الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)كانت قرينة الحال تحيره بقي على الأمر العرفي الذي يشهد له بمكارم الأخلاق و لذلك قال ﴿مٰا كٰانَ مُحَمَّدٌ أَبٰا أَحَدٍ مِنْ رِجٰالِكُمْ وَ لٰكِنْ رَسُولَ اللّٰهِ وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:40] فهو واقف مع حكم اللّٰه و هكذا المؤمن الكامل الايمان ما هو مع الناس و إنما هو مع ما يحكم اللّٰه به عليه على لسان رسوله ﷺ الذي بالإيمان به ﷺ ثبت الايمان له فإن النبي ﷺ يقول في حق من يؤمن بالله و يؤمن بي و بما جئت به و ما بعثه اللّٰه تعالى إلا ليتمم مكارم الأخلاق فأحواله كلها مكارم أخلاق فهو مبين لها بالحال و هو أتم و أعدل و أمضى في الحكم من القول فإن الحق له نزول إلى عباده *** و ما لنا نحوه عروج فإنه لم يزل عليا *** يجهله العالم المريج من ليس في حيز تراه *** فلا ولوج و لا خروج و نحن في حيز و وقت *** يصح فيه لنا الولوج لاح بأرض الجسوم عنه *** من كل شيء زوج بهيج فنسبة المؤمن الكامل و الرسول إلى الخلق نسبة ليلة القدر إلى الليالي و ما أراد بألف شهر : توقيتا بل أراد أنها خير على الإطلاق من جميع ليالي الزمان في أي وجود كان إذا بدا فيك كل أمر *** فأنت ﴿خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر:3] في ليلة ما لها صباح *** يذهبها منك نور فجر ما الروح في كونها سوائي *** يا ليلة القدر فيك قدري في ليلة القدر من وجودي *** ينزل الحق كل أمر فكان مما نزل ﴿وَ تَخْشَى النّٰاسَ وَ اللّٰهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشٰاهُ﴾ [الأحزاب:37] و ما جعله في ذلك إلا «قوله ﷺ لو كنت أنا بدل يوسف لأجبت الداعي» يعني داعي الملك لما دعاه إلى الخروج من السجن فلم يخرج يوسف حتى قال ﴿اِرْجِعْ إِلىٰ رَبِّكَ﴾ [يوسف:50] يعني العزيز الذي حبسه ﴿فَسْئَلْهُ مٰا بٰالُ النِّسْوَةِ﴾ ليثبت عنده براءته فلا تصح له المنة عليه في إخراجه من السجن ﴿بَلِ اللّٰهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ [الحجرات:17] إذ لو بقي الاحتمال لقدح في عدالته و هو رسول من اللّٰه فلا بد من عدالته أن تثبت في قلوبهم فلذلك كانت الخشية حتى لا ترد دعوة الحق فابتلى اللّٰه نبيه ﷺ بنكاح زوجة من تبناه و كان لو فعله عند العرب مما يقدح في مقامه و هو رسول اللّٰه فأبان اللّٰه لهم عن العلة في ذلك و هو رفع الحرج عن المؤمنين في مثل هذا الفعل ثم فصل بينه و بينهم بالرسالة و الختم فكان من اللّٰه في حق رسول اللّٰه ﷺ ما كان من يوسف حين لم يجب الداعي فهذا من هدى الأنبياء الذي قال فيه لرسوله ﷺ حين ذكر الأنبياء ع ﴿أُولٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّٰهُ فَبِهُدٰاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام:90] فلو كان رسول اللّٰه ﷺ في الحال الذي كان فيه يوسف عليه السّلام ما أجاب الداعي و لقال مثل ما قال يوسف فما «قال لو كنت أنا لأجبت الداعي» إلا تعظيما في حق يوسف كما قال نحن أولى بالشك من إبراهيم و لم يكن في شك لا هو و لا إبراهيم من الشك الذي يزعمونه الذي نفاه رسول اللّٰه ﷺ فإنه لو شك إبراهيم لكان محمد أولى بالشك منه فإنه مأموران يهتدي بهداهم فالرسل و المؤمنون الكمل ما هم واقفون مع ما يعطيهم نظرهم و إنما يقفون مع ما يأتيهم من ربهم و الذي يأتيهم من اللّٰه قد يكون كما قلنا أمرا و عرضا فالأمر معمول به و لا بد و في العرض التخيير كما قررنا و أما حالهم في معرفتهم بالله فكما قلنا في قصيدة لنا معارف الحق لا تخفى على أحد *** إلا على أحد لا يعرف الأحدا (و كما قلنا) إذا كان مشهودي هو الكيف و الكم *** فما ذاك إلا الوهم ما ذلك العلم بما هو عين الأمر في عين ذاته *** و هل يتجلى الحق فيما له كم فما هو حق في الحقيقة واضح *** و لكنه حق عليه بنا ختم |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |