الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)إلا هو و لم يتميز عنه شيء لأنك ما فرضت موجود إلا هو خاصة و لا مقام له يتميز به عن غيره إذ لا غير هناك فإن يده متميزة عن رجله و رأسه متميز عن صدره و أذنه عن عينه و كل جارحة متميزة عن غيرها من الجوارح و كل قوة منه في باطنه لها حكم ليس للأخرى و محل ليس للآخر فتميزت الصور في عين واحدة لا تميز فيها و لا مقام لها فنحن له كالأعضاء للواحد منا و القوي فما ثم عمن نتميز و لا يتميز عنا و لكن تميزنا بعضنا عن بعض كما قررنا و لا تنسب الأحكام و المقامات لأعضائنا و إنما ينسب ذلك كله إلينا فيقال بطش فلان بفلان و مشى فلان إلى فلان و سمع فلان كلام فلان و رأى فلان فلانا ما ينسب شيء من هذا كله إلى آلة و لا إلى قوة و لا إلى عضو ف ﴿إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] ف ﴿لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [القصص:70] [أنه لا مخلص من المقامات إلا وارث محمد ﷺ الذي آتاه اللّٰه جوامع الكلم]فاعلم أنه لا يخلص من المقامات إلا وارث محمد ﷺ الذي آتاه اللّٰه جوامع الكلم و علم الأسماء كلها و علم الأولين و الآخرين فكل الصيد في جوف الفرا فما ثم عمن نتميز فإن العالم كله في وارث محمد ﷺ كما هو في محمد ﷺ فقد خلص من حكم المقامات عليه فهو يحكم بها بحسب ما تعطيه الأحوال فإنه العليم الحكيم فالأسماء الإلهية كلها هي تظهر المقامات و بها يحكم الحاكم و لا حاكم إلا اللّٰه و ما يبدل القول لديه فالقول له الحكم فبالقول يحكم الحق فتنبه لمن هو المحكوم عليه و المحكوم به و المحكوم فيه و الحاكم تعرف من هو المخلص من المقامات و الذي لا مقام له و أما المقام المحمود و هو المقام المثنى عليه الذي أثنى عليه اللّٰه الذي يقيم الحق فيه سبحانه محمدا ﷺ فهو مقام شفاعة رسول اللّٰه ﷺ في الشافعين أن يشفعوا يوم القيامة من ملك و رسول و نبي و ولي و مؤمن و أن يخرج الحق من النار أو يدخل الجنة من لم يعمل خيرا قط حتى لا يبقى في النار إلا أهلها الذين هم أهلها فيبقيهم اللّٰه فيها على صفة و مزاج لو أخرجهم اللّٰه بذلك المزاج إلى الجنة لتعذبوا و أضر بهم دخولها كما تضر رياح الورد بالجعل فيجيبه اللّٰه لما سأل فيه و إذا زاد سبب ظهور أمر على واحد فهو شفاعة سواء كان شفعا أو وترا لا بد أن يكون زائدا على واحد و أما الأحوال فلا سبيل إلى التخلص منها و هي فينا موهوبة و هي للحق ذاتية فالحكم للحال و الأحوال حاكمة *** و ليس في الكون إلا اللّٰه و البشر و نحن في عبرة لو كنت تعقلها *** فكل شيء سوى الرحمن يعتبر نحن النجوم التي في الغرب موقعها *** و ليس يظهر إلا الشمس و القمر الطمس فينا و ذاك الطمس ينفعنا *** و ليس يدريه إلا من له نظر فلا تخف فسوى الرحمن ليس له *** عين و ليس له التحكيم و الأثر إليه يرجع أمر الخلق كلهم *** حتى القضاء و حتى الحكم و القدر و هو الوجود الذي ما عنده ضرر *** و الشر ليس له في خلقه أثر فالشر ليس إليه جل خالقنا *** عنه بذا جاء عن إرساله الخبر من عرف الضلالة و الهدى لم يطل عليه المدى و علم إن اللّٰه لا يترك خلقه سدى كما لم يتركه ابتداء و إن لم ينزله منازل السعداء فإن اللّٰه برحمته التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] لا يسرمد عليه الرداء و كيف يسرمده و هو عين الرداء فهو في مقام الفداء و إشارة سهام العداء فله الرحمة آخرا خالدا مخلدا فيها أبدا و اللّٰه تعالى ﴿يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الأحد و العشرون و أربعمائة في معرفة منازلة «من طلب الوصول إلي بالدليل و البرهان »توحيد ربك لا عن كشف برهان *** فكر فوحدته لا تقبل الثاني و كل من يقبل الثاني فمتصف *** في حكمه بزيادات و نقصان و ذاك واحد أعداد فيقبله *** و واحد العين لا يدري ببرهان من يقبل المثل قد حارت خواطرنا *** فيه و هل رىء سر عين إعلان إن الدليل على التركيب نشأته *** فكيف يعطي وحيد العين في الشأن |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |