«تعالى إليه بالنوافل أحبه و إذا أحبه قال اللّٰه تعالى فإذا أحببته كنت سمعه و بصره و يده و في رواية كنت له سمعا و بصرا و يدا و مؤيدا» فقوله كنت يدل على أنه كان الأمر على هذا و هو لا يشعر فكانت الكرامة التي أعطاه هذا التقرب الكشف و العلم بأن اللّٰه كان سمعه و بصره فهو يتخيل أنه يسمع بسمعه و هو يسمع بربه كما كان يسمع الإنسان في حال حياته بروحه في ظنه لجهله و في نفس الأمر إنما يسمع بربه «أ لا ترى نبيه الصادق في أهل القليب كيف قال ما أنتم بأسمع منهم حين خاطبهم» ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مٰا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا﴾ [الأعراف:44] و كان قد جيفوا فما من أحد من المخلوقات إلا و هو يسمع و لكن فطروا على منع توصيل ما يعلمون و يسمعون و هذه الحياة التي تظهر لا عين الخلق عند خرق العوائد في إحياء الموتى كبقرة موسى و غيرها فالاسم الظاهر هو العالم إن تحققته فإنه للحق بمنزلة الجسم للروح المدبرة و الاسم الباطن لما خفي عن الموجودات في نسبة الحياة لأنفسهم و بالمجموع يكون الإنسان إذ حده حيوان ناطق فالحيوانية صورته الظاهرة فإن الحيوانية مطابقة في الدلالة للجسم المتغذي الحساس إلا أنها أخصر فرجحوها في عالم العبارة للاختصار لأنها تساويها في الدلالة و هو ناطق من حيث معناه و ليس معناه سوى ما ذكرناه فالعالم كله عندنا الذي هو عبارة عن كل ما سوى اللّٰه حيوان ناطق لكن تختلف أجسامه و أغذيته و حسه فهو الظاهر بالصورة الحيوانية و هو الباطن بالحياة الذاتية الكائنة عن التجلي الإلهي الدائم الوجود فما في الوجود إلا اللّٰه تعالى و أسماؤه و أفعاله فهو الأول من الاسم الظاهر و هو الآخر من الاسم الباطن فالوجود كله حق ما فيه شيء من الباطل إذ كان المفهوم من إطلاق لفظ الباطل عدما ما فيما ادعى صاحبه أنه وجود فافهم و لو لم يكن الأمر كذلك لانفرد الخلق بالفعل و لم يكن الاقتدار الإلهي يعم جميع الممكنات بل كانت الإمكانات تزول عنه فسبحان الظاهر الذي لا يخفى و سبحان الخفي الذي لا يظهر حجب الخلق به عن معرفته و أعماهم بشدة ظهوره فهم منكرون مقرون مترددون حائرون مصيبون مخطئون و الحمد لله الذي من علينا بمثل هذه المشاهد و جلا لأبصارنا هذه الحقائق فلم تقع لنا عين إلا عليه و لا كان منا استناد إلا إليه ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:6] و من أراد أن يعرف حقيقة ما أو مات إليه في هذه المسألة فلينظر في خيال الستارة و صورة و من الناطق في تلك الصور عند الصبيان الصغار الذين بعدوا عن حجاب الستارة المضروبة بينهم و بين اللاعب بتلك الأشخاص و الناطق فيها فالأمر كذلك في صور العالم و الناس أكثرهم أولئك الصغار الذين فرضناهم فتعرف من أين أتى عليهم فالصغار في ذلك المجلس يفرحون و يطربون و الغافلون يتخذونه لهوا و لعبا و العلماء يعتبرون و يعلمون أن اللّٰه ما نصب هذا إلا مثلا و لذلك يخرج في أول الأمر شخص يسمى الوصاف فيخطب خطبة يعظم اللّٰه فيها و يمجده ثم يتكلم على كل صنف صنف من الصور التي تخرج بعده من خلف هذه الستارة ثم يعلم الجماعة أن اللّٰه نصب هذا مثلا لعباده ليعتبروا و ليعلموا أن أمر العالم مع اللّٰه مثل هذه الصور مع محركها و أن هذه الستارة حجاب سر القدر المحكم في الخلائق و مع هذا كله يتخذونه الغافلون لهوا و لعبا و هو قوله تعالى ﴿اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً﴾ [الأعراف:51] ثم يغيب الوصاف و هو بمنزلة أول موجود فينا و هو آدم عليه السّلام و لما غاب كان غيبته عنا عند ربه خلف ستارة غيبة ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الباب الثامن عشر و ثلاثمائة في معرفة منزل نسخ الشريعة المحمدية و غير المحمدية
بالأغراض النفسية عافانا اللّٰه و إياكم من ذلك بمنه»
أنا إن فارقت نفسي قام لي *** مثلها في الحسن من غير البشر
ذات حسن و بهاء و سنا *** ليس منها بدليل الشرع شر
فكان الشمس في ذاك السنا *** و كان الشهد في ذلك الأثر
من رأى الشبل إلى جانبه *** أسد عن ناب شدقيه كشر
حذرا منه على أشباله *** طالبا كل خؤون و أشر
صار يستعذب في مرضاته *** صبر الصبر و يستحلي العشر