﴿وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف:104] و ما أحسنوا صنعا فهي شبهات في صور أدلة تظهر و ليست أدلة في نفس الأمر فالكيس من يقف عندها و لا يحكم فيها بشيء فإن لها شبها بالطرفين و من هذه الحضرة نزلت الآيات المتشابهات التي نهينا عن الخوض فيها و نسبنا إلى الزيغ في اتباعها فإن الزيغ ميل إلى أحد الشبهين و إذا أولت إلى أحد الشبهين فقد صيرتها محكمة و هي متشابهات فعدلت بها عن حقيقتها و كل من عدل بشيء عن حقيقته فما أعطاه حقه كما أعطاه اللّٰه خلقه و الإنسان مأمور بأن يوفي كل ذي حق حقه و من هذه الحضرة ظهرت الأعداد في أعيان المعدودات فلما تركب العدد في المعدود تخيل منه ما ليس له حكم في وجود عيني فهذه الحضرة أعطت كثرة الأسماء لله و هي كلها أسماء حسني تتضمن المجد و الشرف بل هي نص في المجد و الشرف فلهذا قيل فيه إنه تعالى حسيب و الحسيب ذو الحسب الكريم و النسب الشريف و لا نسب أتم و لا أكمل في الشرف من شرف الشيء بذاته لذاته و لهذا «لما قيل لمحمد ﷺ انسب لنا ربك ما نسب الحق نفسه فيما أوحى إليه به إلا لنفسه و تبرأ أن يكون له نسب من غيره فأنزل عليه سورة الإخلاص» ﴿قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ اَللّٰهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ فعدد و مجد فكانت له عواقب الثناء بما له من التحميد ثم أبان أن له الأسماء الحسنى و عين لنا منها ما شاء و أمرنا أن ندعوه بها مع أن له أسماء كل شيء في العالم فكل اسم في العالم فهو حسن بهذه النسبة و من هنا قالوا أفعال اللّٰه كلها حسنة و لا فاعل إلا اللّٰه هكذا حكم الأسماء التي تسمى بها العالم كله و لا سيما إن قلنا بقول من يقول إن الاسم هو المسمى و قد بينا أنه ما ثم وجود إلا اللّٰه و كذلك لو قلنا إن الاسم ليس المسمى لكان مدلول الاسم وجود الحق أيضا فعلى كل وجه ليس إلا الحق فما ثم وضيع فالكل ذو حسب صميم و مجد و شرف عميم و إنما الحسبان الذي رمى اللّٰه به روضة أحد الرجلين من السماء فأصبحت ﴿صَعِيداً زَلَقاً﴾ [الكهف:40] و أصبح ماؤها غورا فكونها أصبحت صعيدا زلقا أورثها الشرف و بما نعتها به من الزلق أورثها التنزيه و الرفعة في الدرجة بما جعلها صعيد أو أزال عنها أنواع المخالفة بما أزال عنها من الشجر فإن الحسبان كان من السماء فأعطى مرتبة السمو لمن كان موصوفا بالأرض و هي الساترة من فيها و لهذا سميت جنة فما أبرز ما برز منها إلا جود السماء و هو المطر وجودها بحرارة الشمس فمن السماء ظهرت زينتها فالسماء كستها بحسبانها و السماء جردتها من زينتها بحسبانها فمن زينتها كثرت أسماؤها بما فيها من صنوف الثمر و الأشجار و الأزاهر و من تجريدها و تنزيهها توحد اسمها و ذهبت أسماؤها لذهاب زينها ﴿إِنّٰا جَعَلْنٰا مٰا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهٰا﴾ [الكهف:7] و ليس الأرض في الاعتبار سوى المسمى خلقا و ليس زينتها سوى المسمى حقا فبالحق تزينت و بالحق تنزهت و تجردت عن ملابس العدد و ظهرت بصفة الأحد و هذا كله من هذه الحضرة حضرة الاكتفاء و هو الاسم الإلهي الحسيب ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] و هو قوله ﴿وَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [يونس:25]
«حضرة الجلال»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية