و مما يؤيد ما ذكرناه أن الأشياء الطبيعية لا تقبل الغذاء إلا من مشاكلها فأما ما لا يشاكلها فلا تقبل الغذاء منه قطعا مثال ذلك أن الموالد من المعادن و النبات و الحيوان مركبة من الطبائع الأربع و الموالد لا تقبل الغذاء إلا منها و ذلك لأن فيها نصيبا منها و لو رام أحد من الخلق على أن يجعل غذاء جسمه المركب من هذه الطبائع من شيء كائن عن غير هذه الطبائع أو ما تركب عنها لم يستطع فكما لا يمكن لشيء من الأجسام الطبيعية أن تقبل غذاء إلا من شيء هو من الطبائع التي هي منها كذلك لا يمكن لأحد أن يعلم شيئا ليس فيه مثله البتة أ لا ترى النفس لا تقبل من العقل إلا ما تشاركه فيه و تشاكله و ما لم تشاركه فيه لا تعلمه منه أبدا و ليس من اللّٰه في أحد شيء و لا يجوز ذلك عليه بوجه من الوجوه فلا يعرفه أحد من نفسه و فكره «قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه و سلم إن اللّٰه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار و إن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم» فأخبر عليه السّلام بأن العقل لم يدركه بفكره و لا بعين بصيرته كما لم يدركه البصر و هذا هو الذي أشرنا إليه فيما تقدم من بابنا فلله الحمد على ما ألهم و أن علمنا ما لم نكن نعلم و كان فضل اللّٰه عظيما
[التنزيه و نفي المماثلة و التشبيه]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية