إجابته بالحال فيكون الجواب مطابقا للسؤال و فيه علم وضع من ارتفع بنفسه و انحطاط من تطاول فوق قدره و فيه علم فائدة الموعظة و لو كفر بها فإن لها أثرا في الباطن عند السامع و إن لم يظهر ذلك فإنه يحس به من نفسه و فيه علم من أراد كيدا فصادف حقا فهو عنده كذب ثم أسفرت العاقبة إنه صدق في نفس الأمر و لكن لا علم له بذلك و فيه علم الأوقات و ما تعامل به عقلا و شرعا عند السليم الفكر و فيه علم تعيين مكارم الأخلاق و فيه علم أن العلم بما لا يعلم أنه لا يعلم علم ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الباب الخامس و الستون و ثلاثمائة في معرفة منزل أسرار اتصلت في حضرة الرحمة بمن خفي مقامه
و حاله على الأكوان و هو من الحضرة المحمدية»
مرتبة الخمسة معروفة *** تحفظ ما جاوزها من عدد
تحفظ ذكر اللّٰه من رحمة *** قامت بها ليس لها مستند
سوى الذي يحفظ أعياننا *** و هو الإله المتعالي الصمد
جميع ما في الكون من خلقه *** له إذا يدعوه عبدي سجد
لولاه لم نوجد بأعياننا *** مع كونه سبحانه لم يلد
فهو مع الكثرة في حكمه *** لم تنتف عنه صفات الأحد
لو لا وجود الكثر في حكمه *** لما بدا منه وجود العدد
فهو وحيد العين في ملكه *** و حكمه في كونه مستند
لما حملناه على كوننا *** من نفسنا من فضله ما عبد
عز فما يدركه غيره *** و جل أن يبقى بحكم المدد
سبحانه من ملك قاهر *** قد قهر الكل و أهل العدد
ليس على غير من أكوانه *** لكل من يعرفه معتمد
من أزل صح له حكمنا *** كذاك أيضا حكمه في الأبد
[إن الظاهر و الباطن اقتضى أن يكون الأمر الوجودي بالنسبة إلينا بين جلي و خفي]
اعلم أيدنا اللّٰه و إياك بروح منه أن اللّٰه لما سمي نفسه بالظاهر و الباطن اقتضى ذلك أن يكون الأمر الوجودي بالنسبة إلينا بين جلي و خفي فما جلاه لنا فهو الجلي و ما ستره عنا فهو الخفي و كل ذلك له تعالى جلي «قال رسول اللّٰه ﷺ في دعائه اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك» و هو الجلي عند من علمه اللّٰه إياه و الخفي عمن لم يعلمه «ثم قال أو استأثرت به في علم غيبك» فهذا خفي عما سوى اللّٰه فلا يعلمه إلا اللّٰه فإنه تعالى ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ [ طه:7] و هو ما بينه و بين خلقه ﴿وَ أَخْفىٰ﴾ [ طه:7] و هو ما لا يعلمه إلا هو مثل مفاتح الغيب التي عنده ﴿لاٰ يَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ﴾ [الأنعام:59] فهو ﴿عٰالِمُ الْغَيْبِ﴾ [الأنعام:73] و هو الخفي ﴿وَ الشَّهٰادَةِ﴾ [الأنعام:73] و هو الجلي و ما أوجده من الممكنات و هو الجلي أيضا و ما لم يوجده منها و هو الخفي أيضا و لا يخلو العالم من هاتين النسبتين دنيا و لا آخرة فالمزيد الواقع من العالم في العالم فهو من الخفي و المزيد لا يزال فالعالم مزيد خارج من الخفاء إلى الجلاء لا يزال فالجلي من سؤال السائلين إنما يسمعه الحق من الاسم الظاهر و الخفي منه يسمعه من الاسم الباطن فإذا أعطاه ما سأل فالاسم الباطن يعطيه للظاهر و الظاهر يعطيه للسائل فالظاهر حاجب الباطن و الجلي حاجب الخفي كما إن الشعور حاجب العلم و اعلم أن اللّٰه عزَّ وجلَّ يعامل عباده بما يعاملونه به فكأنه تعالى بحكم التبعية لهم و إن كان ابتداء الأمر منه و لكن هكذا علمنا و قرر لدينا فإنا لا ننسب إليه إلا ما نسبه إلى نفسه و لا يتمكن لنا إلا ذلك فمن حكم تبعية الحق تعالى للمخلوق قوله تعالى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ﴾ [آل عمران:31] و «قوله ﷺ في الصحيح إن اللّٰه لا يمل حتى تملوا» و قوله تعالى ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة:152] و «قوله سبحانه من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي و من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه»
فلا يكون العبد في حالة *** إلا يكون الحق في مثلها