اعلم وفقك اللّٰه أن الصمت أحد الأربعة الأركان التي بها يكون الرجال و النساء أبدا لا قيل لبعضهم كم الأبدال قال أربعون نفسا قيل له لم لم تقل رجلا قال قد يكون فيهم النساء كما «قال ﷺ في الكمال فذكر أنه يكون أيضا في النساء و عين منهن مريم ابنة عمران و آسية امرأة فرعون»
[مقام الصمت و حاله و حكمه]
و له حال و مقام فأما مقامه فهو إنه لا يرى متكلما إلا من خلق الكلام في عباده و هو اللّٰه تعالى ﴿خٰالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام:102] فالعبد صامت بذاته متكلم بالعرض و أما حاله فهو أن يرى أن اللّٰه و إن خلق الكلام فيه فالعبد هو المتكلم فيه كما هو المتحرك بخلق الحركة فيه و لا يصح أن يصمت مطلقا أصلا فإنه مأمور بذكر اللّٰه تعالى في أحوال مخصوصة أمر وجوب فهو مقام مقيد بصفة تنزيه لأنه وصف سلبي و حكمه في ظاهر الإنسان و أما باطنه فلا يصح فيه صمت فإنه كله ناطق بتسبيح اللّٰه فالصمت محال و إنما الكلام على الصمت المعلوم بالعرف و من تخلل صمته كلام في غير فرض و لا ذكر لله فما صمت
[الصامت في طريق اللّٰه]
فالصامت هنا هو الذي يقيم نشأة مصمتة الأجزاء لا يتخللها حين فارغ مقدر حينئذ يكون صامتا و إذا أراد الإنسان أن يختبر نفسه هل هو ممن صمت كما ينبغي فلينظر هل له فعل بالهمة المجردة فيما من شأنه أن لا يفعل إلا بالكلام أم لا فإن أثر و حصل المقصود فهو صامت حقيقة مثل أن يريد أن يقول لخادمه اسقني ماء و أتني بطعام أو سر إلى فلان فقل له كذا و كذا و لا يشير إلى الخادم بشيء من هذا كله فيجد الخادم في نفسه ذلك كله بأن يخلق اللّٰه في سمع الخادم عن ذلك يقول فلان قال لي افعل كذا و كذا يسمع ذلك حسا بإذنه و لكن يتخيل أنه صوت ذلك الصامت و ليس كذلك فمن ليست له هذه الحالة فلا يدعي أنه صامت
[المتكلم بالإشارة]
و أما الصامت المتكلم بالإشارة فهو يتعب نفسه و غيره و لا ينتج له شيئا بل هو ممن يتشبه بالأخرس الذي يتكلم بالإشارة فلا يعول عليه و هذا مما غلط فيه جماعة من أهل الطريق فمن نصح نفسه فقد أقمنا له ميزان هذا المقام الذي يزنه به حتى لا يتلبس عليه الأمر و هذا لا يكون إلا للالهيين المحسنين لا لغيرهم من المؤمنين و المسلمين الذين لم يحصل لهم مقام الإحسان
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية