الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و إرادته المقيدتان بلو و هو حرف امتناع فيه سر خفي لأهل العلم بالله فإذا علمت هذا أقمت عذر العالم عند اللّٰه و لهذا كانت الملائكة تبدأ في نصرتها و دعائها بتسبيح ربها و الثناء عليه بمثل هذه الأسماء تعريضا أن أصل ما هم فيه من حقائق قوله ﴿وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّٰهُ﴾ [النساء:88] و ﴿مَنْ يَهْدِ اللّٰهُ﴾ [الأعراف:178] أي الكل بيدك و حينئذ يستغفرون إقامة لعذرهم عند اللّٰه و إلى اللّٰه ﴿يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] فكل علم في العالم مستنبط من العلم الإلهي فهو العلم العام و لا يعرفه إلا نبي أو ولي مقرب مجتبى من ملك و بشر و أما النظر العقلي فإنه لا يصل إلى هذا العلم أبدا من حيث فكره و نظره في الأدلة التي يستقل بها [سرد أسماء ملائكة التسخير في القرآن]فهذا قد أريتك بعض ما هي عليه الولاية الملكية إلى ما فوق ذلك من تسخيرهم في إنزال الوحي و مصالح العالم من هبوب رياح و نشء سحاب و إنزال مطر إذ كانوا ﴿اَلصَّافّٰاتِ﴾ [الصافات:1] و ﴿فَالزّٰاجِرٰاتِ﴾ [الصافات:2] و ﴿فَالتّٰالِيٰاتِ﴾ [الصافات:3] و ﴿اَلْمُرْسَلاٰتِ﴾ [المرسلات:1] و ﴿اَلنّٰاشِرٰاتِ﴾ [المرسلات:3] و ﴿فَالْفٰارِقٰاتِ﴾ [المرسلات:4] و ﴿فَالْمُلْقِيٰاتِ﴾ [المرسلات:5] و ﴿اَلنّٰازِعٰاتِ﴾ [النازعات:1] و ﴿اَلنّٰاشِطٰاتِ﴾ [النازعات:2] و ﴿اَلسّٰابِحٰاتِ﴾ [النازعات:3] و ﴿فَالسّٰابِقٰاتِ﴾ [النازعات:4] و ﴿فَالْمُدَبِّرٰاتِ﴾ [النازعات:5] و ﴿فَالْمُقَسِّمٰاتِ﴾ [الذاريات:4] و هؤلاء كلهم من ملائكة التسخير و ولاية كل صنف من مرتبته التي هو فيها [ملائكة التدبير و نصرتها للنفوس الناطقة]و أما ملائكة التدبير و هم الأرواح المدبرة أجسام العالم المركب و هذه المدبرة هي النفوس الناطقة فإن الولاية فيها نصرتها لله فيما جعل في أخذها به سعادتها و سعادة جسدها الذي أمرت بتدبيره فيأتي الطبع فيريد نيل غرضه فينظر العقل ما حكم الشرع الإلهي في ذلك الغرض فإن رآه محمودا عند اللّٰه أمضاه و إن رآه مذموما نبه النفس عليه و طلب منها النصرة على قمع هذا الغرض المذموم فساعدته فنصرت العقل بقبول الخير و ذلك لتكون كلمة اللّٰه المشروعة هي العليا على كلمة اللّٰه في الذين كفروا التي هي السفلي : [الصدقة تقع بيد الرحمن قبل وقوعها بيد السائل]كما كانت الصدقة تقع في يد السائل و هي السفلي و السائل قوله ﴿وَ أَقْرِضُوا اللّٰهَ﴾ [الحديد:18] و «الصدقة تقع بيد الرحمن قبل وقوعها بيد السائل» المتلفظ بحروف السؤال و اليد العليا هي المنفقة خير من اليد السفلي و هي السائلة و المال لله سبحانه ﴿هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مٰا فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ مٰا فِي الْأَرْضِ﴾ [يونس:68] و نحن مستخلفون فيه بل نحن الخزائن و الخزنة لهذا المال فتحقق ما أومأنا إليه في هذا الباب فإنه نافع جدا و مزيل جهلا عظيما و مورث أدبا إلهيا فيه سعادة أبدية لمن وقف عنده و فهمه و عمل به (الباب الخامس و الخمسون و مائة في معرفة مقام النبوة و أسرارها)بين الولاية و الرسالة برزخ *** فيه النبوة حكمها لا يجهل لكنها قسمان إن حققتها *** قسم بتشريع و ذاك الأول عند الجميع و ثم قسم آخر *** ما فيه تشريع و ذاك الأنزل في هذه الدنيا و أما عند ما *** تبدو لنا الأخرى التي هي منزل فيزول تشريع الوجود و حكمه *** و هناك يظهر أن هذا الأفضل و هو الأعم فإنه الأصل الذي *** لله فهو نبأ الولي الأكمل [النبوة نعت إلهى أثبتها في الجناب العالي الاسم السميع]النبوة نعت إلهي يثبتها في الجناب العالي الاسم السميع و يثبت حكمها صفة الأمر الذي في الدعاء المأمور به و إجابة الحق عباده فيما يسألونه فيه فإنها أيضا من اللّٰه في حق العبد سؤال إلهي بصفة افعل و لا تفعل و نقول نحن ﴿سَمِعْنٰا وَ أَطَعْنٰا﴾ [البقرة:285] و يقول هو سبحانه سمعت و أجبت فإنه قال ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ﴾ [البقرة:186] و صيغة الأمر من العبد في الطلب ﴿اِغْفِرْ لَنٰا﴾ [البقرة:286] ﴿اِرْحَمْنٰا﴾ [الأعراف:155] ﴿اُعْفُ عَنّٰا﴾ [البقرة:286] ﴿فَانْصُرْنٰا﴾ [البقرة:286] و ﴿اِهْدِنَا﴾ [الفاتحة:6] ﴿اُرْزُقْنٰا﴾ [المائدة:114] و شبه ذلك و صيغة النهي من العبد في الدعاء ﴿لاٰ تُزِغْ قُلُوبَنٰا﴾ [آل عمران:8] ﴿لاٰ تَجْعَلْنٰا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ﴾ [يونس:85] ﴿لاٰ تُخْزِنٰا يَوْمَ الْقِيٰامَةِ﴾ [آل عمران:194] ﴿لاٰ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾ [الشعراء:87] [انقطاع الرسالة و النبوة التشريعية و بقاء المبشرات و حكم المجتهدين]و ليست النبوة بمعقول زائد على هذا الذي ذكرنا إلا أنه لم يطلق على نفسه من ذلك اسما كما أطلق في الولاية فسمى نفسه وليا و ما سمي نفسه نبيا مع كونه أخبرنا و سمع دعاءنا فهو من الوجهين بهذه المثابة و لهذا «قال ﷺ إن الرسالة و النبوة قد انقطعت» و ما انقطعت إلا من وجه خاص انقطع منها مسمى النبي و الرسول و لذلك «قال فلا رسول بعدي و لا نبي» ثم أبقى منها المبشرات و أبقى منها حكم المجتهدين و أزال عنهم الاسم أبقى الحكم و أمر من لا علم له بالحكم الإلهي أن يسأل أهل الذكر فيفتونه بما أداه إليه اجتهادهم و إن اختلفوا كما اختلفت الشرائع ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً﴾ [المائدة:48] و كذلك لكل مجتهد جعل له شرعة من دليله و منهاجا و هو عين دليله في إثبات الحكم و يحرم عليه العدول عنه و قرر |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |