و دهر الدهور و عن هذا الأزل وجد الزمان و به تسمى اللّٰه بالدهر و هو «قوله عليه السّلام لا تسبوا الدهر فإن اللّٰه هو الدهر» و الحديث صحيح ثابت و من حصل له علم الدهر لم يقف في شيء ينسبه إلى الحق فإن له الاتساع الأعظم و من هذا العلم تعددت المقالات في الإله و منه اختلفت العقائد و هذا العلم يقبلها كلها و لا يرد منها شيئا و هو العلم العام و هو الظرف الإلهي و أسراره عجيبة ما له عين موجودة و هو في كل شيء حاكم يقبل الحق نسبته و يقبل الكون نسبته هو سلطان الأسماء كلها المعينة و المغيبة عنا فكان لهذا الإمام فيه اليد البيضاء و كان له من علمه بدهر الدهور علم حكمة الدنيا في لعبها بأهلها و لم سمي لعبا و اللّٰه أوجده و كثيرا ما ينسب اللعب إلى الزمان فيقال لعب الزمان بأهله و هو متعلق السابقة و هو الحاكم في العاقبة و كان هذا الإمام يذم الكسب و لا يقول به مع معرفته بحكمته و لكن كان يرقى بذلك هم أصحابه عن التعلق بالوسائط أخبرت أنه ما مات حتى علم من أسرار الحق في خلقه ستة و ثلاثين ألف علم و خمسمائة علم من العلوم العلوية خاصة و مات رحمه اللّٰه و ولي بعده شخص فاضل اسمه مظهر الحق عاش مائة و خمسين سنة و مات و ولي بعده الهائج و كان كبير الشأن ظهر بالسيف عاش مائة و أربعين سنة مات مقتولا في غزاة كان الغالب على حاله من الأسماء الإلهية القهار و لما قتل ولي بعده شخص يقال له لقمان و اللّٰه أعلم و كان يلقب واضع الحكم عاش مائة و عشرين سنة كان عارفا بالترتيب و العلوم الرياضية و الطبيعية و الإلهية و كان كثير الوصية لأصحابه فإن كان هو لقمان فقد ذكر اللّٰه لنا ما كان يوصي به ابنه مما يدل على رتبته في العلم بالله و تحريضه على القصد و الاعتدال في الأشياء في عموم الأحوال و لما مات رحمه اللّٰه و كان في زمان داود عليه السّلام ولي بعده شخص اسمه الكاسب و كانت له قدم راسخة في علم المناسبات بين العالمين و المناسبة الإلهية التي وجد لها العالم على هذه الصورة التي هو عليها كان هذا الإمام إذا أراد إظهار أثر ما في الوجود نظر في نفسه إلى المؤثر فيه من العالم العلوي نظرة مخصوصة على وزن معلوم فيظهر ذلك الأثر من غير مباشرة و لا حيلة طبيعية و كان يقول إن اللّٰه أودع العلم كله في الأفلاك و جعل الإنسان مجموع رقائق العالم كله فمن الإنسان إلى كل شيء في العالم رقيقة ممتدة من تلك الرقيقة يكون من ذلك الشيء في الإنسان ما أودع اللّٰه عند ذلك الشيء من الأمور التي أمنه اللّٰه عليها ليؤديها إلى هذا الإنسان و بتلك الرقيقة يحرك الإنسان العارف ذلك الشيء لما يريده فما من شيء في العالم إلا و له أثر في الإنسان و للإنسان أثر فيه فكان لهذا كشف هذه الرقائق و معرفتها و هي مثل أشعة النور عاش هذا الإمام ثمانين سنة و لما مات ورثه شخص يسمى جامع الحكم عاش مائة و عشرين سنة له كلام عظيم في أسرار الأبدال و الشيخ و التلميذ و كان يقول بالأسباب و كان قد أعطى أسرار النبات و كان له في كل علم يختص بأهل هذا الطريق قدم و فيما ذكرناه في هذا الباب غنية ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
«الباب السادس عشر»
في معرفة المنازل السفلية و العلوم الكونية
و مبدأ معرفة اللّٰه منها و معرفة الأوتاد و الأبدال و من تولاهم من الأرواح العلوية و ترتيب أفلاكها
علم الكثائف أعلام مرتبة *** هي الدليل على المطلوب للرسل
و هي التي حجبت أسرار ذي عمه *** و هي التي كشفت معالم السبل
لها من العالم العلوي سبعته *** من الهلال و خذ علوا إلى زحل
شلو لا الذي أوجد الأوتاد أربعة *** رسى بها الأرض فابتزت من الميل
لما استقر عليها من يكون بها *** فأعجب له مثلا ناهيك من مثل
[منافذ الشيطان الأربعة من جهات الإنسان الأربعة]
اعلم أيدك اللّٰه أنا قد ذكرنا في الباب الذي قبل هذا منازل الأبدال و مقاماتهم و من تولاهم من الأرواح العلوية و ترتيب أفلاكها و ما للنيرات فيهم من الآثار و ما لهم من الأقاليم فلنذكر في هذا الباب ما بقي مما ترجمت عليه المنازل السفلية هنا عبارة عن الجهات الأربع التي يأتي منها الشيطان إلى الإنسان و سميناها سفلية لأن الشيطان من عالم السفل فلا يأتي إلى الإنسان إلا من المنازل التي تناسبه و هي اليمين و الشمال و الخلف و الأمام قال تعالى ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ﴾ [الأعراف:17]