الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)فللحاكم إن يفصل عليه الأمر لما فيه من الإجمال ليترتب الحكم على التعيين فيقول له حين أعطيته هذه الهدية ما ابتغيت بها هل ابتغيت بها جزاء من الجنة أو معاوضة في الدنيا أو ابتغيت بها وجه اللّٰه فإن قال الخصم ابتغيت بها الأجر في الآخرة من الجنة أو المعاوضة في الدنيا حكم على المعطي إياه برد عين ما أخذه منه إن كانت عينه باقية و إن كانت العين قد ذهبت حكم له بالقيمة على الخلاف في ذلك هل تعتبر القيمة في الشيء في زمان العطاء أو في زمان القضاء و إن قال إنما أعطيتها ابتغاء وجه اللّٰه لم يحكم له بشيء في ذلك و قال ليس بيد صاحبك ما قصدته بهديتك فمن وجه أثبته عوضا عنها فيما يظهر فإنه لم يصرح مالك بأكثر من هذا و من وجه ينفي أن يكون عوضا فإنه لا يماثله في القدر شيء من مخلوقاته و الكل نعمته غير أنه المعاوضة على اللّٰه لهذا المعطي في الدار الآخرة مما يناسب هديته فإن زاد على ذلك فمن باب المنة و قد قيل لكل شيء إذا فارقته عوض *** و ليس لله إن فارقت من عوض و التحقيق في هذه المسألة أن الحق من حيث ذاته و وجوده لا يقاومه شيء و لا يصح أن يراد و لا يطلب لذاته و إنما يطلب الطالب و يريد المريد معرفته أو مشاهدته أو رؤيته و هذا كله منه ليس هو عينه و إذا كان منه لا عينه فقد يصح أن يكون عوضا فيكون عمله في الدنيا الذي هو الحضور مع اللّٰه في «قوله اعبد اللّٰه كأنك تراه» فيكون هذا العمل جزاؤه عند اللّٰه رؤيته و هي أرفع المنازل فهي للحاضر هنا في عمله جزاء و هي لغير الحاضر زيادة و منة فهو عند هذا ليس عوضا و هو عند الآخر عوض فيكون الحضور في الدنيا من الجود المطلق من عين المنة و تكون الرؤية من الجود المقيد جزاء بما أوجبه على نفسه فمن جوده شهدت جوده فما خرج عنه شيء و لا أوجب مخلوق عليه شيئا ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:6] فإذا أعطى العبد ابتداء لغيره لا جزاء يستحقه ذلك الغير فيكون هذا المعطي لأجل ذلك الاستحقاق تحت قيد الحق فيكون عطاه مثل هذا لا عن استحقاق لا يطلب بذلك إلا وجه اللّٰه سواء طلبه بنيته أو لم يطلبه فإن حالة العطاء المبتدأ يعطي ذلك فإنه اتصف فيه بصفة الحق من الجود المطلق حيث لم يكن عطاؤه جزاء و لما كان حاله هذا فكما إن اللّٰه تعالى يطلب الجزاء على ما امتن به من النعم على عباده و هو الشكر عليها و معرفة النعم منه و يجازي هو على ذلك الشكر و على تلك المعرفة كذلك يعطى هذا العبد المنعم على غيره ابتداء إطلاق لسان المنعم عليه بالشكر و الثناء عليه ثم يتولى اللّٰه جزاءه به لا بالجنة حتى اتصف بهذا العطاء بصفته تعالى فهذا قد أبنت محتملات ما يتضمنه هذا المنزل ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الثالث و التسعون و مائتان في معرفة منزل سبب وجود عالم الشهادة |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |