و اعلم أنه من أوجدك له لا لك ففي حق نفسه عمل لا في حقك فما أنت المقصود لعينك قال عز و جل ﴿وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات:56] فذكر ما ظهر و هو مسمى الإنس و ما استتر و هو مسمى الجن فإذا نظرت إلى هذا الخبر و سعدت أنت بهذه الوجوه فإنما سعدت بحكم التبعية فاعلم ما يقول له إذا قرر عليك النعم فإنما يقررها عليك لسان الإمكان فإن شئت فاسمع و اسكت و إن شئت فتكلم كلاما يسمع منك و ليس إلا أن تقول له ما قاله فبكلامه تحتج إن أردت أن تكون ذا حجة و إن تأدبت و سكت فإنه يعلم منك على ما سكت و انطويت عليه فما كل حق ينبغي أن يقال و لا يذاع و لا سيما في موطن الأشهاد و الخصم قوي و الحاكم اللّٰه و لا يحكم إلا بالحق الذي سأل منه رسول اللّٰه ﷺ أن يحكم به في قوله ﴿قٰالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَ رَبُّنَا الرَّحْمٰنُ الْمُسْتَعٰانُ عَلىٰ مٰا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء:112] و لو لا ما هو الرحمن ما اجترأ العبد أن يقول ﴿رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء:112] فإنه تعالى ما يحكم إلا بالحق فإنه ما يتعدى علمه فيه الذي أخذه منه أزلا و ظهر حكمه أبدا ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية