الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)ظهر هذا فقد أوجب الحق على عباده القتال معه و القيام في حقه و نصرته و الأخذ على يد الجائر و لا يزال الأمر على ما قلناه حتى يأتي أمر اللّٰه و تنفذ الكلمة الحق و يتوحد الأمر و تعم الرحمة و يرجع الأمر كله إليه كما كان أول مرة و يرتفع بعض النسب و يبقى بعضها بحسب المحل و الدار و النشأة التي تصير فيها و إليها فإن للزمان حكما و للمكان حكما و للحال حكما و اللّٰه يقضي الحق ﴿وَ هُوَ خَيْرُ الْفٰاصِلِينَ﴾ [الأنعام:57] فتزول المغالبة و المنازعة و يبقى الصلح و السلم في دار السلام إلى أبد لا ينقضي أمده بأزل لا يعينه أبده ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] إن الخليفة من كانت إمامته *** من صورة الحق و الأسماء تعضده ليس الخليفة من قامت أدلته *** من الهوى و هوى الأهواء يقصده له التقدم بالمعنى و ليس له *** توقيع حق و لا شرع يؤيده فيدعي الحق و الأسياف تعضده *** و هو الكذوب و نجم الحق يرصده «الباب الثالث و أربعمائة في معرفة منازلة «لا حجة لي على عبيدي ما قلت لأحد منهم إذا كنت حقا فالمقال مقالتي *** و إن لم أكن فالقول قول المنازع لي الحجة البيضاء في كل موطن *** به فهي تبدو في قريب و شاسع و لما دعاني للحديث مسامرا *** تجافت جنوبي رغبة عن مضاجعي فقال لنا أهلا بأكرم سامر *** يعيد عن الأكفاء للكل جامع فقلت له لولاك ما كنت جامعا *** لحق و خلق ثم فاضت مدامعي فقال أ تبكي قلت دمع مسرة *** لما ملئت مما تقول مسامعي [الكريم هو الذي يترك ماله قبل أن يسألها]قال اللّٰه عز و جل ﴿وَ اللّٰهُ خَلَقَكُمْ وَ مٰا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات:96] اعلم أن الكريم هو الذي يترك ماله و يؤدي ما أوجبه على نفسه من الحقوق كرما منه قبل أن يسألها ثم إنه يمنع وقتا و يطالب وقتا لتظهر بذلك منزلة الشافع عنده في مثل هذا و كرمه بالسائل فيما سأله فيه بإجابته و عبيد اللّٰه عبد إن عبد ليس للشيطان عليه سلطان و هو عبد الاختصاص و هو الذي لا ينطق إلا بالله و لا يسمع إلا بالله فالحجة لله لا له ﴿قُلْ فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ﴾ [الأنعام:149] فإنها حجة اللّٰه و من عبيد الاختصاص من ينطق عن اللّٰه و يسمع من اللّٰه فهذا أيضا من أهل الحجة البالغة لأنه لا ينطق ﴿عَنِ الْهَوىٰ إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ﴾ فهو تعالى السائل و المجيب و أما عبد العموم فهو الذي قال عنهم لرسول اللّٰه ص ﴿وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ﴾ [البقرة:186] فما خص عبيدا من عبيد و أضافهم إليه و قوله ﴿يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا﴾ [الزمر:53] فأضافهم إليه مع كونهم مسرفين على الإطلاق في الإسراف و نهاهم أن يقنطوا من رحمة اللّٰه و هذا و أمثاله أطمع إبليس في رحمة اللّٰه من عين المنة و لو قنط من رحمة اللّٰه لزاد إلى عصيانه عصيانا و أخبر اللّٰه عنه في إسرافه أنه يعدنا الفقر و يأمرنا بالفحشاء ليجعل فضله تعالى في مقابلة ما وعد به الشيطان من الفقر الذي هو به مأمور في قوله تعالى ﴿وَ عِدْهُمْ﴾ [هود:81] فهو مصدق لله فيما أخبر به عنه ممتثل أمر اللّٰه بشبهة في أمره في قوله ﴿وَ عِدْهُمْ﴾ [هود:81] و جعل مغفرته في مقابلة الفحشاء و الأمر بالفحشاء من الفحشاء فدخل تحت وعد الحق بالمغفرة فزاده طمعا و إن كانت دار النار مسكنه لأنه من أهلها و إن حارت عليه أو زار من اتبعه ممن هو من أهل النار فما حمل إلا ما هو منقطع بالغ إلى أجل و فضل اللّٰه لا انقطاع له لأنه خارج عن الجزاء الوفاق و رحمة اللّٰه لا تخص محلا من محل و لا دارا من دار بل وسعت كل شيء فدار الرحمة هي دار الوجود و هؤلاء العبيد المذكورون ذكرهم اللّٰه بالإضافة إليه و الإضافة إليه تشريف فجمع في الإضافة بين العبيد ﴿اَلَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر:53] الذين نهاهم سبحانه أن يقنطوا من رحمة اللّٰه و بشرهم أنه ﴿يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ [الزمر:53] و لم يعين وقتا فقد تكون المغفرة سابقة لبعض العبيد لاحقة لبعض العبيد و بين العبيد الذين ليس للشيطان عليهم سلطان |
|
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |