الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)في صورة ممكن و لهذا نادبنا في قولنا إن اللّٰه لا ينبغي أن يقال إنه يجوز أن يفعل كذا و يجوز أن لا يفعله و نقول يجوز أن يكون هذا الممكن و يجوز أن لا يكون كما أنه إذا ظهر الاضطرار من العبد إنما يظهر ذلك منه بصورة حق لا بنفسه لأنه لا يكون عبدا إلا بقيامه بمراسم سيده و هو مسلوب الفعل بالأصالة فلا بد أن تظهر بصورة حق إذا ظهر بعبوديته التي هي العمل بما كلف فعله و لذلك لم يقل الحق إنه هوية الشيء و إنما قال إنه هوية العبد فعلمنا إن حكم العبد ما هو حكم الشيء فحكم النفل أحق بالعبد لو لا ما فيه من روائح الربوبية و حكم الفرض أحق بالرب لو لا ما فيه من روائح العبودية فليجعل حكم كل واحد في الموطن الذي جعله اللّٰه فيكون اللّٰه هو الجاعل لا نحن فنخلص و نسلم من الاعتراض علينا عند السؤال من اللّٰه إيانا [إن اللّٰه تعالى جعل في محبة الجزاء غفر الذنوب]ثم إن اللّٰه تعالى جعل في محبة الجزاء و هي محبة الكرامة غفر الذنوب و هو سترها و ختم الآية بأنه ﴿لاٰ يُحِبُّ الْكٰافِرِينَ﴾ [آل عمران:32] و الكافر الساتر و هو تعالى ساتر الذنوب فعلمنا أنه لا يحب من عباده من يستر نعمه كانت النعم ما كانت فإنه قال ﴿وَ أَمّٰا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [الضحى:11] و ما تحدث به لم يستر و قال التحدث بالنعم شكر و إذا أنعم اللّٰه على عبد نعمة أحب أن ترى عليه و نعمه التي أسبغها على عباده ظاهرة و باطنة و من ستر نعمة اللّٰه فقد كفر بها و من كفر بها أذاقه اللّٰه ﴿لِبٰاسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ﴾ [النحل:112] بصنيعة ذلك و لهذا قيد اللّٰه ستره بالذنوب و هي البقايا التي أبقاها اللّٰه لعباده ليتعلموا الأدب مع اللّٰه فينسبون الطاعة و الخير لله و يجعلونه بيد اللّٰه و ينسبون الذنب و المعصية لنفوسهم فلهذا قلنا أبقاها اللّٰه فهذا نصيبهم مما هو لله فإنه كل من عند اللّٰه لكن هؤلاء المحجوبون ﴿لاٰ يَكٰادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ [النساء:78] بل يقولون كل ذلك لله في غير الموطن الذي جعله اللّٰه لهذا القول و ذلك لجهلهم بالمواطن و هذا القدر كاف فإن المجال فيه واسع لاتساع ميدانه لكون العالم ما أوجده اللّٰه إلا عن الحب و الحب يستصحب جميع المقامات و الأحوال فهو سار في الأمور كلها فلذلك يتفصل الأمر فيه إلى غير نهاية و أصل الحب النسب و هي الروابط و مع الروابط لا يثبت توحيد أصلا و لهذا قال بعضهم من وحد فقد أشرك كما يقول من قال بالجمع فقد فرق بلا شك ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الثاني و السبعون و أربعمائة في حال قطب كان منزله ﴿اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ »من يستمع قول من تعنو الوجوه له *** يفز بحسن الذي يأتيه في كلمه و هو الحكيم فمن في الكون حكمته *** و أنت في كونه فأنت من حكمه فمنك تسمع إن حققت ما سمعت *** أذناك من قوله في رتبتي قدمه العرش يفرد ما الكرسي يقسمه *** من الخطاب لما في القول من قدمه إن الحدوث له وجه لمحدثه *** و آخر ناظر منه إلى عدمه قال اللّٰه جل جلاله ﴿مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء:2] و قال تعالى ﴿مٰا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمٰنِ مُحْدَثٍ﴾ [الشعراء:5] [أن كل كلام في العالم كلام اللّٰه تعالى]اعلم أن هذا تنبيه من الحق على إن كل كلام في العالم كلامه لأنه ما أتى من اللّٰه إلينا إلا كل ذكر محدث لأن الإتيان يحدث بلا شك في الآتي و ما أتى إلا من قام به الحادث و ليس إلا الصورة التي يتجلى فيها في أعين الناظرين و يتخلى عنها في أعين الناظرين فما ثم إلا سامع و متكلم و قائل و مقول له و مقول به و مقول و كله حسن إلا أنه بين حسن و أحسن فكل كلام حسن و ما وافق الغرض من القول فهو أحسن فالقول كله حسن و أما قوله ﴿لاٰ يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ [النساء:148] فنفى المحبة أن يكون متعلقها الجهر بالسوء من القول و السوء من القول أن يقول في القول إنه سوء و لا قائل به إلا اللّٰه و الجهر بالسوء قد يكون قولا و قد يكون في الأفعال التي لا تكون قولا فيريد بالجهر فيها ظهور الفحشاء من العبد كما «قال ﷺ من بلي منكم بهذه القاذورات فليستتر» يعني لا يجهر بها و السوء على نوعين سوء شرعي و سوء ما يسوؤك و إن حمده الشرع و لم يدمه فقد يكون هذا السوء من كونه يسوءك لا إن السوء فيه حكم اللّٰه كما قال تعالى ﴿وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا﴾ [الشورى:40] فالسيئة الأولى شرعية لأنه تعدى و السيئة الأخرى ما يسوء المجازي عليها و ليس الجزاء بسيئة مشروعة لأن اللّٰه لا يشرع السوء و لما وقع الاصطلاح في اللسان على السيئ و الحسن نزل الشرع من عند اللّٰه بحسب التواطؤ فهم سموه سوء |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |