اعلم أن الغيبة عند القوم غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق لشغل القلب بما يرد عليه و إذا كان هذا فلا تكون الغيبة إلا عن تجل إلهي و لا يصح أن تكون الغيبة على ما حدوه عن ورود مخلوق فإنه مشغول غائب عن أحوال الخلق و بهذا تميزت الطائفة عن غيرها فإن الغيبة موجودة الحكم في جميع الطوائف فغيبة هذه الطائفة تكون بحق عن خلق حتى تنسب إليه على جهة الشرف و المدح و أهل اللّٰه في الغيبة على طبقات و إن كانت كلها بحق فغيبة العارفين غيبة بحق عن حق و غيبة من دونهم من أهل اللّٰه غيبة بحق عن خلق و غيبة الأكابر من العلماء بالله غيبة بخلق عن خلق فإنهم قد علموا أن الوجود ليس إلا اللّٰه بصور أحكام الأعيان الثابتة الممكنات و لا يغيبه إلا صورة حكم عين في وجود حق فيغيب عن حكم صورة عين أخرى تعطي في وجود الحق ما لا تعطي هذه و الأعيان و أحكامها خلق فما غاب إلا بخلق عن خلق في وجود حق فالعامة مصيبة لبعض هذه المسألة فإنها ينقصها منها في وجود حق و غيبتها إنما هي بخلق عن خلق مثل الكمل من رجال اللّٰه و ما في الأعيان عين يكون حكمها مشاهدة للكل فلا تتصف بالغيبة و لما لم تكن ثم عين لها وصف الإحاطة بالحضور مع الكل و إن ذلك من خصائص الإله فلا بد من الغيبة في العالم و الحضور و قد أومأنا إلى ما فيه كفاية في هذا الباب ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الباب الخامس و الأربعون و مائتان في الحضور»
و هو الحضور مع اللّٰه جل ثناؤه و تقدست أسماؤه مع الغيبة هكذا هو عند القوم
حضوري مع الحق في غيبتي *** حضوري به فهو الحاضر
هو الباطن الحق في غيبتي *** و عند حضوري هو الظاهر
فإن فته فأنا أول *** و إن فاتني فأنا الآخر
اعلم أنه لا تكون غيبة إلا بحضور فغيبتك من تحضر معه لقوة سلطان المشاهدة كما أن سلطان البقاء يفنيك لأنه صاحب الوقت و الحكم و التفصيل في الحضور في أهله كما ذكرناه في الغيبة سواء فكل غائب حاضر و كل حاضر غائب لأنه لا يتصور الحضور مع المجموع و إنما هو مع آحاد المجموع لأن أحكام الأسماء و الأعيان تختلف و الحكم للحاضر فلو حضر بالمجموع لتقابلت و أدى إلى التمانع و فسد الأمر فلا يصح الحضور مع المجموع لا عند من يرى حضوره بحق و لا عند من يرى حضوره بخلق فإن حكم الأعيان مثل حكم الأسماء في التقابل و الاختلاف و ظهور السلطان فتدبر ما ذكرناه تجد العلم إن شاء اللّٰه
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية