و قال تعالى في ذلك ﴿كِتٰابٌ أُحْكِمَتْ آيٰاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ [هود:1] فأحكام الآيات فيه و تفصيلها لا يعرفه إلا من آتاه اللّٰه الحكمة و فصل الخطاب و صورة الحكمة التي أعطاها الحكيم الخبير لأهل العناية علم مراتب الأمور و ما تستحقه الموجودات و المعلومات من الحق الذي هو لها و هو إعطاء كل شيء خلقه إعطاء إلهيا ليعطي كل خلق حقه إعطاء كونيا بما آتانا اللّٰه فنعلم بالقوة ما يستحقه كل موجود في الحدود و نفصله بعد ذلك آيات بالفعل لمن يعقل كما أعطانيه الخبير الحكيم فننزل الأمور منازلها و نعطيها حقها و لا نتعدى بها مرتبتها فتفصيل الآيات و الدلالات من المفصل إذا جعلها في أماكنها بهذا الشرط لأنه ما كل مفصل حكيم دليل على أنه قد أوتي الحكمة و علم أحكام الآيات و رحمته بالآيات و الموجودات التي هي الكتاب الإلهي و ليس إلا العالم دليل على علمه بمن أنزله و ليس إلا الرحمن الرحيم و خاتمة الأمر ليست سوى عين سوابقها و سوابقها الرحمن الرحيم فمن هنا تعلم مراتب العالم و مآله إنه إلى الرحمة المطلقة و إن تعب في الطريق و أدركه العناء و المشقة فمن الناس من ينال الرحمة و الراحة بنفس ما يدخل المنزل الذي وصل إليه و هم أهل الجنة و منهم من يبقى معه تعب الطريق و مشقته و نصب بحسب مزاجه و ربما مرض و اعتل زمانا ثم انتقل من دائه و استراح و هم أهل النار الذين هم أهلها ما هم الذين خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم اللّٰه فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه و يقيمون فيه مع أهليهم و إنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله فهذا معنى الحكمة و التفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها و يعلمها اللّٰه سبحانه و على ما هي عليه في نفسها و يراها و يأمرها بالتكوين و هو الوجود فتتكون عن أمره فما عند اللّٰه إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال بل الأمر كله في نفسه و في علم اللّٰه مفصل و إنما وقع الإجمال عندنا و في حقنا و فينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا فذلك الذي أعطاه اللّٰه الحكمة و فصل الخطاب و ليس إلا الرسل و الورثة خاصة و أما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال و صورة ذلك كما يراه صاحب هذا المقام الذي أعطاه اللّٰه الحكمة التي عنده عناية إلهية و هي عند الحق تعيين الأرواح الجزئية المنفوخة في الأجسام المسواة المعدلة من الطبيعة العنصرية من الروح الكل المضاف إليه و لذلك ذكر أنه خلقها قبل الأجسام أي قدرها و عينها الكل جسم و صورة روحها المدبر لها الموجود بالقوة في هذا الروح الكل المضاف إليه فيظهر ذلك في التفصيل بالفعل عند النفخ و ذلك هو النفس الرحماني لصاحب الكشف فيرى في المداد الذي في الدواة جميع ما فيه من الحروف و الكلمات و ما يتضمنه من صور ما يصورها الكاتب أو الرسام و كل ذلك كتاب فيقول في هذا المداد من الصور كذا و كذا صورة فإذا جاء الكاتب و الرسام أو الرسام دون الكاتب أو الكاتب دون الرسام بحسب ما يذكره صاحب الكشف فيكتب بذلك المداد و يرسم جميع ما ذكره هذا المكاشف بحيث لا يزيد على ذلك و لا ينقص و لا يدرك ذلك هذا المسمى في عرف العقلاء حكما فهذا حظ أهل الكشف فهم الذين أعطاهم اللّٰه الحكمة و فصل الخطاب و قد أمرنا رسول اللّٰه ﷺ أن نعطي كل ذي حق حقه و لا نفعل ذلك حتى نعلم ما يستحقه كل ذي حق من الحق و ليس إلا بتبيين الحق لنا ذلك و لذلك أضافه إليه تعالى فقال ﴿وَ آتَيْنٰاهُ الْحِكْمَةَ﴾ [ص:20]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية