اعلم أن أعظم الجنايات من يهتك و هو أن ينسب إليك ما لم يكن منك و إن ظهر منك فيكون من كرم خلقك أن تصدقه فيما نسب إليك إيثارا لجنابه على نفسك و هو على خلق كريم في ذلك و قد علم منك أنك تأدبت معه فما يكون جزاؤك عنده فمثل هذا لا يبلغ كنه ما يستحقه من الإفضال عليه و الإنعام لأن الأعراض عند ذوي إلهيات و المروءات أعظم في الحرمة من الدماء و الأموال و ما فعل مثل هذا في حقك إلا ليرى صبرك و تحملك مثل هذا الأذى و الجفاء فإنه يعلم أنك تعلم براءة ساحتك مما نسب إليك من المذام التي كانت منه لا منك إيجادا و حكما و أنت بريء منها إيجادا و حكما فلم تفش له سرا و لم تنازعه ففزت زائدا على ما تستحقه بدرجات الصابرين و الراضين و المؤثرين و استعذبت كل ذلك في جنبه و نبهنا تبارك و تعالى على عظيم المنزلة لمن هذه صفته بقوله ﴿فَمَنْ عَفٰا وَ أَصْلَحَ﴾ [الشورى:40] و أعظم العفو على الجناية العظيمة من العظيم الشأن ثم رميه بها من لم تصدر منه تنزيها له و إيثارا لنفسه قال ﴿فَأَجْرُهُ عَلَى اللّٰهِ﴾ [الشورى:40] فيا ليت شعري لم كان أجره على اللّٰه و لم يقل فأجره على صبره و إيثاره كذا و كذا فتنبه إلى هذا الأمر العجاب و لا تكن من الغافلين و ألزم الحضور و الأدب مع اللّٰه قلبك إن أردت أن تكون من أهل اللّٰه و خاصته الذين جعلوا نفوسهم وقاية لله جعلنا اللّٰه ممن اتقاه بنفسه لا به فيحشر في زمرة الأدباء و في هذه الإشارة في كرم الكرم غنية و كفاية
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية