الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)بفتح اللام و حينئذ يجد الإخلاص محلا يكون لذلك العمل يسمى به العمل خالصا و العامل مخلصا و اللّٰه الموفق لذلك (الباب الخامس و الثلاثون و مائة في معرفة ترك الإخلاص و أسراره)من أخلص الدين فقد أشركا *** و قيد المطلق من وصفه من يجهل الأمر فذاك الذي *** يدرك ذات المسك من عرفه [رؤية الإخلاص منك في العمل مجوسية محضة]قال رجل للجنيد و من العالم حتى يذكر مع اللّٰه و كان من أهل الأحوال و قال تعالى ﴿أَ إِلٰهٌ مَعَ اللّٰهِ﴾ [النمل:60] و قال بعضهم رؤية الإخلاص منك في العمل مجوسية محضة يريد الشرك و إنما ينبغي أن يشاهد المكلف مجرى العمل و منشئه و كان أبو مدين يأمر أصحابه بإظهار الطاعات فإنه لم يكن عنده فاعل إلا اللّٰه و التخليص يؤذن بالمنازع و لا بد للمنازع أن يطلب من المكلف أن يكون عبدا له و العمل من جملة أفعال اللّٰه الذي المكلف مظهرها فأجهل الناس من يجعل موجد الفعل تحت طاعة من يفعل من أجله و هو إما إبليس و إما الرياء [العين واحدة و هو على صراط مستقيم]إذا كان المكلف يقوم إلى العمل بهذه النية و المنازع ما هو هناك فالمخلص أثبت العدم وجودا و جهل الأمر على ما هو في نفسه فمن حكم عليه ما ذكرناه و رأى نواصي كل دابة بيد اللّٰه و رأى ربه على صراط مستقيم و من أخذ بناصيتك لم يعدل بك عن طريقه الذي هو عليه فاذن لم يكن الإخلاص إلا عبارة عن رؤيته في مشهد ما معين لا في كل مظهر و هو في كل مظهر و لا يقدر صاحب هذه الحال أن يرى حجابا بينه و بين مشهوده فلا يتمكن له أن يميز شيئا من شيء فإن العين واحدة و هي على صراط مستقيم (الباب السادس و الثلاثون و مائة في معرفة مقام الصدق و أسراره)الصدق سيف اللّٰه في أرضه *** فاصدق ترى الصادق من عرضه فإن أتى الدجال فاضرب به *** هامته بالحد من عرضه فالسيف محصور بحديه في *** نفل من الفعل و في فرضه و لا تقل هذا محال فقد *** يفرضه الفارض في فرضه فكم غنى يظهر الفقر إذ *** يستقرض المسكين من قرضه [الصادق المتحقق بالصدق له الفعل بالهمة]الصدق شدة و صلابة في الدين و الغيرة لله من أحواله و لصاحبه المتحقق به الفعل بالهمة و هو قوة الايمان قيل لأبي يزيد ما اسم اللّٰه الأعظم الذي به تنفعل الأشياء فقال أروني الأصغر حتى أريكم الأعظم ما هو إلا الصدق أصدق و خذ أي اسم شئت أسماء اللّٰه كلها عظيمة قال تعالى ﴿وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّٰهِ﴾ [البقرة:165] أي أصدق حبا لله من حب المشركين لمن جعلوهم شركاء و الصادق من أسمائه و قال تعالى ﴿لِيَسْئَلَ الصّٰادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ﴾ و لهذا له الدعوى [الصدق الذي هو نعت إلهى قائم بالصادق و هو له ذائق]فلا يكون الصادق صادقا ما لم يقم الصدق به فإذا قام به كان له ذوقا و كان كونه صادقا حال صدقه و هو قد تسمى بالصادق فلهذا يسألهم هل صدقهم هو النعت الإلهي الذي به تسمى اللّٰه بالصادق أم لا فإن كان هو طالبهم بأن يقوموا بأحكامه قيامه فلا يغلبهم شيء و لا يقاومهم في حال صدقهم فيكون اللّٰه صدقهم كما كان سمعهم و بصرهم النسبة واحدة فإن لم يحكموا هذا المقام و لا وجدوا منه هذه الحال فما هو هذا الصدق الذي هو النعت الإلهي بل هو أمر ظهر بصورة الصدق ظهور الشبهة بصورة الدليل و كما لا وجه للشبهة لا حقيقة لهذا الصدق و هذا معنى قول اللّٰه ﴿هٰذٰا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّٰادِقِينَ صِدْقُهُمْ﴾ [المائدة:119] فلا يؤثر فيهم عوارض يوم القيامة بل تخاف الناس و لا يخافون و تحزن الناس و لا يحزنون و قال في حق طائفة ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللّٰهَ لَكٰانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ [محمد:21] هذا حكمه في النطق فكيف في جميع الأحوال [الصدق الذي هو حال و الصدق الذي هو مقام]و الصدق إذا جاء من خارج جاء بغير صورته فإنه ظهر في مادة إمكانية فلم يؤثر أثرا في كل من جاء إليه فإن كان في المحل صدق الايمان ميزه و عرفه في المادة التي ظهر فيها فقبله و عمل بمقتضاه فكان نورا على نور ﴿لِيَزْدٰادُوا إِيمٰاناً مَعَ إِيمٰانِهِمْ﴾ [الفتح:4] كما زاد من ليست له حالة الصدق رجسا إلى رجسهم و الصدق بذاته مؤثر حيث ظهر عينه ظهر حكمه و من ليست له هذه الحال المؤثرة في الوقت فهو غائب عن صدقه في ذلك الوقت و لا بد و يدعيه من مكان بعيد فالصدق من حيث تعلقه بالكون هو حال و من حيث تعلقه من الصادق بالله هو مقام فمن حيث هو مقام لا يكون عنه أثر فإن تعلقه بالله و اللّٰه ليس بمحل لتأثر الأكوان فيكون صاحبه صادق التوجه إلى اللّٰه فإن ظهر عمن |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |