الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)صفة الكرم و فيه علم سبب الطلب الإلهي من العباد و فيه علم نتائج الشكر و فيه علم الفرق بين الحلم و العفو و فيه علم ترتيب الأشياء و فيه علم الحجاب الإلهي الأحمى ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الأحد و العشرون و ثلاثمائة في معرفة منزل من فرق بين عالم الشهادة و عالم الغيب و هو من الحضرة المحمدية»للعقل نور و للإيمان أنوار *** إن البصائر للابصار أبصار العين و السمع و الإحساس أجمعه *** للعقل في الكسب أعوان و أنصار بالعين تبصر علم الغيب لا بحجى *** لا يحجبنك أوهام و أفكار من لم يحصل علوم الغيب عن بصر *** فإنها خلف ستر الصون أبكار قالوا اعتبر أن في الأكوان معرفة *** الدار تجهل رب الدار يا دار [أن الوجود مقسم بين عابد و معبود]اعلم أيها الولي الحميم أن الوجود مقسم بين عابد و معبود فالعابد كل ما سوى اللّٰه تعالى و هو العالم المعبر عنه و المسمى عبدا و المعبود هو المسمى اللّٰه و ما في الوجود إلا ما ذكرناه فكل ما سوى اللّٰه عبد لله ما خلق و يخلق و فيما ذكرناه أسرار عظيمة تتعلق بباب المعرفة بالله و توحيده و بمعرفة العالم و رتبته و بين العلماء في هذه المسألة من الخلاف ما لا يرتفع أبدا و لا يتحقق فيه قدم يثبت عليه و لهذا قدر اللّٰه السعادة لعباده بالإيمان و في العلم بتوحيد اللّٰه خاصة ما ثم طريق إلى السعادة إلا هذان فالإيمان متعلقة الخبر الذي جاءت به الرسل من عند اللّٰه و هو تقليد محض نقبله سواء علمناه أو لم نعلمه و العلم ما أعطاه النظر العقلي أو الكشف الإلهي و إن لم يكن هذا العلم يحصل ضرورة حتى لا تقدح فيه الشبه عند العالم به و إلا فليس بعلم [العالم عالمان عالم الغيب و عالم الشهادة]ثم نقول و العالم عالمان ما ثم ثالث عالم يدركه الحس و هو المعبر عنه بالشهادة و عالم لا يدركه الحس و هو المعبر عنه بعالم الغيب فإن كان مغيبا في وقت و ظهر في وقت للحس فلا يسمى ذلك غيبا و إنما الغيب ما لا يمكن أن يدركه الحس لكن يعلم بالعقل إما بالدليل القاطع و إما بالخبر الصادق و هو إدراك الايمان فالشهادة مدركها الحس و هو طريق إلى العلم ما هو عين العلم و ذلك يختص بكل ما سوى اللّٰه ممن له إدراك حسي و الغيب مدركه العلم عينه و فيما ذكرناه تاهت العقول و حارت الألباب ثم إن الإنسان إذا دخل هذه الطريقة التي نحن عليها و أراد أن يتميز في علمائها و ساداتها فينبغي له أن لا يقيد نفسه إلا بالله وحده و هو التقييد الذاتي له الذي لا يصح له الانفكاك عنه جملة واحدة و هي عبودية لا تقبل الحرية بوجه من الوجوه و ملك لا يقبل الزوال و إذا لم يقيد الإنسان نفسه إلا بما هو مقيد به في ذاته و هو كما قلنا تقييده بالله الذي ﴿خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ فينبغي له إذ كانت له هذه المرتبة و لا بد أن لا يقف بنفسه إلا في البرزخ و هو المقام المتوهم الذي لا وجود له إلا في الوهم بين عالم الشهادة و الغيب بحيث أن لا يخرج شيء من الغيب المغيب الذي يتصف في وقت بالشهادة لا بالغيب الذي لا يستحيل عليه إن يكون شهادة بوجه من الوجوه إلا و هذا الواقف يعلمه فإذا برز إلى عالم الشهادة و أدركه فلا يخلو إما أن يبقى في عالم الشهادة أو لا يبقى كالأعراض فإن لم يبق فلا بد أن يفارق الشهادة و إذا فارق الشهادة فإنه يدخل إلى الغيب الذي لا يمكن أن يدرك أبدا شهادة و لا يكون له رجوع بعد ظهوره إلى الغيب الذي خرج منه لأن مقام الغيب الذي خرج منه هو الغيب الإمكانى و الذي انتقل إليه بعد حصوله في الشهادة الغيب المحالي فذلك الغيب المحالي لا يظهر عنه أبدا شيء يتصف بالشهادة و لما لم يكن هذا الذي انتقل إليه يتصف بالشهادة وقتا ما أو حالا ما لذلك دخل في ذلك الغيب و لم يرجع إلى الغيب الذي خرج منه و إذا وقف الإنسان في هذا المقام و تحقق به أخذه الحق و أوقفه بينه و بين كل ما سواه من نفسه و من غيره أعني من نفس العبد فيرى نفسه و عينه و هو خارج عنها في ذلك المقام الذي أوقفه و يراها مع من سواه من العالم و هو عينه كما رأى آدم نفسه و ذريته في قبضة الحق و هو خارج عن قبضة الحق التي رأى نفسه فيها في حال رؤيته نفسه خارجا عنها كما ورد في الخبر الإلهي فإذا وقف في هذا المقام و هو أرفع مقامات الكشف و كل مقام فهو دونه و هذا كان مقام الصديق رضي اللّٰه عنه الذي فضل به على من شهد له رسول اللّٰه ﷺ أنه فضل عليه إما من الحاضرين أو من الأمة لا يدري أي ذلك أراد ﷺ إلا من جاءه الخبر الصدق في كشفه لا غير فإذا وقف في هذا المقام استشرف على الغيبين الغيب الذي يوجد منه الكائنات و الغيب الذي ينتقل إليه بعض الكائنات بعد اتصافها بالشهادة و هذه |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |