الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)بنفسه على نفسه لخلقه امتنانا منه لصدق وعده لا غير و تمم التعريف بقوله ﴿فَقِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ﴾ [آل عمران:191] و ليست إلا الطبيعة في هذه الدار فإنها محل الانفعال فيها لأنها للحق بمنزلة الأنثى للذكر ففيها يظهر التكوين أعني تكوين كل ما سوى اللّٰه و هي أمر معقول فلما رأى من رأى قوة سلطانها و ما علم إن قوة سلطانها إنما هو في قبولها لما يكونه الحق فيها فنسبوا التكوين لها و أضافوه إليها و نسوا الحق بها ﴿فَأَنْسٰاهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾ [الحشر:19] إذ صرفهم عن آيات نفوسهم و هو قوله ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيٰاتِيَ الَّذِينَ﴾ [الأعراف:146] و وصفهم الحق [انقسم الخلق إلى قسمين]فانقسم الخلق إلى قسمين قسم إلى الحق الصرف و قسم إلى الطبيعة الصرف و ظهر بينهما برزخ ظهر فيه عالم ما هو و لا واحد من هذين القسمين فرأى ما يستحقه الحق فأعطاه حقه و لو لم يعطه فهو له و رأى ما تستحقه الطبيعة فأعطاها حقها و لو لم يعطها فهو لها فإن الطبيعة ليست بمجعولة بل هي لذاتها في العقل لا في العين كما هو الحق لذاته في العقل و العين فإن اجتمع الحق و الطبيعة في العقل فقد افترق الحق من العقل و تميز في العين فإن الحق له الوجود العيني و العقلي و الطبيعة لها الوجود العقلي ما لها وجود عيني و ذلك ليكون الحكم في الخلق بين الوجود و العدم فيقبل العدم من حيث الطبيعة و يقبل الوجود من جانب الحق فلهذا يتصف كل ما سوى اللّٰه بقبول العدم و الوجود فكان الحكم فيه للعدم كما كان فيه الحكم للوجود و لو لم يكن الأمر على ما ذكرناه لاستحال على المخلوق قبول العدم في وجوده أو قبول الوجود في عدمه فهكذا ينبغي أن تعرف الحقائق و لا سبيل إليها إلا بعدم الصرف عن الآيات و النظر إلى ما حرم اللّٰه من تكبر ﴿فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [الأعراف:146] و هذا من العلم الذي انتجه هذا الذكر لصاحبه و أمثاله ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] فللطبيعة القبول و للحق الوهب و التأثير فهي الأم العالية الكبرى للعالم الذي لا يرى العالم إلا آثارها لا عينها كما أنه لا يرى أيضا من الحق إلا آثاره لا عينه فإن الأبصار لا تدركه و الرؤية ليست إلا بها فهو المجهول الذي لا يعلم سواه و هو المعلوم للذي لا يمكن لأحد الجهل به و إن لم يعلم ما هو فبين حق و بين طبع و الخلق كالوفق إن نظرنا *** فكل خلق تراه وفق (الباب الأحد عشر و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ )و من يتق اللّٰه يجعل له *** كما قال من أمره فارقا فيعلم منه ضلال الهدى *** و نور الهدى هاديا سائقا و يظهر في شرقه غاربا *** و يطلع في غربه شارقا و يصبح في كل علم له *** على كل شخص به فائقا فكان لفتق الهدى راتقا *** و كان لرتق الهدى فاتقا لنقسمه بين أبنائه *** فيرقوا به جبلا حالقا و تبصره في مناجاته *** إذا قام فيها به ناطقا فينشئها مثله نشأة *** يكون بها في الورى خالقا و يخزن أ أرضها قوتها *** فيعلمه خالقا رازقا [الفرقان حصل للمتقين]اعلم أيدنا اللّٰه و إياك بروح القدس أن المتقي بمجرد تقواه قد حصل في الفرقان إذ لو لم يفرق ما اتقى فالأمر ما بين محمود و مذموم *** فالأمر ما بين محبوب و مكروه فكن وقايته في كل مكروه *** يكن وقايتكم في كل مألوه و اجعله في كل محبوب وقايتكم *** و كن به بين تنزيه و تشبيه منزه الحق لا يدري بذاك و لا *** مشبه الحق لا يدري و أدريه |
|
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |