الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)لأن العبد ما دام في الحياة الدنيا لا يأمن التبديل ف ﴿إِنَّ اللّٰهَ يَفْعَلُ مٰا يُرِيدُ﴾ [الحج:14] و ما يدري العبد على الحقيقة مما كان عليه من الحال في حال عدمه إذ كان مشهودا لله لا لنفسه إلا ما مضى و ما يقع فهو في علم اللّٰه ﴿فَلاٰ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّٰهِ﴾ [الأعراف:99] لعلمه بالله ﴿وَ مٰا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب:23] فلله رجال بهذه المثابة جعلنا اللّٰه منهم فما أعظم بشارتها من آية و لا بلغ إلينا تعيين أحد من أهل هذه الصفة إلا طلحة بن عبيد اللّٰه من العشرة «صح فيه عن رسول اللّٰه ﷺ أنه قال هذا ممن» ﴿قَضىٰ نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب:23] و هو في الحياة الدنيا فآمن من التبديل و هذا عظيم و يدخل في هذا المقام و إن لم يبلغ فيه مبلغ من له العهد الخالص بالأصالة من عهد اللّٰه على القيام بدينه عند توبته فوفى ﴿بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اللّٰهَ﴾ [الفتح:10] قال لي السيد سليمان الدنبلي إن له خمسين سنة ما خطر له خاطر سوء فمثل هذا يلحق بهؤلاء إذا مات عليه ﴿وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اللّٰهَ﴾ [الفتح:10] و كل من جدد عهدا مع اللّٰه فهو من المخلصين ما هو ممن له الدين الخالص فصاحب الدين الخالص مهما تجدد له من اللّٰه حكم بشرع لم يكن يعرفه قبل ذلك و قد كلفه الحق به في كتابه أو على لسان رسوله فإن هذا العبد يتلقاه بالدين الخالص و العهد الأول و لا يضره جهله بالمسألة المعينة الخالصة هذا لا يقدح في صاحب هذا المقام كأبي بكر الصديق الذي ما رأى شيئا إلا رأى اللّٰه قبله بالدين الخالص و العهد الإلهي الذي كان عليه و في شهوده و لهذا لما واجهه رسول اللّٰه ﷺ بالإيمان برسالته بادر و ما تلكأ و لا طلب دليلا على ذلك منه بل صدقه بذلك العهد الخالص فإنه رأى رسالته هناك كما رأى رسول اللّٰه ﷺ نبوته قبل وجود آدم كما «روى عنه كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين» أي لم يكن موجودا و إنما عرف بذلك لقوله ﴿وَ إِذْ أَخَذْنٰا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثٰاقَهُمْ﴾ [الأحزاب:7] و كان هذا الميثاق قبل وجود جسد آدم فلما وجد آدم و قبض الحق على ظهره و استخرج منه كأمثال الذر يعني بنيه ﴿أَشْهَدَهُمْ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأعراف:172] كما جاء في القرآن فشهدوا فهذا هو الميثاق الثاني و الميثاق الأول هو ما أخذه على الأنبياء فلما ولدوا ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضىٰ نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب:23] و منهم من خذله اللّٰه فأشرك جعلنا اللّٰه ممن قضى نحبه و لم يبدل آمين بعزته ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الخامس و الأربعون و أربعمائة في معرفة منازلة «هل عرفت أوليائي الذين أدبتهم بآدابي» »أنبياء اللّٰه ما أدبهم *** غيره فاعتصموا بالأدب فهم السادة لا يخذلهم *** هكذا عينهم في الكتب فالذي يمشي على آثارهم *** هو معدود بذا في النجب فإذا كان كذا ثم كذا *** لم يزل لذاك خلف الحجب أسعد الناس بهم تابعهم *** فتراه مثلهم في النصب لزموا المحراب حتى و رمت *** منهم أقدامهم في قرب [المحب ذليل و المحبوب ذو دلال]قال اللّٰه تعالى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّٰهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّٰهُ﴾ [آل عمران:31] و من أحب اللّٰه ذل و من أحبه اللّٰه دل فالمحب ذليل و المحبوب ذو دلال و دلال و «قال ﷺ إن اللّٰه أدبني فأحسن أدبي» [الشرائع آداب اللّٰه لعباده]و اعلم أنه لتعريف اللّٰه بمنازل الخلق عنده من ولي و غيره طريقين الطريق الواحدة الكشف فيرى منازل الخلق عند اللّٰه فيعامل كل طائفة بمنزلها من اللّٰه و الطريق الأخرى ملازمة الأدب الإلهي و الأدب الإلهي هو ما شرعه لعباده في رسله و على ألسنتهم فالشرائع آداب اللّٰه التي نصبها لعباده فمن وفى بحق شرعه فقد تأدب بأدب الحق و عرف أولياء الحق فإذا رأيت من جمع الخير بيديه و ملأهما به فتعلم أنه قد أخذ بأدب اللّٰه «فإن رسول اللّٰه ﷺ يقول لربه و هو الصادق العالم بربه و الخير كله بيديك» فالخير إذا أردت أن تعرفه فاعلم أنه جماع مكارم الأخلاق و هي معروفة عرفا و شرعا و كل ما تراه من إقامة الحدود على من لو لم يأمرك الحق بذلك لكنت تعفو عنه فذلك لا يقدح في مكارم الأخلاق مع هذا الشخص فإنك ما فعلت به ما فعلت لنفسك و إنما اللّٰه فعل بعبده ما شاء على يدك و كلاكما عبد لسيد واحد و إنما كلامنا فيما يرجع إليك لا لأمر سيدك فإنه من مكارم الأخلاق في العبيد امتثال أوامر سيدهم في عباده و الوقوف عند حدوده و مراسمه فيهم ﴿لاٰ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ أَوْ إِخْوٰانَهُمْ﴾ [المجادلة:22] |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |