الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)فما تم إلا عبده و هو ربه *** و ما تم إلا راحم و رحيم أراد بالرحيم هنا المرحوم اسم مفعول مثل قتيل و جريح و طريد و ﴿لاٰ تَبْدِيلَ لِكَلِمٰاتِ اللّٰهِ﴾ [يونس:64] و هي أعيان العالم و إنما التبديل لله لا لهم ﴿مٰا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهٰا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهٰا أَوْ مِثْلِهٰا﴾ [البقرة:106] و في قراءة "أو ننساها" ﴿فَأُوْلٰئِكَ يُبَدِّلُ اللّٰهُ سَيِّئٰاتِهِمْ حَسَنٰاتٍ﴾ [الفرقان:70] ﴿وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّٰهِ﴾ [البقرة:211] و هي ما بشرنا به من عموم مغفرته ﴿مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَتْهُ﴾ [البقرة:211] فمن هنا و إن كانت شرطا ففيها رائحة الاستفهام و قال في الجواب ﴿فَإِنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ﴾ [البقرة:211] و لم يقل فإن اللّٰه يعاقب من بدل نعمة اللّٰه فهو كما قال ﴿شَدِيدُ الْعِقٰابِ﴾ [البقرة:196] في حال العقوبة فما ثم من يقدر ﴿يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَتْهُ﴾ [البقرة:211] فيبدل نعمة اللّٰه بما هو خير منها بحسب حاجة الوقت فإن الحكم له أو مثلها و النسخ تبديل لا بدائم أنه القائل «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا» فمن لم يظن بالله خيرا فقد عصى أمره و جهل ربه و أشقى من إبليس فلا يكون و قد أخبر اللّٰه تعالى عنه أنه يتبرأ من الكافر و وصفه بالخوف لله رب العالمين و قد ذكر تعالى أنه ﴿إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ﴾ [فاطر:28] و أتم هذه الآية بقوله ﴿إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ﴾ [البقرة:220] أي يمتنع أن يؤثر فيه أمر يحول بينه و بين عموم مغفرته على عباده ﴿غَفُورٌ﴾ [البقرة:173] ببنية مبالغة في الغفران بعمومها فهي رجاء مطلق للعصاة على طبقاتهم و قوله فيمن ﴿يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّٰهِ مِنْ بَعْدِ مٰا جٰاءَتْهُ﴾ [البقرة:211] أنه ﴿شَدِيدُ الْعِقٰابِ﴾ [البقرة:196] أي يسرع تعالى إلى من هذه صفته بالعقاب و هو أن يعقبه فيما بدله أن التبديل لله عزَّ وجلَّ ليس له فيعرفه أنه ﴿بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [المؤمنون:88] فإن اللّٰه ما قرن بهذا العقاب ألما و متى لم يقرن الألم بعذاب أو عقاب فله محمل في عين الأمر المؤلم فإنه لا يخاف إلا من الألم و لا يرغب إلا في الالتذاذ خاصة هذا يقتضيه الطبع الذي وجد عليه من يقبل الألم و اللذة و قد أعطى اللّٰه لعبيدة في القرآن من الاحتجاج ما لا يحصى كثرة كل ذلك تعليم من اللّٰه فلو كان الشقاء يستأصل الشقي ما بسط اللّٰه لعباده من الرحمة ما بسط و لا ذكر من الحجج ما ذكره و هو قوله ﴿وَ عَلَّمَكَ مٰا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَ كٰانَ فَضْلُ اللّٰهِ عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ [النساء:113] و لا يعظم الفضل الإلهي إلا في المسرفين و المجرمين و أما في المحسنين ف ﴿مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [التوبة:91] فإن الفضل الإلهي جاءهم ابتداء و به كانوا محسنين و ما بقي الفضل الإلهي إلا في غير المحسنين ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] و ﴿يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ.﴾ ﴿إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة:142] «الباب الرابع و أربعمائة في معرفة منازلة «من شق على رعيته سعى في هلاك ملكه و من رفق بهم بقي حكم الإضافة يبقيه و يبقينا *** و تلك حكمته سبحانه فينا لو لا العبيد لما كانت سيادة من *** ساد العباد و لا كانوا موالينا قد قال في خلدي ما كان معتقدي *** عند النداء كما كنا يكونونا ما يعدم الحق موجودا لزلته *** و كيف يعدم من فيه يوالينا بكونه كان خلاقا و ليس له *** في نفسه أثر و لا يبارينا [إن الإمامة اعطا اللّٰه على الإنسان]قال اللّٰه تعالى ﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] لم يقل رب نفسه لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه فهذه وصية إلهية لعباده لما خلقهم على صورته و أعطى من أعطى منهم الإمامة الكبرى و الدنيا و ما بينهما و ذلك «قوله ﷺ كلكم راع و مسئول عن رعيته» فأعلى الرعاء الإمامة الكبرى و أدناها إمامة الإنسان على جوارحه و ما بينهما ممن له الإمامة على أهله و ولده و تلامذته و مماليكه فما من إنسان إلا و هو مخلوق على الصورة و لهذا أعمت الإمامة جميع الأناسي و الحكم في الكل واحد من حيث ما هو إمام و الملك يتسع و يضيق كما قررنا فالإمام مراقب أحوال مماليكه مع الأنفاس و هذا هو الإمام الذي عرف قدر ما ولاة اللّٰه عليه و قدمه كل ذلك ليعلم أن اللّٰه رقيب عليه و هو الذي استخلفه ثم نبهه على أمر لو عقل عن اللّٰه و ذلك أن السيد إذا نقصه عين أو حال ممن ساد عليه فإنه قد نقص من سيادته بقدر ذلك و عزل بقدر ذلك كمن أعتق شقصا له في عبد فقد عتق من العبد ما عتق و لم يسر العتق في العبد كله إلا أن يعتق كله كذلك الإمام إن غفل بلهوه و شأنه و شارك رعيته فيما هم عليه من فنون اللذات و نيل الشهوات و لم ينظر من أحوال ما هو مأمور بالنظر في أحواله |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |