الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)فإن الظالم لنفسه ما خرج عن ربه حتى يرجع إليه فإنه من المصطفين فالظالم نفسه يجيء للحق المشروع له الذي ظهر الرسول في حياته بصورته و لذلك كان يقال له رسول اللّٰه في التعريف ما كان يقال له محمد فقط و كذلك أخبر اللّٰه في قوله ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ﴾ [الفتح:29] و قال ﴿وَ لٰكِنْ رَسُولَ اللّٰهِ وَ خٰاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ [الأحزاب:40] فإذا جاء الظالم إلى الحق المشروع الذي بأيدينا اليوم فإن تجسد له في الصورة المحمدية فيعلم أنه من أصحاب هذا الذكر إما في النوم أو في اليقظة كيف كان و إن لم يتجسد له فما هو ذلك الرجل فإذا تجسد له فلا يخلو أن يستغفر اللّٰه هذا الظالم نفسه أو لا يستغفر اللّٰه فإن استغفر اللّٰه و لم ير صورة الرسول تستغفر له فإنه ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة:128] فيعلم عند ذلك أنه ما استغفر اللّٰه فإن استغفاره اللّٰه في ذلك الموطن يذكر النبي ﷺ بالاستغفار لله في حقه فيجد اللّٰه عند ذلك ﴿تَوّٰاباً رَحِيماً﴾ [النساء:16] و قد ظلمت نفسي و جئت إلى قبره ﷺ فرأيت الأمر على ما ذكرته و قضى اللّٰه حاجتي و انصرفت و لم يكن قصدي في ذلك المجيء إلى الرسول إلا هذا الهجير و هكذا تلوته عليه ﷺ في زيارتي إياه عند قبره فكان القبول و انصرفت و ذلك في سنة إحدى و ستمائة فقد أعلمتك كيف يجيء الظالم نفسه ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الثالث و الخمسون و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله﴿وَ اللّٰهُ مِنْ وَرٰائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج:20] »إن الإحاطة للرحمن تحديد *** مع الوراء و يقضي فيه تجريد فمن تجرد عن أكتاف نشأته *** لم يقض في عقله لله تحديد اللّٰه أنزه أن يقضى عليه بما *** يرده لجلال اللّٰه تحميد كماله من وجوه الكون أجمعه *** تسبيح حمد و تهليل و تمجيد [إن الحق عين الوجود]قال اللّٰه تعالى ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء:44] لما كان الحق عين الوجود لذلك اتصف بالإحاطة بالعالم و إنما جعل اللّٰه الإحاطة بالوراء للحفظ الإلهي و ذلك لما جعل له عينين و جعلهما في وجهه الذي هو الإمام منه و الجنبات و كل ذلك كان الواقع المسمى عادة و لم يكن للوراء سبب يقع به الحفظ لهذا المذكور فحفظه اللّٰه بذاته و لم يجعل له سببا يحفظه به سواه فحصلت نشأة الإنسان بين إمامه و إمام الحق فما قابلة كان شهادة و ما كان وراءه كان غيبا له فهو من أمامه محفوظ بنفسه و من خلفه محفوظ بربه و ليس وراء اللّٰه مرمى و لو لم يكن الحق من ورائهم محيطا لاخذ الإنسان من ورائه فآمن مما يحذره و اعتمد على حفظه بما شاهده من إمامه فحصل له الأمان من إمامه غيبا و شهادة و حصل له الأمان من ورائه إيمانا فإن أخذه اللّٰه من أي ناحية أخذه من مأمنه ﴿وَ كَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذٰا أَخَذَ الْقُرىٰ وَ هِيَ ظٰالِمَةٌ﴾ [هود:102] أخذها من ورائها و أما الإحاطة العامة فهي الأخذ الكلي و هو قوله ﴿وَ اللّٰهُ مُحِيطٌ بِالْكٰافِرِينَ﴾ [البقرة:19] من غير تقييد بجهة خاصة لكن هو أخذ بتقييد صفة و هو الكفر و ليس سوى الستر فأشبه الوراء لأنه لا يدركه الإنسان فما رأينا أخذ الإحاطة يكون عن شهود أينما ورد فإذا أخذ اللّٰه من أخذ من أوليائه لا يأخذه إلا من ورائه لئلا يفجأه فهو يأخذه برفق حتى لا يشعر فإذا أخذ بذلك أنس لما يجد فيه من اللذة لأنه لا عن مشاهدة تفنيه و لذلك أضرب بأداة بل عن الأول فقال ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ﴾ [البروج:21] أي جمع شريف يعني ما هو عليه من الأسماء و النعوت ﴿فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ﴾ [البروج:22] و هو أنت إشارة و اعتبار أو أنت لست منك في جهة و إن كانت الجهات فيك و ما ثم سواك فانتفى الوراء لهذا الإضراب و لم ينتف بوجه فإنه عينك و ما بقي في الوجود سوى عين واحدة و هو أنت فتنبه لما أومأنا إليه في هذا الإضراب ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الرابع و الخمسون و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ﴿لاٰ تَحْسَبَنَّ »لا تحسبن رجالا يفرحون بما *** أتوا و ليس لهم فيما أتوا قدم و يفرحون بحمد الخلق فيه و ما *** لهم من الفعل إلا الفقد و العدم و ذاك هجير ختم الأولياء و من *** يكن له مثل هذا الوصف ينعدم |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |