الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)حقيقة هذا الكلام لغموضه و هو قول المحققين من العلماء المتقدمين و المتأخرين لكن أطلقوا هذه اللفظ و لم يوضحوا معناها و قد قال لنا بعض سفراء الحق في منازلة في الظلمة و النور إن الخير في الوجود و الشر في العدم في كلام طويل علمنا إن الحق تعالى له إطلاق الوجود من غير تقييد و هو الخير المحض الذي لا شر فيه فيقابله إطلاق العدم الذي هو الشر المحض الذي لا خير فيه فهذا هو معنى قولهم إن العدم هو الشر المحض «مسألة» [اطلاق الجواز على اللّٰه]لا يقال من جهة الحقيقة إن اللّٰه جائز أن يوجد أمرا ما و جائز أن لا يوجده فإن فعله للأشياء ليس بممكن بالنظر إليه و لا بإيجاب موجب و لكن يقال ذلك الأمر جائز أن يوجد و جائز أن لا يوجد فيفتقر إلى مرجح و هو اللّٰه تعالى و قد تقضينا الشريعة فما رأينا فيها ما يناقض ما قلناه فالذي نقول في الحق إنه تعالى يجب له كذا و يستحيل عليه كذا و لا نقول يجوز عليه كذا فهذه عقيدة أهل الاختصاص من أهل اللّٰه و أما عقيدة خلاصة الخاصة في اللّٰه تعالى فأمر فوق هذا جعلناه مبددا في هذا الكتاب لكون أكثر العقول المحجوبة بأفكارها تقصر عن إدراكه لعدم تجريدها و قد انتهت مقدمة الكتاب و هي عليه كالعلاوة فمن شاء كتبها فيه و من شاء تركها ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] انتهى الجزء الثالث و الحمد لله «بسم اللّٰه الرحمن الرحيم» (الباب الأول)في معرفة الروحالذي أخذت من تفصيل نشأته ما سطرته في هذا الكتاب و ما كان بيني و بينه من الأسرار فمن ذلك نظم قلت عند الطواف كيف أطوف *** و هو عن درك سرنا مكفوف جلمد غير عاقل حركاتي *** قيل أنت المحير المتلوف انظر البيت نوره يتلألأ *** لقلوب تطهرت مكشوف نظرته بالله دون حجاب *** فبدا سره العلي المنيف و تجلى لها من أفق جلالي *** قمر الصدق ما اعتراه خسوف لو رأيت الولي حين يراه *** قلت فيه مدله ملهوف يلثم السر في سواد يميني *** أي سر لو أنه معروف جهلت ذاته فقيل كثيف *** عند قوم و عند قوم لطيف قال لي حين قلت لم جهلوه *** إنما يعرف الشريف الشريف عرفوه فلازموه زمانا *** فتولاهم الرحيم الرءوف و استقاموا فما يرى قط فيهم *** عن طواف بذاته تحريف قم فبشر عني مجاور بيتي *** بأمان ما عنده تخويف إن أمتهم فرحتهم بلقائي *** أو يعيشوا فالثوب منهم نظيف [الفتى الفائت المتكلم الصامت]اعلم أيها الولي الحميم و الصفي الكريم أني لما وصلت إلى مكة البركات و معدن السكنات الروحانية و الحركات و كان من شأني فيه ما كان طفت ببيته العتيق في بعض الأحيان فبينا أنا أطوف مسبحا و ممجدا و مكبرا و مهللا تارة ألثم و استلم و تارة للملتزم التزم إذ لقيت و أنا عند الحجر الأسود باهت الفتى الفائت المتكلم الصامت الذي ليس بحي و لا مائت المركب البسيط المحاط المحيط فعند ما أبصرته يطوف بالبيت طواف الحي بالميت عرفت حقيقته و مجازه و علمت إن الطواف بالبيت كالصلاة على الجنازة و أنشدت الفتى المذكور ما تسمعه من الأبيات عند ما رأيت الحي طائفا بالأموات شعر و لما رأيت البيت طافت بذاته *** شخوص لهم سر الشريعة غيبي و طاف به قوم هم الشرع و الحجا *** و هم كحل عين الكشف ما هم به عمى تعجبت من ميت يطوف به حي *** عزيز وحيد الدهر ما مثله شيء تجلى لنا من نور ذات مجله *** و ليس من الأملاك بل هو أنسي |
|
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |