الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)إلا التعب خاصة فكان المسافر يستعجل عذابا و مشقة فإن الأمور الجارية على العبد مثل الرزق و الأجل إن لم تأت إليه أتى إليها لا بد من ذلك و لا معنى لشكوى الشوق يوما *** إلى من لا يزول من العيان السكون مع المشاهدة و الحركة مع الفقد إلا الحركة المأمور بها لأنك لا تخلو إن تتحرك في طلبه فأنت فاقدا و في غير طلبه فأنت خاسر فالسكون بكل حال أولى من الحركة التي في مقام ذلك السكون و أنت في مقام أن تتحرك بالله فالسكون بالله مع اللّٰه أولى لراحة الوقت فإنه و اللّٰه إن كنت فاقدا له في السكون فأنت في الحركة المحسوسة أفقد بما لا يتقارب ﴿فَلاٰ تَكُونَنَّ مِنَ الْجٰاهِلِينَ﴾ [الأنعام:35] ... ﴿وَ اصْبِرْ وَ مٰا صَبْرُكَ إِلاّٰ بِاللّٰهِ﴾ [النحل:127] لو لم يكن من شرف السكون إلا ورود الأسماء الإلهية عليك و نزول الحق إليك لأنك إن تحركت إليه حددته و إن سكنت معه عبدته الحركة إليه عين الجهل به و السكون معه عين العلم به ما أسرى برسول اللّٰه ﷺ ليراه و إنما أسرى به ليريه من آياته : من قوله ﴿لَخَلْقُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النّٰاسِ﴾ [غافر:57] فمن رجح ترك السفر فقد أصاب في النظر و قصد عين الخبر إذا كان جليس الذاكر فإلى أين يرحل فهذا قد أبنت لك عن السفر و تركه فكن بحسب ما يقع لك ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] (الباب السادس و السبعون و مائة في معرفة أحوال القوم رضي اللّٰه عنهم عند الموت)للقوم عند حلول الموت أحوال *** تنوعت و هي أمثال و أشكال فمنهم من يرى الأسماء تطلبه *** و منهم من يرى الأملاك و الحال في ذاك مختلف عند الوجود لما *** تعطي الحقائق و التفصيل إجمال و منهم من يرى الإرسال مقبلة *** إليه تتحفه و الرسل أعمال و منهم من يرى التنزيه يطلبه *** و هو الذي عنده التشبيه إضلال و كلهم سعدوا و العين واحدة *** و عندهم في جنان الخلد أشغال هذا هو الحق لا تبغي به بدلا *** فهو الصحيح الذي ما فيه إشكال [الموت أمر يقيني لا اختلاف فيه]«قال رسول اللّٰه ﷺ يموت المرء على ما عاش عليه و يحشر على ما عليه مات» و قال تعالى ﴿فَكَشَفْنٰا عَنْكَ غِطٰاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق:22] يعني عند الموت أي يعاين ما هو أمره عليه الذي ينفرد به أهل اللّٰه العابدون ربهم إذا أتاهم اليقين يقول لنبيه ص ﴿اُعْبُدْ رَبَّكَ حَتّٰى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ [الحجر:99] يعني الموت لأنه أمر متيقن لا اختلاف في وقوعه في كل حيوان و إنما وقع الخلاف في ماهيته قال شاعرهم فخالف الناس حتى لا اتفاق لهم *** إلا على شجب و الخلف في الشجب يعني ما هو و الشجب الموت فإذا حضرتهم الوفاة رضي اللّٰه عنهم فلا بد لهم من مشاهد اثنتي عشرة صورة يشهدونها كلها أو بعضها لا بد من ذلك و هن صورة عمله و صورة علمه و صورة اعتقاده و صورة مقامه و صورة حاله و صورة رسوله و صورة الملك و صورة اسم من أسماء الأفعال و صورة اسم من أسماء الصفات و صورة اسم من أسماء النعوت و صورة اسم من أسماء التنزيه و صورة اسم من أسماء الذات و كان الأولى أن تكون هذه الصور كلها بالسين لا بالصاد فإنها منازل معان إلا أنه لما تجسدت المعاني و ظهرت بالأشكال و المقادير لذلك تصورت في صور إذ كان الشهود بالبصر و حكمت الحضرة بذلك الخيالية البرزخية فالموت و النوم سواء فيما تنتقل إليه المعاني فمنهم من يتجلى له عند الموت عمله العمل فيتجلى له عمله في الزينة و الحسن على قدر ما أنشأه العامل عليه من الجمال فإن أتم العمل كما شرع له و لم ينقص منه شيئا يشينه انتقاصه كان في أتم نشأة حسنة ظهرت من تمام أركان ذلك العمل الظاهرة و الباطنة من الحضور و شهود الرب في قلبه و في قبلته إذا صلى و كل عمل مشروع فهو صلاة و لهذا «قال ﷺ عن اللّٰه تعالى أنه يقول يوم القيامة أنظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها فإن كانت تامة كتبت له تامة و إن كانت انتقص منها» |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |