الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)«(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم)» (الباب الخامس و الثمانون في تقوى الحجاب و الستر)من يتقي الستر فذاك الذي *** يعلم أن الستر من نفسه إذا أتى يوم عليه يرى *** يبكي على ما فات في أمسه لو رفع الستر بدار الفناء *** من قبل أن يرفع في رمسه لنال ما نال رجال سمت *** همتهم عن جنتي قدسه و لاح وجه الحق في سرهم *** في بدره وقتا و في شمسه فلا يرى الترجيح فيما يرى *** بعقله من ذاك أو حسه كما يخاف العقل من عقله *** كذا يخاف الحس من حسه لأجل هذا يتقي المتقي *** كمتقي الشيطان من مسه [نحن خلف حجاب الحجب و الحق منا بمكان الوريد]اعلم أيدنا اللّٰه و إياك أن اللّٰه تعالى قال ﴿كَلاّٰ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين:15] و «قال صلى اللّٰه عليه و سلم إن لله سبعين حجابا من نور و ظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه» فانظر ما ألطف هذه الحجب و ما أخفاها فإنه قال ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق:16] مع وجود هذه الحجب التي تمنعنا من رؤيته في هذا القرب العظيم و ما نرى لهذه الحجب عينا فهي أيضا محجوبة عنا و قال تعالى ﴿وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لٰكِنْ لاٰ تُبْصِرُونَ﴾ [الواقعة:85] نعم يا ربنا ما نبصرك و لا نبصر الحجب فنحن خلف حجاب الحجب و أنت منا بمكان الوريد أو أقرب إلينا منا و هذا القرب هو سبب عدم الرؤية منا أن تتعلق بك الإنسان لا يرى نفسه فكيف يراك و أنت أقرب إلينا من أنفسنا فغاية القرب حجاب كما غاية البعد حجاب [العجب الذي قصم الظهر و حير الفكر]و إنما العجب الذي قصم الظهر و حير العقل قولك و علمنا إن اللّٰه يرى في قولك توبيخا و تنبيها ﴿أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّٰهَ يَرىٰ﴾ [العلق:14] و قولك ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] ثم قلت إنك لو رفعت الحجب بيننا و بينك من كونك موصوفا بالسبحات الوجهية لاحترق ما أدركه بصرك بسبحات وجهك و بالنور صح ظهور العالم و هو وجوده فكيف يعدم من حقيقته الإيجاد هنا هي الحيرة ثم إنه على الأمرين أدخلت نفسك تحت حكم التحديد و هذا ينكره ما جعلته فينا من القوة العقلية الناظرة بالصفة الفكرية و ما لنا إلا حس و عقل فبالحس ما ندرك و بالعقل ما ندرك فقد وقع الحد إن كنت خلف الحجاب فأنت محدود و إن كنت أقرب إلينا من الحجاب فأنت محدود و إن كنت ﴿بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ [النساء:126] فأنت أقرب إلى نفي الحد فلما ذا أدخلت نفسك في الحد بما أعلمتنا به من الحجب الحائلة بينك و بيننا بيننا و بينك [حارت العقول و ما خاطب الحق إلا العقول]حارت العقول و ما خاطب إلا العقول و نصب أدلتها متقابلة فما أثبته دليل نفاه آخر ﴿إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشٰاءُ أَنْتَ وَلِيُّنٰا فَاغْفِرْ لَنٰا وَ ارْحَمْنٰا﴾ [الأعراف:155] و أي غفر أشد من هذا جزى اللّٰه عنا موسى عليه السلام حيرا إذ ترجم عنا بقوله ﴿إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ﴾ [الأعراف:155] اختبرت عبادك بالأدلة و ما ثم دليل يوصل إليك الدليل موضوع ليدل على واضع لا يدل على حقيقة واضعه فما رأينا بعد السبر و التقسيم و ما أعطاه الكلام القديم إلا أن تكون أنت عين الحجب و لهذا احتجبت الحجب فلا نراها مع كونها نورا و ظلمة و هو ما تسميت به لنا من الظاهر و الباطن و قد أمرتنا أن نتقي اللّٰه فإن لم يكن اللّٰه عين الحجاب عليه النوري من الاسم الظاهر و الظلمي من الاسم الباطن و إلا كنا مشركين و قد ثبت أنا موحدون فثبت أنك عين الحجاب [احتجبنا عن الحق و احتجاب الحق عنا و سلبية الصفات الإلهية]فما احتجبنا عنك إلا بك و لا احتجبت عنا إلا بظهورك غير أنك لا نعرف لكوننا نطلبك من اسمك كما نطلب الملك من اسمه و صفته و إن كان معنا غير ظاهر بذلك الاسم و لا بتلك الصفة بل ظهور ذاتي فهو يكلمنا و نكلمه و يشهدنا و نشهده و يعرفنا و لا نعرفه و هذا أقوى دليل على أن صفاته سلبية لا ثبوتية إذ لو كانت ثبوتية لا ظهرته إذا ظهر بذاته فما نعرف أنه هو إلا بتعريفه فنحن في المعرفة مقلدون له و كانت صفاته ثبوتية لكانت عين ذاته و كنا نعرفه بنفس ما نراه و لم يكن الأمر كذلك فدل على خلاف ما يعتقده |
|
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |