الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)كنى عنه الشرع بالغت و الغط في نزول الوحي عليه كصلصلة الجرس و هو أشده عليه فإن نزوله شديد على هذا الهيكل البشري و لا سيما إن كان النزول بالقرآن كما قال ﴿وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبٰالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ﴾ [الرعد:31] و قد يكون من الجبال القوة الماسكة الطبع الذي من شأنه الميل نظير الميد في الأرض و يكون من الأرض أرض الأجسام الطبيعية ﴿أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتىٰ﴾ [الرعد:31] و من أصناف الموت الجهل يقول تعالى ﴿أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ﴾ لكان هذا القرآن يحيا بما فيه من العلم و يقطع به الأرض و تسير الجبال بما فيه من الزجر و الوعيد [كل كلام إلهى له أثر في المحل المنزل عليه]و قوله ﴿قُرْآناً﴾ [يوسف:2] بالتنكير دليل على أحد أمرين إما على آيات منه مخصوصة كما ضرط الجبار عند ما سمع ﴿صٰاعِقَةً مِثْلَ صٰاعِقَةِ عٰادٍ وَ ثَمُودَ﴾ [فصلت:13] و إما أن يكون ثم أمر آخر ينطلق عليه اسم قرآن غير هذا لغة و لو حرف امتناع لامتناع فهل هو داخل تحت الإمكان فيوجد أو ما هو ثم إلا بحكم الفرض و التقدير فأما عندنا فكل كلام إلهي من كلمة مركبة من حرفين إلى ما فوق ذلك من تركيبات الحروف و الكلمات المنسوبة إلى اللّٰه بحكم الكلام فإنه قرآن لغة و له أثر في النزول في المحل المنزل عليه إذا كان في استعداده التأثر بنزوله فإن لم يكن فلا يشترط و الاستعداد من المحل أن يكون حاله العبودة و العبودية و أثره في حال العبودية أتم منه في حال العبودة فإن سمع المحل أو نزل عليه في حال كون الحق سمعه حصل له النزول و لم يظهر له أثر عليه لأنه حق في تلك الحالة فينتفي عنه الخشوع و هذا أصل يطرد في كل وصف لا يكون له في الألوهة مدخل كالذلة و الافتقار و الخشوع و الخوف و الخشية فإنه يتأثر صاحب هذا الحال و كل كون يكون حالة نعت إلهي كالكرم و الجود و الرحمة و الكبرياء فإنه لا يؤثر في صاحبه أصلا فإنه نعت حق فله العزة و المنع هذا مطرد و قد نزل علينا من القرآن ذوقا عرفنا من ذلك صورة نزوله على نبيه ﷺ فوجدنا له ما لم نجد لحفظ حروفه و لا لتدبر معانيه و نزل علينا في الحالين فأثر في الحال الواحد الكوني و لم يؤثر في الحال الإلهي إلا لذة خاصة فإنه لا بد منها و أما خشوعا فلا و لهذا ينسب إلى الجناب الإلهي الأقدس ما ينسب من الفرح و هو التذاذ [من استظهر القرآن أدرجت النبوة بين جنبيه]ثم إن اللّٰه جعل مثل هذا أمثالا مضروبة للناس ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَ يَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَ مٰا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفٰاسِقِينَ﴾ [البقرة:26] الخارج عن الحالين و العاري عن التلبس بالحكمين و هي حالة الغافلين عما خلقوا له و عما فضلوا به لم يمت أبو يزيد حتى استظهر القرآن و هو تنزيله عليه ذوقا و «من استظهر القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه كذا قال ص» و هذا الفرق بين تنزله على النبي ﷺ و بين تنزله علينا فإنه منزل في النبي ﷺ على قلبه و في صدره فنبوته له مشهودة و ينزل علينا بين جنبينا من وراء حجابنا فهو لنا في الظهر لا في الظهور فنبوتنا مستورة عنا مع كوننا محلا لها فمن خشع تصدع و من علم يخشى (الباب الحادي عشر و مائة في ترك الخشوع)من تجلى لنفسه كيف يخشع *** و به تنظر العيون إليه فقوانا قواه من غير شك *** هكذا نص لي الرسول عليه [المحجوب بربه عن ذاته في حال صحوه و إثباته]إذا كان العبد في نعت إلهي و ورد التجلي عليه و تلقاه بذلك النعت أورثه لذة و فرحا و ابتهاجا و سرورا و لم يجد خشوعا و لا ذلة فينسب ذلك الفرح للظاهر في المظهر لا من حيث هو ظاهر فهو سرور بكمال و أثره في المظهر من حيث ما هو مظهر فهو محجوب عن ذاته بربه في حال صحوه و ظهوره و حضوره و إثباته و بقائه و ترك الخشوع لمن ليست هذه حالته مذموم مطرود (الباب الثاني عشر و مائة في مخالفة النفس)خالف هواك فإنه محمود *** و اعلم بأنك وحدك المقصود الكل يسعد غير من هو مثله *** فلتلق سمعك لي و أنت شهيد أنت العزيز فذق وبال صفاته *** يوم القيامة و الأنام شهود [مخالفة النفس هو الموت الأحمر]اعلم أيدك اللّٰه أن مخالفة النفس هو الموت الأحمر و هو حال شاق عليها و هي المخالفة نفسها فالمخالف عين المخالف و هذا من أعجب الأمور أعني وجود المشقة نعم لو كان المخالف نفسا أخرى لم يكن التعجب من حصول المشقة في ذلك |
|
||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |