الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)الدار الآخرة كئوس كثيرة على عدد الشاربين منه و أن الماء في الإناء على صورة الإناء شكلا و لونا علمنا قطعا إن العلم بالله سبحانه على قدر نظرك و استعدادك و ما أنت عليه في نفسك فما اجتمع اثنان قط على علم واحد في اللّٰه من جميع الجهات لأنه ما اجتمع في اثنين قط مزاج واحد و لا يصح لأنه لا بد في الاثنين مما يقع به الامتياز لثبوت عين كل واحد و لو لم يكن كذلك لم يصح أن يكونا اثنين فما عرف أحد من الحق سوى نفسه فإذا عامل من تجلى له بما عامله به و قد ثبت أن عمله يعود عليه لن ينال اللّٰه من ذلك شيء «قال صلى اللّٰه عليه و سلم إنما هي أعمالكم ترد عليكم» فيكسوكم الحق من أعمالكم حللا على قدر ما حصنتموها و اعتنيتم بأصولها فمن لابس حريرا و من لابس مشاقة كتان و قطن و ما بينهما فلا تلم إلا نفسك و لا تلم الحائك فما حاك لك إلا غزلك فإن قلت كيف تقول لن ينال اللّٰه من ذلك شيء و قد قال سبحانه ﴿يَنٰالُهُ التَّقْوىٰ مِنْكُمْ﴾ [الحج:37] فلتعلم إن المراد بإثبات النيل هنا و عدم النيل في جانب الحق إن اللّٰه سبحانه ما يناله شيء من أعمال الخلق مما كلفهم العمل فيه نيل افتقار إليه و تزين به ليحصل له لذلك حالة لم يكن عليها و لكن يناله التقوى و هو أن تتخذوه وقاية مما أمركم أن تتقوه به على درجات التقوى و منازله فقد قال ﴿فَاتَّقُوا النّٰارَ﴾ [البقرة:24] و ﴿اِتَّقُوا اللّٰهَ﴾ [البقرة:189] و ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ﴾ [التحريم:6] فمعنى ﴿يَنٰالُهُ التَّقْوىٰ﴾ [الحج:37] أنه يتناولها منك ليلبسك إياها بيده تشريفا لك حيث خلع عليك بغير واسطة إذ لبسها غير المتقي من غير يد الحق و سواء كانت الخلعة من رفيع الثياب أو دنيئها فذلك راجع إليك فإنه ما ينال منك إلا ما أعطيته و إن جمع ذلك التقوى فإنه لا يأخذ شيئا سبحانه من غير المتقي فلهذا وصف نفسه بأن التقوى تناله من العباد و إنما وصف الحق سبحانه بأن التقوى تصيبه و اللحوم و الدماء لا تصيبه لما كانت الإصابة بحكم الاتفاق لا بحكم القصد أضاف النيل إلى المخلوق لأنه يتعالى أن يعلم فيقصد من حيث يعلم و لكن إنما يصاب بحكم الاتفاق مصادفة و الحق منزه أن يعلم الأشياء بحكم الإصابة فيكون علمه للأشياء اتفاقا فإذا ناله التقوى من المتقي و خدم بين يديه و جعل ذاته بين يديه مستسلما لما يفعله فيه فيخلع سبحانه عند ذلك من العلم على المتقي و من شأن هذا العلم أن يحصل من اللّٰه تعالى للعبد بكل وجه من وجوه العطاء حتى يأخذ كل آخذ منه بنصيب فمنهم من يأخذه من يد الكرم و منهم من يأخذه من يد الجود و منهم من يأخذه من يد السخاء و منهم من يأخذه من يد المنة و الطول إلا الإيثار فإنه ليس له يد في هذه الحضرة الإلهية إذ كان لا يعطي عن حاجة لكن الأسماء الإلهية لما كانت تريد ظهور أعيانها في وجود الكون و أحكامها يتخيل أن إعطاءها من حاجة إلى الأخذ عنها فتتنسم من هذا رائحة الإيثار و ليس بصحيح و إنما وقع في ذلك طائفة قد أعمى اللّٰه بصيرتهم و لذلك العارفون اتصفوا بأصناف العطاء في التخلق بالأسماء لا بالإيثار فإنهم في ذلك أمناء لا يؤثرون إذ لا يتصور الإيثار الحقيقي لا المجازي عندهم و العارف لا يقول أعطيتكم و إنما يقول أعطيتك لأنه لا يشترك اثنان في عطاء قط فلهذا يفرد و لا يجمع فالجمع في ذلك توسع في الخطاب و الحقيقة ما ذكرناه و للكلام في هذا المنزل مجال رحب لا يسعه الوقت ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] منازل الحوض و أسراره *** مراتب العلم و أنواره و هو من العلم الذي لم يزل *** صفاؤه شيب بأكداره محله الطبع الذي رتقه *** يلحقه القعر بإغباره «الباب السابع و السبعون و مائتان في معرفة منزل التكذيب و البخل و أسراره من المقام الموسوي»العلم علمان علم الدين في الصور *** الظاهرات من الأرواح في البشر و علم حق بتحقيق يؤيده *** ما أودع اللّٰه في الآيات و السور من كل ناظرة بالعين ناضرة *** فاللام ناظرة بالفاء في خبر هذي منازل أنوار سباعية *** الخمس تخنس دون الشمس و القمر منها ليظهر ما في الغيب من عجب *** فكل منزلة تسعى على قدر إن الصفات التي جاء الكتاب بها *** تقدست على مجال العقل و الفكر و كيف يدرك من لا شيء يشبهه *** من يأخذ العلم عن حس و عن نظر |
|
||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |