الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)فهو المخلوق الأول أ لا ترى الحق سبحانه أول ما خلق القلم أو قل العقل كما قال فما خلق إلا واحدا ثم أنشأ الحلق من ذلك الواحد فاتسع العالم و كذلك العدد منشؤه من الواحد ثم الذي يقبل الثاني لا من الواحد الوجود ثم يقبل التضعيف و التركيب في المراتب فيتسع اتساعا عظيما إلى ما لا يتناهى فإذا انتهيت فيه من الاتساع إلى حد ما من الآلاف و غيرها ثم تطلب الواحد الذي نشأ منه العدد لا يزال في ذلك تقلل العدد و يزول عنك ذلك الاتساع الذي كنت فيه حتى تنتهي إلى الاثنين التي بوجودها ظهر العدد إذ كان الواحد أولاها فالواحد أضيق الأشياء و ليس بالنظر إلى ذاته بعدد في نفسه و لكن بما هو اثنان أو ثلاثة أو أربعة فلا يجمع بين اسمه و عينه أبدا فاعلم ذلك [أرواح الأجسام المودعة في البرزخ و إدراكاتها]و الناس في وصف الصور بالقرن على خلاف ما ذكرناه و بعد ما قررناه فلتعلم إن اللّٰه سبحانه إذا قبض لأرواح من هذه الأجسام الطبيعية حيث كانت و العنصرية أودعها صورا جسدية في مجموع هذا القرن النوري فجميع ما يدركه الإنسان بعد الموت في البرزخ من الأمور إنما يدركه بعين الصورة التي هو فيها في القرن و بنورها و هو إدراك حقيقي و من الصور هنالك ما هي مقيدة عن التصرف و منها ما هي مطلقة كأرواح الأنبياء كلهم و أرواح الشهداء و منها ما يكون لها نظر إلى عالم الدنيا في هذه الدار و منها ما يتحلى للنائم في حضرة الخيال التي هي فيه و هو الذي تصدق رؤياه أبدا و كل رؤيا صادقة و لا تخطئ فإذا أخطأت الرؤيا فالرؤيا ما أخطأت و لكن العابر الذي يعبرها هو المخطئ حيث لم يعرف ما المراد بتلك الصورة «أ لا تراه صلى اللّٰه عليه و سلم ما قال لأبي بكر حين عبر رؤيا الشخص المذكور أصبت بعضا و أخطأت بعضا» و كذلك «قال في الرجل الذي رأى في النوم ضربت عنقه فوقع رأسه فجعل الرأس يتدهده و هو يكلمه فذكر له رسول اللّٰه أن الشيطان يلعب به» فعلم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم صورة ما رآه و ما قال له خيالك فاسد فإنه رأى حقا و لكن أخطأ في التأويل فأخبره صلى اللّٰه عليه و سلم بحقيقة ما رآه ذلك النائم و كذلك قوم فرعون يعرضون على النار في تلك الصور غدوة و عشية و لا يدخلونها فإنهم محبوسون في ذلك القرن و في تلك الصورة و يوم القيامة يدخلون أشد العذاب : و هو العذاب المحسوس لا المتخيل الذي كان لهم في حال موتهم بالعرض [عين الخيال تدرك الصورة الخيالية المطلقة المحسوسة]فتدرك بعين الخيال الصور الخيالية و الصور المحسوسة معا فيدرك المتخيل الذي هو الإنسان بعين خياله وقتا ما هو متخيل «كقوله صلى اللّٰه عليه و سلم مثلت لي الجنة في عرض هذا الحائط» فأدرك ذلك بعين حسه و إنما قلنا بعين حسه لأنه تقدم حين رأى الجنة ليأخذ قطفا منها و تأخر حين رأى النار و هو في صلاته و نحن نعرف أن عنده من القوة بحيث إنه لو أدرك ذلك بعين خياله لا بعين حسه ما أثر في جسمه تقدما و لا تأخرا فإنا نجد ذلك و ما نحن في قوته و لا في طبقته صلى اللّٰه عليه و سلم و كل إنسان في البرزخ مرهون بكسبه محبوس في صور أعماله إلى أن يبعث يوم القيامة من تلك الصور في النشأة الآخرة ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] انتهى الجزء الثامن و العشرون (الباب الرابع و الستون في معرفة القيامة و منازلها و كيفية البعث)(بسم اللّٰه الرحمن الرحيم) يوم المعارج من ﴿خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [ المعارج:4] يطير عن كل نوام به و سنه و الأرض من حذر عليه ساهرة *** لا تأخذنها لما يقضي الإله سنه فكن غريبا و لا تركن لطائفة *** من الخوارج أهل الألسن اللسنه و إن رأيت امرأ يسعى لمفسدة *** فخذ على يده تجزى به حسنة و لتعتصم حذرا بالكهف من رجل *** تريك فتنته يوما كمثل سنه قد مد خطوته في غير طاعته *** و لم يزل في هواه خالعا رسنه [معنى يوم القيامة]اعلم أنه إنما سمي هذا اليوم يوم القيامة لقيام الناس فيه من قبورهم لرب العالمين في النشأة الآخرة التي ذكرناها في البرزخ في الباب الذي قبل هذا الباب و لقيامهم أيضا إذا جاء الحق للفصل و القضاء ﴿وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر:22] قال اللّٰه تعالى ﴿يَوْمَ يَقُومُ النّٰاسُ لِرَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [المطففين:6] أي من أجل رب العالمين حين يأتي و جاء بالاسم الرب إذ كان الرب المالك فله صفة |
|
|||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |