الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)الجبل العظيم فهذا من باب الغيرة و الأول من باب الكمال و ما ينبغي فالغيرة على الجناب الإلهي من اللّٰه الذي له الكمال المطلق ثم لتعلم أن النقص من كمال الوجود لا من كمال الصورة فتنبه فإنه دقيق لو لم يكن في الوجود نقص *** لزال عن رتبة الكمال لكنه ناقص فأبدى *** كماله فيه ذو الجلال فكل صنع من كل خلق *** لم يخله اللّٰه من جمال لأنه راجع إليه *** في كل عقد بكل حال فلا كمال و لا جمال *** إلا إلى اللّٰه ذي المعال من كل شخص بكل وجه *** في الفعل و الحال و المقال يا من يراني بعين حق *** لا تجعل الحكم للخيال لأنه عقد كل هاد *** بل مهتد لا عن الضلال و إن كان كذلك فاجهد أن لا تصدر منك صورة إلا مخلقة في غاية الكمال في قول و عمل و لا يغرنك كون النقص من كمال الوجود لأن ذلك من كمال الوجود ما هو من كمال ما وجد عنك فإن جماعة من الناس زلوا في هذا الموضع لقيناهم فينتج هذا الذكر لصاحبه مشاهدة الحق عند قوله و قبوله له و من شاهد الحفظة فمن هذا المقام شهدهم و لما أشهدنيهم الحق تعالى تعذبت بشهودهم و لم أتعذب بشهود الحق فلم أزل أسأل اللّٰه في أن يحجبهم عني فلا أبصرهم و لا أكلمهم ففعل اللّٰه معي ذلك و سترهم عن عيني و إنما لم أتعذب بشهود الحق لأنه عند شهود العبد ربه تعالى يشهده شاهد أو مشهود أو شهوده الملك ليس كذلك فإنه يشهده أجنبيا عنه و لو كان الحق بصره فإنه أعظم في الأجنبية و أشد في القلق عند صاحب هذه الصفة لأن الملك لا ينبغي أن يكون رقيبا على اللّٰه و هو رقيب فلا بد أن يكون الملك في هذه الحال محجوبا عن اللّٰه تعالى لا يشهده صفة عبده إذ لو شهدها لم يتمكن له أن يكون رقيبا عليه فلا بد لهذا العبد أن يتقلق بشهود الملك فإذا غاب عن حسه انفرد بسره بربه و أملى على الملك ما شاء أن يملي عليه ف ﴿كٰانَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً﴾ [الأحزاب:52] و الملائكة حافظون من أمر اللّٰه هذا الشخص الإنساني قال تعالى ﴿لَهُ مُعَقِّبٰاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّٰهِ﴾ [الرعد:11] فهم ملائكة تسخير تكون مع العبد بحسب ما يكون العبد عليه فهم تبع له و هذا الفارق بين توكيل السلطان على الشخص فإنه تحكم الوكلاء عليه لا يتعدى الموضع الذي حجره السلطان و حفظة الحق يتبعون العبد حيث تصرف فهو مطلق التصريف في إرادته و إن حجر عليه بعض التصرف فإنه يتصرف فيما حجر عليه و لا يستطيع الملك يمنعه من ذلك لأمرين الواحد لكون الحق قد ذهب اللّٰه بسمع هذا العبد عن قوله و يبصره عن شهوده و الأمر الآخر لكون الملك الحافظ الموكل به لا يمنعه لشهوده الحق معه في تصرفه الذي أمره بحفظه فلذلك لا يحجر الملك عليه التصرف و توكيل المخلوق ليس كذلك فإن الحاكم الذي وكل الوكلاء به ليس هو عند الموكل عليه فهذا الفارق بين حكم الوكيل الحق و الوكيل المخلوق فوكلاء الخلق يحفظونه من التصرف و وكلاء الحق يحفظونه في التصرف و هذا القدر في هذا الذكر من التنبيه كاف ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الخامس و الأربعون و خمسمائة في معرفة حال قطب كان هجيره﴿وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ﴾ [العلق:19] »لا تطع النفس التي من شأنها *** سدل الحجاب عليك ﴿وَ اسْجُدْ وَ اقْتَرِبْ﴾ [العلق:19] لا تطمعن بها فلست من أهلها *** و أجنح إلى النور المهيمن و اغترب فهو الذي أعطى الوجود بجوده *** فاعمل بما يعطي وجودك تقترب [العبد إذا وقف على حقيقته فقد عرف نفسه و إذا عرف نفسه عرف ربه]اعلم أيدنا اللّٰه و إياك ﴿بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ [المجادلة:22] أن هذا الذكر يوقف العبد على حقيقته و إذا وقف على حقيقته فقد عرف نفسه و إذا عرف نفسه عرف ربه و العبد أبدا لا يطلب بحركته إلا ربه حتى يشهده عين كل شيء و منه صدر فقد شهد صدوره و هو معه فقد شهد معيته في تصرفه فلا بد أن يطلب شهوده فيما ينتهي إليه تصرفه فهو غاية المطلب و لما كان العلو لله |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |