الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)به وعدا شيطانيا و اللّٰه لا يقاوم و لا يغالب فالمغفرة متحققة و الفضل متحقق و باء الشيطان بالخسران المبين و لهذه الحقيقة أمرنا اللّٰه أن نتخذه وكيلا : في أمورنا فيكون الحق هو الذي يتولى بنفسه دفع مضار هذه الأمور عن المؤمنين و ما غرض الشيطان المعصية لعينها و إنما غرضه إن يعتاد العبد طاعة الشيطان فيستدرجه حتى يأمره بالشرك الذي فيه شقاوة الأبد و ذلك لا يكون إلا برفع الستر الاعتصامي الحائل بين العبد و الشرك ﴿وَ اللّٰهُ﴾ [البقرة:19] تعالى ﴿يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب التاسع عشر و ثلاثمائة في معرفة تنزل سراح النفس عن قيد وجه ما من وجوه الشريعة بوجه آخر منها»و أن ترك السبب الجالب للرزق من طريق التوكل سبب جالب للرزق و أن المتصف به ما خرج عن رق الأسباب و من جلس مع اللّٰه من كونه رزاقا فهو معلول لله بين السماء و الأرض تنزيل *** من أمره فيه تبديل و تحويل ينحط من صور في طيها صور *** يمحو بها صورا لهن تمثيل و صورة الحق فيه إن يكون على *** ما الحق فيه و إن لم فهو تضليل الهو يصاحب مجلى الحق في صور *** و هو الصحيح الذي ما فيه تعليل هذا مقام ابن عباس و حالتنا *** و قد أتى فيه قرآن و تنزيل فلا تغرنك حال لست تعرفها *** فإنها لك تسبيح و تهليل و قل بها و التزامها إنها سند *** أقوى يؤيده شرع و معقول تقضي به صحف مثلي مطهرة *** منها زبور و توراة و إنجيل فاشهد هديت علوما عز مدركها *** على العقول فوجه الحق مقبول يحار عقلك فيها إن يكيفها *** فإنه تحت قهر الحس مغلول فالحس أفضل ما تعطاه من منح *** و صاحب الفكر منصور و مخذول [أن من كانت حقيقته مقيدا لا يصح أن يكون مطلقا]اعلم وفقك اللّٰه أيها الولي الحميم تولاك اللّٰه برحمته و فتح عين فهمك إنه من كانت حقيقته أن يكون مقيدا لا يصح أن يكون مطلقا بوجه من الوجوه ما دامت عينه فإن التقييد صفة نفسية له و من كانت حقيقته أن يكون مطلقا فلا يقبل التقييد جملة واحدة فإنه صفته النفسية أن يكون مطلقا لكن ليس في قوة المقيد أن يقبل الإطلاق لأن صفته العجز و أن يستصحبه الحفظ الإلهي لبقاء عينه فالافتقار يلزمه و للمطلق أن يقيد نفسه إن شاء و أن لا يقيدها إن شاء فإن ذلك من صفة كونه مطلقا إطلاق مشيئة و من هنا أوجب الحق على نفسه و دخل تحت العهد لعبده فقال في الوجوب ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ [الأنعام:54] أي أوجب فهو الموجب على نفسه ما أوجب غيره عليه ذلك فيكون مقيدا بغيره فقيد نفسه لعبيده رحمة بهم و لطفا خفيا و قال في العهد ﴿وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾ [البقرة:40] فكلفهم و كلف نفسه لما قام الدليل عندهم بصدقه في قيله ذكر لهم ذلك تأنيسا لهم سبحانه و تعالى و لكن هذا كله أعني دخوله في التقييد لعباده من كونه إلها لا من كونه ذاتا فإن الذات غنية عن العالمين و الملك ما هو غني عن الملك إذ لو لا الملك ما صح اسم الملك فالمرتبة أعطت التقييد لا ذات الحق جل و تعالى فالمخلوق كما يطلب الخالق من كونه مخلوقا كذلك الخالق يطلب المخلوق من كونه خالقا أ لا ترى العالم لما كان له العدم من نفسه لم يطلب الخالق و لا المعدم فإن العدم له من ذاته و إنما طلب الخالق من كونه مخلوقا فمن هنا قيد نفسه تعالى بما أوجب على نفسه من الوفاء بالعهد و لما كان المخلوق بهذه المثابة لذلك تعشق بالأسباب و لم يتمكن له إلا الميل إليها طبعا فإنه موجود عن سبب و هو اللّٰه تعالى و لهذا أيضا وضع الحق الأسباب في العالم لأنه سبحانه علم أنه لا يصح اسم الخالق وجودا و تقديرا إلا بالمخلوق وجود أو تقدير أو كذلك كل اسم إلهي يطلب الكون مثل الغفور و المالك و الشكور و الرحيم و غير ذلك من الأسماء فمن هنا وضع الأسباب و ظهر العالم مربوطا بعضه ببعضه فلم تنبت سنبلة إلا عن زارع و أرض و مطر و أمر بالاستسقاء إذا عدم المطر تثبيتا منه في قلوب عباده لوجود الأسباب و لهذا لم يكلف عباده قط الخروج عن السبب |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |