الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)لقلوبهم و أسرارهم متعلقة بالله من حيث معرفة نفوسهم و لا اجتماع لهم بالنهار مع الغافلين بل حركتهم ليلية و نظرهم في الغيب الغالب عليهم مقام الحزن فإن الحزن إذا فقد من القلب خرب فالعارف يأكل الحلوى و العسل و المحقق الكبير يأكل الحنظل فهو كثير التنغيص لا يلتذ بنعمة أبدا ما دام في هذه الدار لشغله بما كلفه اللّٰه من الشكر عليها لقيت منهم بدنيسر عمر الفرقوي و بمدينة فاس عبد اللّٰه السماد و العارفون بالنظر إلى هؤلاء كالأطفال الذين لا عقول لهم يفرحون و يلتذون بخشخاشة فما ظنك بالمريدين فما ظنك بالعامة لهم القدم الراسخة في التوحيد و لهم المشافهة في الفهوانية يقدمون النفي على الإثبات لأن التنزيه شأنهم كلفظة لا إله إلا اللّٰه و هي أفضل كلمة جاءت بها الرسل و الأنبياء توحيدهم كوني عقلي ليسوا من اللهو في شيء لهم الحضور التام على الدوام و في جميع الأفعال اختصوا بعلم الحياة و الأحياء لهم اليد البيضاء فيعلمون من الحيوان ما لا يعلمه سواهم و لا سيما من كل حيوان يمشي على بطنه لقربه من أصله الذي عنه تكون فإن كل حيوان يبعد عن أصله ينقص من معرفته بأصله على قدر ما بعد منه أ لا ترى المريض الذي لا يقدر على القيام و القعود و يبقى طريحا لضعفه و هو رجوعه إلى أصله تراه فقيرا إلى ربه مسكينا ظاهر الضعف و الحاجة بلسان الحال و المقال و ذلك أن أصله حكم عليه لما قرب منه يقول اللّٰه ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ [الروم:54] و قال ﴿خُلِقَ الْإِنْسٰانُ ضَعِيفاً﴾ [النساء:28] فإذا استوى قائما و بعد عن أصله تفرعن و تجبر و ادعى القوة و قال أنا فالرجل من كان مع اللّٰه في حال قيامه و صحته كحاله في اضطجاعه من المرض و الضعف و هو عزيز لهم البحث الشديد في النظر في أفعالهم و أفعال غيرهم معهم من أجل النيات التي بها يتوجهون و إليها ينسبون لشدة بحثهم عنها حتى تخلص لهم الأعمال و يخلصوها من غيرهم و لهذا قيل فيهم النياتيون كما قيل الملامية و الصوفية لأحوال خاصة هم عليها فلهم معرفة الهاجس و الهمة و العزم و الإرادة و القصد و هذه كلها أحوال مقدمة للنية و النية هي التي تكون منه عند مباشرة أفعاله و هي المعتبرة في الشرع الإلهي ففيها يبحثون و هي متعلق الإخلاص و كان عالمنا الإمام سهل بن عبد اللّٰه يدقق في هذا الشأن و هو الذي نبه على نقر الخاطر و يقول إن النية هو ذلك الهاجس و أنه السبب الأول في حدوث الهم و العزم و الإرادة و القصد فكان يعتمد عليه و هو الصحيح عندنا ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (الباب الرابع و الثلاثون في معرفة شخص تحقق في منزل الأنفاس فعاين منها أمورا أذكرها إن شاء اللّٰه)إن المحقق بالأنفاس رحمان *** فالعرش في حقه إن كان إنسان و إن توجه نحو العين يطلبها *** له العماء و إحسان فإحسان مقامه باطن الأعراف يسكنه *** يزوره فيه أنصار و أعوان له من الليل إن حققت آخره *** كما له من وجود العين إنسان إن لاح ظاهره تقول قرآن *** أو لاح باطنه تقول فرقان قد جمع اللّٰه فيه كل منقبة *** فهو الكمال الذي ما فيه نقصان [الإدراكات و المعلومات]اعلم أيدك اللّٰه بروح القدس أن المعلومات مختلفة لأنفسها و أن الإدراكات التي تدرك بها المعلومات مختلفة أيضا لأنفسها كالمعلومات و لكن من حيث أنفسها و ذواتها لا من حيث كونها إدراكات و إن كانت مسألة خلاف عند أرباب النظر و قد جعل اللّٰه لكل حقيقة مما يجوز أن يعلم إدراكا خاصا عادة لا حقيقة أعني محلها و جعل المدرك بهذه الإدراكات لهذه المدركات عينا واحدة و هي ستة أشياء سمع و بصر و شم و لمس و طعم و عقل و إدراك جميعها للأشياء ما عدا العقل ضروري و لكن الأشياء التي ارتبطت بها عادة لا تخطئ أبدا و قد غلط في هذا جماعة من العقلاء و نسبوا الغلط للحس و ليس كذلك و إنما الغلظ للحاكم [المعرفة العقلية و الحسية]و أما إدراك العقل المعقولات فهو على قسمين منه ضروري مثل سائر الإدراكات و منه ما ليس بضروري بل يفتقر في علمه إلى أدوات ست منها الحواس الخمس التي ذكرناها و منها القوة المفكرة و لا يخلو معلوم يصح أن يعلمه مخلوق أن يكون مدركا بأحد هذه الإدراكات و إنما قلنا إن جماعة غلطت في إدراك الحواس فنسبت إليها الأغاليط و ذلك أنهم رأوا إذا كانوا في سفينة تجري بهم مع |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |