الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و لتضرروا فإذا عقلت فليس النعيم إلا الملائم و ليس العذاب إلا غير الملائم كان ما كان فكن حيث كنت إذا لم يصبك إلا ما يلائمك فأنت في نعيم و إذا لم يصبك إلا ما لا يلائم مزاجك فأنت في عذاب حببت المواطن إلى أهلها و أهل النار الذين هم أهلها هي موطنهم و منها خلقوا و إليها رجعوا و أهل الجنة الذين هم أهلها منها خلقوا و إليها رجعوا فلذة الموطن ذاتية لأهل الموطن غير أنهم محجوبون بأمر عارض عرض لهم من أعمالهم من إفراط و تفريط فتغير عليهم الحال فحجبهم عن لذة الموطن ما قام بهم من الأمراض التي أدخلوها على أنفسهم حتى إنهم لو لم يعملوا ما يوجب لهم وجود الآلام و الأسقام و حشروا من قبورهم على مزاج وطنهم و خيروا بين الجنة و النار لاختاروا النار كما يختار السمك الماء و يفر من الهواء الذي به حياة أهل البر فيموت أهل البر بما يحيا به أهل الماء و يموت أهل الماء بما يحيا به أهل البر فاعلم ذلك و أنت فلا يصح لك البقاء مع الحق على الدوام فإنه لا بد أن يقال ردوهم إلى قصورهم و لم يقل ردوهم إلى بيوتهم و لا إلى أزواجهم فما جاء بلفظ القصور إلا للمعنى المعقول منه فإذا ردوهم إلى قصورهم و أشرفوا على ملكهم فمن المحال أن يظهروا فيه عبيدا و إنما يظهرون فيه ملوكا فيعظمهم أهلهم و تقوم العزة عليهم في نفوسهم فتقول لهم الحقيقة ليكن عزكم الذي اقتضاه لكم الموطن بالله لا بنفوسكم فيعتزون في ملكهم بعز اللّٰه فتكون العزة لله بالأصالة ﴿وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:8] خلعة إلهية لا بالأصالة فيسعدون بهذا العلم عند اللّٰه و يجدونه في التجلي المستأنف مع أن العلماء بالله لا يزالون في تجل دائم لما علموا أن الحق عين كل صورة و مع هذا فلهم التجلي العام في الكثيب فإن ذلك يعطي ذوقا آخر خلاف هذا الذوق الذي يجدونه دائما ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] انتهى السفر الثامن و العشرون بانتهاء الباب العاشر و أربعمائة بسم اللّٰه الرحمن الرحيم «الباب الأحد عشر و أربعمائة في معرفة منازلة «فيسبق عليه الكتاب »فخافوا الكتاب و لا تخافوني فإني و إياكم على السواء في مثل هذا قال تعالى ﴿مٰا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَ مٰا أَنَا بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق:29] لحكم الكتاب على الجميع و عليهم ﴿أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذٰابِ﴾ [الزمر:19] فما أصعب الأمر عند العاقل الخبير إن خوف الكتاب شر ذنوبي *** إذ له الحكم في الوجود و فينا و قرأناه في الكتاب صريحا *** و رأيناه فيه حقا يقينا لا يخاف الإله إلا لكون *** حادث منه حل بالعالمينا [إن الرجل إذا عمل عمل أهل الجنة ليس بينه و بين الجنة إلا شبرا]«قال رسول اللّٰه ﷺ في الصحيح عنه إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى ما يبقى بينه و بين الجنة إلا شبر فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار و كذلك قال في أهل الجنة ثم قال و إنما الأعمال بالخواتيم و هي على حكم السوابق» فلا يقضي اللّٰه قضاء إلا بما سبق الكتاب به أن يقضي فعلمه في الأشياء عين قوله في تكوينه فما يبدل القول لديه فلا حكم لخالق و لا مخلوق إلا بما سبق به الكتاب الإلهي و لذا قال ﴿وَ مٰا أَنَا بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق:29] فما نجري عليهم إلا ما سبق به العلم و لا أحكم فيهم إلا بما سبق به فهذا موقف السواء الذي يوقف فيه العبد إذا كان علم الحق في الحق يحكم *** ففي خلقه أحرى فمن يتحكم و ليس بمختار إذا كان هكذا *** فكل إلى سبق الكتاب مسلم فما الخوف إلا من كتاب تقدمت *** له سور فينا و آي و أنجم فلو كان مختارا أمناه أنه *** رءوف رحيم بالعباد و أرحم و أخبر في البشرى برحمته التي *** يكون لها السبق الكريم المقدم على غضب أبداه فعل عبيده *** يزول محمد اللّٰه عنه و عنهم |
|
||||||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |