«الباب الخامس و الثلاثون و خمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله قوله جل ثناؤه
و تقدست أسماؤه
﴿اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران:191]
»
الذاكرون بكل حال ربهم *** هم أهل كل فضيلة في العالم
لا يشهدون سواه في أعيانهم *** فهم الملوك على الوجود الدائم
قاموا بحق اللّٰه لا بحقوقهم *** في راقد أو قاعد أو قائم
حازوا الكمال فلم يكن لسواهم *** هذا المقام من الآلة الحاكم
لهم التفكر في تعلق وصفه *** بوجودهم و وجود كل العالم
[التخلق بالقيومية]
اعلم أيدنا اللّٰه و إياك ﴿بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ [المجادلة:22] أن الأصل في الخلق حالة الرقاد حتى يكون الحق يقيمه إما لجلوس فينال نصيبا من الرحمة قال تعالى ﴿وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ﴾ [البقرة:28] و إما لقيام فينال نصيبا من آية قوله تعالى ﴿أَ فَمَنْ هُوَ قٰائِمٌ عَلىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ﴾ يقول اللّٰه تعالى ﴿اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ﴾ [ طه:5] و قال ﴿اَللّٰهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة:255] و اختلف العلماء من أصحابنا في التخلق بالقيومية هل يصح أو لا فعندنا إنه يصح التخلق بها مثل جميع الأسماء و قال اللّٰه ﴿اَلرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللّٰهُ﴾ [النساء:34] و لقيت أبا عبد اللّٰه بن جنيد لما جاء إلى زيارتنا بإشبيلية فسألته في ذلك فقال يجوز التخلق بها يعني بالاسم القيوم ثم منع من ذلك و ما أدري ما سبب منعه يقول اللّٰه تعالى ﴿اَلرِّجٰالُ قَوّٰامُونَ عَلَى النِّسٰاءِ بِمٰا فَضَّلَ اللّٰهُ بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ﴾ [النساء:34] و كان هذا أعني أبا عبد اللّٰه بن جنيد القبر فيقي ضيعة من أعمال رندة ببلاد الأندلس فلم أزل به ألاطفه في أصحابه و أتباعه بقريته لكونه كان معتزلي المذهب حتى انكشف له الأمر فرجع عن مذهب الاعتزال القائلين بإنفاذ الوعيد و بخلق الأفعال و عرف محل ذلك فأنزله في موضعه و لم يتعد به رتبته و شكرني على ذلك و رجع لرجوعه جميع أصحابه و أتباعه و حينئذ فارقته فهذا ذكر الأحوال لا يقف عند ذكر خاص و إنما هو بحسب الحال و من حاز هذه الأحوال الثلاثة فقد حاز الوجود فالآية التي تعم جميع الأحوال في الذكر قوله ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] هذا هو الذكر العام الذي يعم جميع الأحوال و بقي ذكر التخصيص فذكر القائم ﴿اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ﴾ [ طه:5] و ذكر القاعد ﴿أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمٰاءِ﴾ [الملك:16] و ذكر الجنب ﴿وَ فِي الْأَرْضِ إِلٰهٌ﴾ [الزخرف:84] و هذا كله فيه خلاف أعني في تأويله بين العلماء فاجمع همك على أمر واحد حتى يزول عنك التبديد فإن شئت راقبت ﴿اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ﴾ [ طه:5] و إن شئت راقبت ﴿أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمٰاءِ﴾ [الملك:16] و كونه «في السماء يقول هل من تائب هل من مستغفر هل من داع» و إن شئت راقبت ﴿وَ هُوَ اللّٰهُ فِي السَّمٰاوٰاتِ وَ فِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ﴾ [الأنعام:3] و إن كان طعامك ثريدا فراقب ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] و كينونتنا تعم حسا و معنى فبالحس حيث نحن من الأرض و حيث نحن فيه من الشغل بالجوارح و معنى حيث كتابا لهم و المقاصد و الخواطر فنشهده في الشغل فاعلا و في القصد قاصدا أيضا فنعكس الأمر فنكون بحيث هو فإنا بحيث ما نحن عليه و ليس إلا هو
فكن في أحسن إلهيات تسعد *** و كن في أكمل الحالات ترشد
و كن بالحال لا بالقول فيه *** تكن في حكم من يقضي فيقصد
و هذا القدر من الإيماء نصيحة إلهية ﴿لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق:37] ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الباب السادس و الثلاثون و خمسمائة في معرفة حال قطب كان هجيره
﴿وَ مَنْ كٰانَ يُرِيدُ
حَرْثَ الدُّنْيٰا نُؤْتِهِ مِنْهٰا وَ مٰا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾
»
الحرث حرثان محمود و مذموم *** و أنت حارثه و الرزق مقسوم
لا تحرثن لدنيا أنت تتركها *** فإن حرثت لها فأنت مذموم
لا تحرثن لما يفنى فلست له *** و احرث لباقيه فالأمر مفهوم