار الكتب العربية الكبرى خاتمة مقتضبة في نهاية المجلد الرابع يذكر فيها مناسبة هذه الطبعة وتاريخها:

خاتمة الشيخ محمد الزهري الغمراوي رئيس لجنة التصحيح بمطبعة دار الكتب العربية الكبرى

ويتضح من هذه الخاتمة أن المشرفين على طباعة الكتاب لم يقفوا بأنفسهم على مخطوطة قونية التي بخط الشيخ محي الدين، بل على نسخة مقابلة معها ومصححة عليها، مما ترتب عليه وقوع الكثير من الأخطاء مثل عدم إبراز كثير من عناوين الكتاب الداخلية بالصورة التى أبرزها الشيخ الأكبر في مخطوطته، فخرج النص في مقاطع طويلة يصعب متابعتها والوقوف على بدايتها ونهايتها.

دور الأمير عبد القادر الجزائري في طباعة الفتوحات المكية [نسخة مصورة]

عندما انتشرت طبعة بولاق ووصلت إلى أصحاب الأمير عبد القادر الجزائري، الذي استقرَّ في دمشق، وجدوا فيها عبارات مُشْكِلَة فعرضوها على الأمير فاستغربها وشكَّ فيها، فأوفد الشيخ محمد بن مصطفى الطنطاوي والشيخ محمد الطيب المبارك الجزائري الدلسي المالكي (توفي سنة 1313 ه)، بالتوجه إلى قونية على نفقته الخاصّة في عام 1287 ه، لمقابلة طبعة بولاق مع مخطوطة قونية. قام الشيخان بمقابلة طبعة بولاق مرتين وسجلا عليها الملاحظات. فلما عادا إلى دمشق قُرِأت النسخة المطبوعة المصححة على الأمير وصار يحلُّ لهم ما يُشكِل عليهم. ويقول المؤرخ عبد الرزاق البيطار في "حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر" أنه: "بعد مجيئهما قرأناها جميعًا على الأمير المرقوم (يقصد الأمير عبد القادر) مع التزامنا لإصلاح نُسخنا على النسخة المقابلة على خطّ المؤلف (أي مخطوطة قونية)".[1] وهكذا صار هناك أكثر من نسخة مصححة على مخطوطة قونية ومصوبة بكلام الأمير عبد القادر الجزائري.

إذاً، بخلاف ما هو شائع لدى الكثير من الباحثين في كتب ومؤلفات الشيخ محي الدين، بما فيهم عثمان يحيى الذي أهدى تحقيقه للفتوحات المكية إلى "ربِّ السيف والقلم، الأب الروحي الأوّل للثورة الجزائرية الخالدة، الأمير عبد القادر الجزائري، تلميذ الشيخ الأكبر في القرن التاسع عشر، وناشر الفتوحات المكية لأوّل مرّة"، لم يقم الأمير عبد القادر بطباعة أو نشر الفتوحات المكية. ولكنَّ ما حصل هو أنَّ إحدى هذه النسخ المصححة سيقت إلى لجنة التصحيح بمطبعة دار الكتب العربية الكبرى أثناء عملهم على إعادة طباعة الفتوحات المكية سنة 1329 ه، بعد ثلاثين سنة من وفاة الأمير عبد القادر الجزائري، وبعد أربعين سنة من إجراء المقابلة والتصحيح على نسخة قونية، فقامت لجنة التصحيح بإدراج هذه التصحيحات في طبعتهم الثالثة، وهي المعروفة بطبعة القاهرة، الذي ذكرناها أعلاه.

يؤكد هذه النتيجة تعليقات الشيخ عبد المجيد الخاني[2] على أحد النسخ التي تم عليها التصحيح، وهي محفوظة في تركيا، وتوضح أنَّ هذا التصحيح والمقابلة بين طبعة بولاق ومخطوطة قونية تمَّ قبل أربعين سنة من صدور طبعة القاهرة، أي في سنة 1289 ه:

تعليق بالخط الأحمر على الصفحة الأولى من المجلد الأول من طبعة بولاق الأولى الذي صدر في شهر رجب سنة 1269، وهذا التعليق من قبل الشيخ خاني زاده عبد المجيد أفندي، أحد أصحاب الأمير عبد القادر، يوضح إتمام التصحيح والمقابلة تم بقلم الشيخ محمد أفندي طنطاوي، ويتضح في نهاية التعليق أن التصحيح تم سنة 1289.

تحقيق عثمان يحيى للفتوحات المكية [تحميل نسخة مصورة]

بناءً على الثغرات التي ذكرناها أعلاه في طبعة بولاق وطبعة القاهرة، أراد الدكتور عثمان يحيى أن يخرج تحقيقا كاملاً لهذا الكتاب متوافقاً تماماً مع مخطوطة قونية التي قسمها الشيخ محي الدين إلى سبعة وثلاثين سفراً، فتمَّ تكليفه بهذا العمل سنة 1954م من قبل جامعة السوربون، ومنظمة اليونسكو، والمجلس الأعلى للثقافة في مصر، والهيئة المصرية العامة للكتاب. عمل عثمان يحيى على هذا الكتاب خلال حوالي عشرين سنة وأصدر منه أربعة عشر سفراً، ثم توفي دون أن يكمله.

لقد بذل عثمان يحيى في هذا التحقيق جهداً مضنياً في ضبط النص ووضع مقدمة لكل سفر وشرح بعض الجمل الغامضة ووضع العناوين الفرعية والفهارس، ولكنَّ عمله لم يخل من الأخطاء (انظر ملاحظات عبد العزيز المنصوب في الطبعة اليمنية أدناه). صدرت هذه الأسفار الأربعة عشر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بتواريخ مختلفة، بين سنة 1972 م وسنة 1992 م، وكتب التقديم لها رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة الدكتور إيراهيم مدكور (1902م -1996م).

النسخ الإلكترونية [تحميل نسخ مصورة]

قامت العديد من دور النشر في العقود الأخيرة بإعادة نشر طبعة القاهرة، عن طريق تصويرها بعد إخفاء معالمها الأصلية، وقد تم تداول هذه الطبعات لفترة طويلة. ومع ظهور الإنترنت والنشر الإلكتروني تم تداول هذه الطبعات عبر الإنترنت، عن طريق تصويرها في البداية، ثم تم تحويلها إلى نص وأعيد تنسيقه بصور مختلفة.

ظهرت في البداية نسخة نصية في موقع الوراق (alwaraq.net)، وكان فيها الكثير من الأخطاء الناتجة عن طريق برامج التعرف الآلي على الأحرف عن طريق الصور (OCR)، كما أنها لم تراع ترقيم الصفحات وفق الطبعات المنشورة. ثم ظهرت نسخة نصية أخرى في موقع (onetradition.org) وهي نسخة جيدة متوافقة تماما مع طبعة القاهرة. بعد ذلك انتشرت نسخ إلكترونية كثيرة نصية ومصورة على مواقع مختلفة.

طبعات حديثة [تحميل نسخ مصورة]

قامت دار إحياء التراث الإسلامي ببيروت سنة 1997 م، وكذلك دار الكتب العلمية ببيروت سنة 1999 م، بإصدار طبعة حديثة من الفتوحات المكية، بتنسيق وإخراج حديث، مع تخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وتشكيلها، وتشكيل الأبيات الشعرية، وبعض الكلمات الأخرى، ولا تتضمن هذه الطبعات أيَّة دراسة جديدة لمخطوطات الكتاب، ولكن يمكن اعتبارها أوضح نسخة ظهرت حتى تاريخها، وهي إعادة إخراج حديث لطبعة القاهرة.

خرجت طبعة إحياء التراث في أربعة أجزاء، في حين خرجت طبعة دار الكتب في ثمانية مجلدات، بالإضافة إلى مجلد الفهارس، لأنَّ كلَّ مجلد من طبعة القاهرة الأصلية يضم جزأين، ولكنَّ ترقيم الصفحات فيها مختلف عن ترقيم صفحات طبعة القاهرة.

الطبعة اليمنية [تحميل نسخ مصورة]

صدرت هذه الطبعة منذ بضعة سنوات عن وزارة الثقافة بالجمهورية اليمنية بمناسبة الاحتفاء بمدينة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1431 هـ / 2010 م، وقام بتحقيقها الأستاذ عبد العزيز سلطان المنصوب اعتماداً على مخطوطة قونية ومخطوطة مكتبة السليمانية بالإضافة إلى طبعة القاهرة المذكورة أعلاه. تتضمن هذه الطبعة اثني عشر مجلداً وفيها فهارس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية مع تخريجها، وفهارس لأشعار الشيخ محي الدين والأشعار التي استشهد بها، وفهرس للمصطلحات الصوفية، وفهرس لأسماء الأعلام، وفهرس لأسماء الأماكن، وفهرس الكتب المذكورة في كلِّ سفر، وفهرس الفِرق والجماعات.

يقول المحقق في المقدمة إنّ الدكتور عثمان يحيى وقع بأخطاء كثيرة في تحقيقه، مثل: "سقوط عبارات كاملة وكلمات كثيرة من النسخة المحققة، وورود كلمات مضافة من غير الإشارة إلى ذلك.. إضافة إلى كثرة وقوعه في أخطاء إثبات نسبة نصٍّ معيّن إلى نسخة معيّنة في حين يكون أصله للنسخة الأخرى .." إضافة لكونه لم يكن موفقاً كثيراً في استخدام علامات الترقيم. وأنه كذلك حاول اصطناع علاقة خاصّة بين مشرب الشيخ الأكبر وثقافة المدرسة الإسماعيليّة، إلى حدّ اعتباره يبدو وكأنه تلميذ لشيوخ هذه المدرسة.

والحقيقة أنَّ الكثير من هذه الملاحظات ربما يكون صحيحاً، ولكنَّ الدراسة التحليلية للنص التي قام بها عثمان يحيى كان لها فوائد جمة على غاية كبيرة من الأهمية حيث أماط اللثام عن كثير من الكلمات أو العبارت غير الواضحة، وقسم الفقرات الطويلة ووضع لها عناوين تدلُّ على محتواها، كما أضاف هوامش توضيحية كثيرة تقوم بشرح بعض الجمل الغامضة وحل الكثير من المشكلات في النص. وكنا نتمنى لو أنَّ الأستاذ عبد العزيز المنصوب أكمل مثل هذا العمل العظيم الذي منع الموتُ عثمان يحيى أن يكمله.

يبدو أن الأستاذ عبد العزيز حاول في البداية اتباع هذا المنهاج، لكنه سرعان ما تخلى عنه في الأسفار اللاحقة، وربما نقل في كثيرٍ من الأحيان من تحقيق عثمان يحيى نفسه، لدرجة أنه وقع بنفس الأخطاء التي وقع بها عثمان يحيى، مثل إضافة تعليقات تقيِّد النصَّ وربما توجهه باتجاه خاطئ تماماً.

كمثال على ذلك: في الصفحة 74 من الجزء الأول من تحقيق الأستاذ عبد العزيز نجد العبارة "فالحقائق الآن في الحكم (=في العين)، على ما كانت عليه في العلم." وهنا نجد أن الإضافة (=في العين) منقولة تماماً كما وردت في تحقيق عثمان يحيى (السفر الأول، صفحة 54)، وهي غير موفقة على الإطلاق؛ فإنَّ هذا المزج بين المصطلحات الدقيقة في كلام الشيخ محي الدين شديد الخطورة، والكلمتان هنا: "الحكم" و"العين"، اصطلاحان يحملان معنيان مختلفان تماماً. ويقول الشيخ محي الدين بعد صفحات قليلة من هذا النص: "الأعيانُ لا تنقلبُ والحقائقُ لا تتبدَّلُ"، فالموجودات لها أعيان والحقائق لها أحكام، ولا نقول الحقائق لها أعيان. وأما قولنا مثلاً: "الحقيقة عينها" فليست الكلمة هنا اصطلاحاً، وهي تعني فقط: "الحقيقة نفسها"

وفي بعض الأماكن نجد كذلك الأستاذ عبد العزيز (في الصفحة 125 من المجلد الأول) والدكتور عثمان (في الصفحة 141 من السفر الأول) يقسمان الفقرة الواحدة إلى قسمين، بشكل خاطئ وبنفس الطريقة، فيبدآن الفقرة الجديدة بالعبارة "وأنا أولى من نصح نفسه في ذٰلك. ..." مما يفيد أنَّ المتكلم هنا هو الشيخ محي الدين. والحقيقة أن هذه العبارة معطوفة على جملة بدأت في الصفحة السابقة من المخطوطة (قونية): "وأمَّا العاقِلُ اللَّبيبُ النَّاصحُ نفسَه فلا يرمي به ولكن يقول هٰذا جائزٌ عندي ..."، أي إنَّ العاقل اللبيب، والمقصود هو القارئ، يجب أن يقول لنفسه: "هٰذا جائزٌ عندي ... وأنا أولى مَن نَصح نفسه في ذٰلك."

وفي مثال ثالث يلفت الانتباه فقد أخطأ عبد العزيز المنصوب (ج1: ص150) الذي يبدو أنه تبع عثمان يحيى طبعة عثمان يحيى (السفر الأول: ص191) الذي أخطأ بدوره في ترجيح عبارة خاطئة في طبعة القاهرة (ج1: ص42) ولا ندري إن كان الخطأ من اللجنة التي كانت قائمة على طبعة بولاق أو من ناسخ المخطوطة التي نقلوا عنها، فنفس الخطأ حصل في طبعة بولاق أيضاً (ج1: ص45)، وهي الأصل التي اعتمدت عليه طبعة القاهرة، وهذا الخطأ لم يصححه في نسخته الشيخ محمد أفندي بن مصطفى طنطاوي، الذي أوكله الأمير عبد القادر الجزائري، هو والشيخ محمد الطيب المبارك الجزائري، بإجراء التصحيح والمقابلة لطبعة بولاق مع مخطوطة قونية، كما ذكرنا أعلاه.

فالجميع أخطأوا في حذف أداة النفي من العبارة: "لا ينافي صحة الفعل للعبد"، فكتبوها: "الجبر لا يصح عند المحقق لكونه ينافي صحة الفعل للعبد"، بخلاف ما هي عليه في مخطوطة قونية (السفر الأول: ص72) وكذلك في مخطوطة السليمانية، وجميع المخطوطات الأخرى التي فحصتها، مرجحين بذلك رأيهم على كلام الشيخ الدقيق، وذلك لأن الجملة تصبح بسيطة وواضحة بهذا الشكل: "الجبر لا يصح عند المحقق لكونه ينافي صحة الفعل للعبد" وهي تعني أنّ الجبر لا يصحُّ لأنه لو صحَّ لكان الفعل غير منسوب إلى العبد، مما قد يعني أنه لن يكون محاسباً على فعله.

ولكنَّ الصواب هو ما كتبه الشيخ محي الدين: "الجبر لا يصحُّ عند المحقق لكونه لا ينافي صحة الفعل للعبد"، وهذا يعني: الجبر لا يصحُّ لأنه لو صحَّ لصحَّ الفعل للعبد، وذلك لأنَّ الجبر يعني بالضرورة وجود الإباية، وهي فعل، لذلك قال رضي الله عنه بعدها: فالجماد ليس بمجبورٍ لأنَّه لا يُتَصوَّرُ منه فعلٌ؛ فالنتيجة أنَّ الجبر لا يصحُّ عند المحققين لأنّه "لا يُتصوَّر من الممكن فعلٌ ولا له عقلٌ محقَّق"، مع ظُهور الآثار منه، كما شرح الشيخ في الجملة التي تليها. فلو صحَّ الجبر لصحَّ الفعل للعبد، لأن تعريف الجبر هو: "حملُ الممكن على الفعل مع وجود الإباية من الممكن"، والإباية فعل، فالجبر يؤدي إلى نسبة الفعل إلى العبد وبطريقة تجعل له إرادة تخالف الإرادة الإلهية، أي وكأنَّ الله سبحانه وتعالى يجبره على أن يفعل شيئاً وهو لا يريده، وهذا لا يجوز. ومما يؤكد هذا المعنى قول الشيخ في نفس الصفحة (أو الصفحة التي تليها، بحسب اختلاف النسخ): "لو صحَّ الفعلُ من المُمكنِ لصحَّ أن يكونَ قادراً، ولا فِعلَ له فلا قُدرَة له ...".

فلا يجوز تغيير النصِّ الذي كتبه المؤلف طالما هناك احتمال لصحته مهما كان ذلك الاحتمال بعيداً، وهو واضحٌ هنا؛ بل كيف يُعقل أن تمرَّ هذه الجملة على الشيخ محي الدين في النسخة الأولى وفي النسخة الثانية وتمر أثناء المراجعات والسماعات عليه وعلى تلاميذه وهي خطأ، بل هي مقصودة بهذا الشكل الصحيح، والكثير من عبارات الشيخ لا يكون معناها واضحٌ من أوَّل وهلة.

على كل حال إن مثل هذا العمل الضخم يصعب أن يخلو من الأخطاء، وهناك ضرورة دائمة للمراجعة وإعادة التدقيق عدة مرات، وسوف نشير إلى بعض هذه الأخطاء داخل أسفار الكتاب كلما وردت مناسبتها.

=================

[1] (حلية البشر) 1/335 ، (الأمير عبد القادر العالم المجاهد) ص28.

[2] بقبق والمعروف والثابت أنّ الشيخ عبد المجيد الخاني (نسبة إلى خان شيخون) ووالده (الشيخ محمد) كانا مشهورين بتخصصهما في التصوف الفلسفي ، وبشغفهما بابن عربي ، ولذلك لمّا ترجم العلاّمة جمال الدين القاسمي لمشايخه وأهل عصره.



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!