الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)بالك ﴿وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ [ طه:114] و تأدب بآداب الحق الذي هو عليها فإن العبد إذا قال لا حول و لا قوة إلا بالله يصدقه ربه فيقول الرب لا حول و لا قوة إلا بي و لم يتعرض أن يقول لا حول و لا قوة إلا بك يا عبدي فإن هذه الكلمة لا تظهر من قائلها إلا بقائلها و لكن لما علم تعالى أن الإنسان الحيوان شارك الإنسان الكامل بالصورة الإنسانية علم أنه إذا قال الحق لا حول و لا قوة إلا بك طردها الإنسان الحيوان في غير موطنها فأساء الأدب و الإنسان الكامل لا يفعل مثل هذا فراعى الحق الحرمة ليتعلم الكامل فهي مسألة تعلم و تعتقد و لا يفوه بها ناطق و لا تجري على لسان عبد مختص إلا في بيان العلم ليعلم الأمر على ما هو عليه فإن اللّٰه أخذ العهد على العلماء أن يعلموا من لا يعلم ما علمهم اللّٰه و مما علمهم الأدب فلا يضعون الحكمة إلا في أهلها هذا من شأنهم رضي اللّٰه عنهم ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب السابع و السبعون و أربعمائة في حال قطب كان منزله ﴿وَ فِي ذٰلِكَ فَلْيَتَنٰافَسِ »الشخص مستدرج و الصدر مشروح *** و الكنز مستخرج و الباب مفتوح أين الأوائل لا كانوا و لا سلفوا *** العقل يقبل ما تأتي به الروح لكنهم حجبوا بالفكر فاعتمدوا *** عليه و العلم موهوب و ممنوح ما فيه مكتسب إن كنت ذا نصف *** فليس للعقل تعديل و تجريح العدل و الجرح شرع اللّٰه جاء به *** ميزانه فبدا نقص و ترجيح العقل أفقر خلق اللّٰه فاعتبروا *** فإنه خلف باب الفكر مطروح لو لا إلا له و لو لا ما حباه به *** من القوي لم يقم بالعقل تسريح إن العقول قيود إن وثقت بها *** خسرت فافهم فقولي فيه تلويح ميزان شرعك لا تبرح تزين به *** فإن رتبته عدل و تصحيح إن التنافس في علم يقوم به *** صدر بنور شهود الحق مشروح هذا التنافس لا أبغي به بدلا *** له من الذكر قدوس و سبوح لمثل ذا يعمل العمال ليس لهم *** في غير ذلك تحسين و تقبيح [أن كل ما سوى اللّٰه حجاب عن اللّٰه]قال اللّٰه تعالى ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمٰا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون:53] و موجب الفرح المناسبة و لما علمنا إن الإنسان مجموع ما عند اللّٰه علمنا أنه ما عند اللّٰه أمر إلا و له إليه نسبة فله منه مناسب فالعالم لا يرمي بشيء من الوجود و إنما يبرز إليه ما يناسبه منه و لا يغلب عليه حال من الأحوال بل هو مع كل حال بما يناسبه كما هو اللّٰه معنا أينما كنا : فإن ﴿أَكْثَرَ النّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف:187] ذلك بل هم بهذا القدر جاهلون و عنه عمون و هذا هو الذي أداهم إلى ذم الدنيا و ما فيها و الزهد في الآخرة و في الكونين و في كل ما سوى اللّٰه و انتقدوا على من شغل نفسه بمسمى هذه كلها و جعلهم في ذلك ما حكي عن الأكابر في هذا النوع و حملوا ألفاظهم على غير وجه ما تعطيه الحقيقة و رأوا أن كل ما سوى اللّٰه حجاب عن اللّٰه فأرادوا هتك هذا الحجاب فلم يقدروا عليه إلا بالزهد فيه و سأبين هذا الفن في هذا الباب بيانا شافيا و كون الحق كل يوم في شأن الخلق و كون الجنة و هي دار القربة و محل الرؤية هي دار الشهوات و عموم اللذات و لو كانت حجابا لكان الزهد و الحجاب فيها و كذلك الدار الدنيا فأقول إن اللّٰه خلق أجناس الخلق و أنواعه و ما أبرز من أشخاصه لننظر فيه نظرا يوصلنا إلى العلم بخالقه فما خلقه لنزهد فيه فوجب علينا الانكباب عليه و المثابرة و المحبة فيه لأنه طريق النظر الموصل إلى الحق فمن زهد في الدليل فقد زهد في المدلول و ﴿خَسِرَ الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ الْخُسْرٰانُ الْمُبِينُ﴾ [الحج:11] و جهل حكمة اللّٰه في العالم و جهل الحق و كان من الخاسرين الذين ﴿فَمٰا رَبِحَتْ تِجٰارَتُهُمْ وَ مٰا كٰانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة:16] فالرجل كل الرجل من ظهر بصورة الحق في عبودة محضة فأعطى كل ذي حق حقه و يبدأ بحق نفسه فإنها أقرب إليه من كل من توجه له عليه حق من المخلوقين و حق اللّٰه أحق بالقضاء و حق اللّٰه عليه إيصال كل حق إلى من يستحقه و ﴿لِمِثْلِ هٰذٰا فَلْيَعْمَلِ الْعٰامِلُونَ﴾ [الصافات:61] إذ و لا |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |