الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)ليعلموا أنهم في مرتبة النقص و هو كمالهم عن الكمال الإلهي فقال ﴿وَ الَّذِي جٰاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر:33] يعني محمدا صلى اللّٰه عليه و سلم فكنى عنه بالذي جاء بالصدق و الذي من الأسماء النواقص و لما علم إن العبد المقرب يتألم بظهور نقصه و يخاف من الحاقة بالعدم و رجوعه إلى أصله آنسه سبحانه من باب اللطف و الكرم فسمى سبحانه نفسه بالأسماء النواقص فقال ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [الأنعام:2] و قال ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمٰاءِ﴾ [الأنعام:99] و ليس في القرآن لله تعالى أكثر من الأسماء النواقص فكان ذلك تأمينا للخلفاء فإنهم قاطعون بأن الحق ليس له مرتبة النقص و لا يقبلها و مع ذلك قد جرت عليه الأسماء النواقص فلو أثرت الأسماء لذاتها في المسمى لأثرت في اللّٰه و هي غير مؤثرة فيه إذا فنرجو أنها لا تؤثر فينا تأثير العدم و لكن كمالنا في أن تؤثر فينا تأثير وقوفنا مع عجزنا و فقرنا و هذا الباب الذي فتحناه علينا في هذا المنزل باب واسع لا يتسع الوقت لا يراد بعض ما يعطيه فليكف هذا القدر منه ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] انتهى السفر التاسع عشر من الفتوح المكي ﴿وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الأنعام:45] «الباب التاسع و الثمانون و مائتان في معرفة منزل العلم الأمي الذي ما تقدمه علم من الحضرة الموسوية»العلم بالله تزيين و تحلية *** و العلم بالفكر تشبيه و تضليل و العلم بالفكر إجمال و مغلطة *** و العلم بالله تحقيق و تفصيل و العلم بالفكر أعلام مجردة *** و العلم بالله تحويل و تبديل فلا تغرنك أقوال مزخرفة *** فإن مدلولها جهل و تعليل فالفيلسوف يرى نفي الإله بما *** تعطيه علته و ذاك تعطيل و الأشعري يرى عينا مكثرة *** و ذاك علم و لكن فيه تمثيل [الأمية عند ابن العربي]الأمية عندنا لا تنافي حفظ القرآن و لا حفظ الأخبار النبوية و لكن الأمية عندنا من لم يتصرف بنظره الفكري و حكمه العقلي في استخراج ما تحوي عليه من المعاني و الأسرار و ما تعطيه من الأدلة العقلية في العلم بالإلهيات و ما تعطيه للمجتهدين من الأدلة الفقهية و القياسات و التعليلات في الأحكام الشرعية فإذا سلم القلب من علم النظر الفكري شرعا و عقلا كان أميا و كان قابلا للفتح الإلهي على أكمل ما يكون بسرعة دون بطء و يرزق من العلم اللدني في كل شيء ما لا يعرف قدر ذلك إلا نبي أو من ذاقه من الأولياء و به تكمل درجة الايمان و نشأته و يقف بهذا العلم على إصابة الأفكار و غلطاتها و بأي نسبة ينسب إليها الصحة و السقم و كل ذلك من اللّٰه و يعلم مع حكمه بالباطل أنه لا باطل في الوجود إذ كان كل ما دخل في الوجود من عين و حكم لله تعالى لا لغيره فلا عبث و لا باطل في عين و لا حكم إذ لا فعل إلا لله و لا فاعل إلا اللّٰه و لا حكم إلا لله و لا حاكم إلا اللّٰه فمن تقدمه العلم بما ذكرناه فبعيد إن يحصل له من العلم اللدني الإلهي ما يحصل للأمي منا الذي ما تقدمه ما ذكرناه فإن الموازين العقلية و ظواهر الموازين الاجتهادية في الفقهاء ترد كثيرا مما ذكرناه إذ كان الأمر جله و معظمه فوق طور العقل و ميزانه لا يعمل هنالك و فوق ميزان المجتهدين من الفقهاء لا فوق الفقه فإن ذلك عين الفقه الصحيح و العلم الصريح و في قصة موسى و الخضر دليل قوي على ما ذكرناه فكيف حال الفقيه و أين الأينية و ما شاكلها التي نسبها الشارع و الكشف إلى الإله من الموازين النظرية و البراهين العقلية على زعم العقل و حكم المجتهد فالرحمة التي يعطيها اللّٰه عبده أن يحول بينه و بين العلم النظري و الحكم الاجتهادي من جهة نفسه حتى يكون اللّٰه يحابيه بذلك في الفتح الإلهي و العلم الذي يعطيه من لدنه قال تعالى في حق عبده خضر ﴿عَبْداً مِنْ عِبٰادِنٰا﴾ [الكهف:65] فأضافه إلى نون الجمع ﴿آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا﴾ [الكهف:65] بنون الجمع ﴿وَ عَلَّمْنٰاهُ﴾ [الكهف:65] بنون الجمع ﴿مِنْ لَدُنّٰا﴾ [النساء:67] بنون الجمع ﴿عِلْماً﴾ [البقرة:102] أي جمع له في هذا الفتح العلم الظاهر و الباطن و علم السر و العلانية و علم الحكم و الحكمة و علم العقل و الوضع و علم الأدلة و الشبه و من أعطى العلم العام و أمر بالتصرف فيه كالأنبياء و من شاء اللّٰه من الأولياء أنكر عليه و لم ينكر هذا الشخص على أحد ما يأتي به من العلوم و إن حكم بخلافه و لكن يعرف موطنه و أين يحكم به فيعطي البصر حقه في حكمه و سائر الحواس و يعطي العقل حكمه و سائر القوي المعنوية و يعطي النسب الإلهية و الفتح الإلهي حكمهم فبهذا يزيد العالم الإلهي على غيره و هو |
|
||||||||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |