فظهر الكون عن الحروف و من هنا جعله الترمذي علم الأولياء و من هنا منع من منع أن يعمل الحرف الواحد فإنه رأى مع الاقتدار الإلهي لم يأت في الإيجاد حرف واحد و إنما أتى بثلاثة أحرف حرف غيبي و حرفين ظاهرين إذا كان الكائن واحدا فإن زاد على واحد ظهرت ثلاثة أحرف فهذه علوم هؤلاء الرجال المذكورين في هذا الباب و عمل أكثر رجال هذا العلم لذلك جدولا و أخطئوا فيه و ما صح فلا أدري أ بالقصد عملوا ذلك حتى يتركوا الناس في عماية من هذا العلم أم جهلوا ذلك و جرى فيه المتأخر على سنن المتقدم و به قال تلميذ جعفر الصادق و غيره و هذا هو الجدول في طبائع الحروف حار بارد يابس رطب فكل حرف منها وقع في جدول الحرارة فهو حار و ما وقع منها في جدول البرودة فهو بارد و كذلك اليبوسة و الرطوبة و لم نر هذا الترتيب يصيب في كل عمل بل يعمل بالاتفاق كأعداد الوفق
[الحروف:خاصيتها في أشكالها لا في حروفها]
و اعلم أن هذه الحروف لم تكن لها هذه الخاصية من كونها حروفا و إنما كان لها من كونها أشكالا فلما كانت ذوات أشكال كانت الخاصية للشكل و لهذا يختلف عملها باختلاف الأقلام لأن الأشكال تختلف فأما الرقمية فأشكالها محسوسة بالبصر فإذا وجدت أعيانها و صحبتها أرواحها و حياتها الذاتية كانت الخاصية لذلك الحرف لشكله و تركيبه مع روحه و كذلك إن كان الشكل مركبا من حرفين أو ثلاثة أو أكثر كان للشكل روح آخر ليس الروح الذي كان للحرف على انفراده فإن ذلك الروح يذهب و تبقي حياة الحرف معه فإن الشكل لا يدبره سوى روح واحد و ينتقل روح ذلك الحرف الواحد إلى البرزخ مع الأرواح فإن موت الشكل زواله بالمحو و هذا الشكل الآخر المركب من حرفين أو ثلاثة أو ما كان ليس هو عين الحرف الأول الذي لم يكن مركبا إن عمرا ليس هو عين زيد و إن كان مثله و أما الحروف اللفظية فإنها تتشكل في الهواء و لهذا تتصل بالسمع على صورة ما نطق بها المتكلم فإذا تشكلت في الهواء قامت بها أرواحها و هذه الحروف لا يزال الهواء يمسك عليها شكلها و إن انقضى عملها فإن عملها إنما يكون في أول ما تتشكل في الهواء ثم بعد ذلك تلتحق بسائر الأمم فيكون شغلها تسبيح ربها و تصعد علوا ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر:10] و هو عين شكل الكلمة من حيث ما هي شكل مسبح لله تعالى و لو كانت كلمة كفر فإن ذلك يعود وباله على المتكلم بها لا عليها و لهذا قال الشارع إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط اللّٰه ما لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيهوي بها في النار سبعين خريفا فجعل العقوبة للمتلفظ بها بسببها و ما تعرض إليها فهذا كلام اللّٰه سبحانه يعظم و يمجد و يقدس المكتوب في المصاحف و يقرأ على جهة القربة إلى اللّٰه و فيه جميع ما قالت اليهود و النصارى في حق اللّٰه من الكفر و السب و هي كلمات كفر عاد وبالها على قائلها و بقيت الكلمات على بابها تتولى يوم القيامة عذاب أصحابها أو نعيمهم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية