و هذا سلام فضيلة و إخبار فكيف سلام واجب ناب الحق مناب من أجاب عنه و جزاء الفرائض أعظم من جزاء الفضائل في حق من قيل فيه ﴿وَ سَلاٰمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ [مريم:15] فيجمع له بين الفضيلتين و قد وردت صلاة اللّٰه علينا ابتداء و ما وصل إلي هل ورد السلام ابتداء كما وردت الصلاة أم لا فمن روى في ذلك شيئا و تحققه فقد جعلت أمانة في عنقه أن يلحقه في هذا الموضع إلى جانب صلاة اللّٰه علينا في هذا الباب ليكون بشرى للمؤمنين و شرفا لكتابي هذا و اللّٰه المعين و الموفق لا رب غيره
[الآباء الطبيعيون و الأمهات الطبيعيات]
و أما الآباء الطبيعيون و الأمهات فلم نذكرهم فلنذكر الأمر الكلي من ذلك و هم أبوان و أمان فالأبوان هما الفاعلان و الأمان هما المنفعلان و ما يحدث عنهما هو المنفعل عنهما فالحرارة و البرودة فاعلان و الرطوبة و اليبوسة منفعلان فنكحت الحرارة اليبوسة فانتجا ركن النار و نكحت الحرارة الرطوبة فانتجا ركن الهواء ثم نكح البرودة الرطوبة فانتجا ركن الماء و نكح البرودة اليبوسة فانتجا ركن التراب فحصلت في الأبناء حقائق الآباء و الأمهات فكانت النار حارة يابسة فحرارتها من جهة الأب و يبوستها من جهة الأم و كان الهواء حارا رطبا فحرارته من جهة الأب و رطوبته من جهة الأم و كان الماء باردا رطبا فبرودته من جهة الأب و رطوبته من جهة الأم و كانت الأرض باردة يابسة فبرودتها من جهة الأب و يبوستها من جهة الأم فالحرارة و البرودة من العلم و الرطوبة و اليبوسة من الإرادة هذا حد تعلقها في وجودها من العلم الإلهي و ما يتولد عنهما من القدرة ثم يقع التوالد في هذه الأركان من كونها أمهات لآباء الأنوار العلوية لا من كونها آباء و إن كانت الأبوة فيها موجودة فقد عرفناك أن الأبوة و البنوة من الإضافات و النسب فالأب ابن لأب هو ابن له و الابن أب لابن هو أب له و كذلك باب النسب فانظر فيه و اللّٰه الموفق لا رب غيره و لما كانت اليبوسة منفعلة عن الحرارة و كانت الرطوبة منفعلة عن البرودة قلنا في الرطوبة و اليبوسة إنهما منفعلتان و جعلناهما بمنزلة الأم للأركان و لما كانت الحرارة و البرودة فاعلين جعلناهما بمنزلة الأب للأركان و لما كانت الصنعة تستدعي صانعا و لا بد و المنفعل يطلب الفاعل بذاته فإنه منفعل لذاته و لو لم يكن منفعلا لذاته لما قبل الانفعال و الأثر و كان مؤثرا فيه بخلاف الفاعل فإنه يفعل بالاختيار إن شاء فعل فيسمى فاعلا و إن شاء ترك و ليس ذلك للمنفعل و لهذه الحقيقة ذكر تعالى و هو من فصاحة القرآن و إيجازه و لا رطب و لا يابس إلا في كتاب مبين فذكر المنفعل و لم يذكر و لا حار و لا بارد لما كانت الرطوبة و اليبوسة عند العلماء بالطبيعة تطلب الحرارة و البرودة اللتين هما منفعلتان عنهما كما تطلب الصنعة الصانع لذلك ذكرهما دون ذكر الأصل و إن كان الكل في الكتاب المبين فلقد جاء اللّٰه سيدنا محمدا صلى اللّٰه عليه و سلم بعلوم ما نالها أحد سواه كما قال فعلمت علم الأولين و الآخرين في حديث الضرب باليد فالعلم الإلهي هو أصل العلوم كلها و إليه ترجع و قد استوفينا ما يستحقه هذا الباب على غاية الإيجاز و الاختصار فإن الطول فيه إنما هو بذكر الكيفيات و أما الأصول فقد ذكرناها و مهدناها
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية