الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و تراه زاهيا *** في حلي و حلل كاشفا عورته *** مثل ما جاء المثل المثل [الوصول إلى الحيرة في الحق هو عين الوصول إلى اللّٰه]«قوله عليه الصلاة و السلام رب كاسية عارية» قال اللّٰه تعالى في الحيرة ﴿وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة:115] و من باب الحيرة ﴿وَ اللّٰهُ خَلَقَكُمْ وَ مٰا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات:96] ﴿وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ﴾ [الأنفال:17] و كذلك ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ قَتَلَهُمْ﴾ [الأنفال:17] و القتل ما شوهد إلا من المخلوق فنفى ما وقع به العلم الضروري في الحس «قال رسول اللّٰه ﷺ في هذه المنازلة لا أحصي ثناء عليك» و هذا مقام عزة الحيرة «أنت كما أثنيت على نفسك» و هذا حال الوصول و قال الصديق في هذه المنازلة العجز عن درك الإدراك إدراك فتحير فوصل فالوصول إلى الحيرة في الحق هو عين الوصول إلى اللّٰه و الحيرة أعظم ما تكون لأهل التجلي لاختلاف الصور عليهم في العين الواحدة و الحدود تختلف باختلاف الصور و العين لا يأخذها حد و لا تشهد كما أنها لا تعلم فمن وقف مع الحدود التابعة للصور حار و من علم إن ثم عينا هي التي تتقلب في الصور في أعين الناظرين و لا في نفسها علم إن ثم ذاتا مجهولة لا تعلم و لا تشهد فتحصل من هذا [أن العلماء على أربعة أصناف]أن العلماء بالله أربعة أصناف صنف ما له علم بالله إلا من طريق النظر الفكري و هم القائلون بالسلوب و صنف ما له علم بالله إلا من طريق التجلي و هم القائلون بالثبوت و الحدود و صنف ثالث يحدث لهم علم بالله بين الشهود و النظر فلا يبقون مع الصور في التجلي و لا يصلون إلى معرفة الذات الظاهرة بهذه الصور في أعين الناظرين و الصنف الرابع ليس واحدا من هؤلاء الثلاثة و لا يخرج عن جميعهم و هو الذي يعلم أن اللّٰه قابل لكل معتقد كان ما كان ذلك المعتقد و هذا الصنف ينقسم إلى صنفين صنف يقول عين الحق هو المتجلي في صور الممكنات و صنف آخر يقول أحكام الممكنات و هي الصور الظاهرة في عين الوجود الحق و كل قال ما هو الأمر عليه و من هنا نشأت الحيرة في المتحيرين و هي عين الهدى في كل حائر فمن وقف مع الحيرة حار و من وقف مع كون الحيرة هدى وصل ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4] «الباب الأحد و الثلاثون و أربعمائة في معرفة منازلة «من حجبته حجبته» »حجاب العبد منه و ليس يدري *** بأن وجوده عين الحجاب فيا قوم اسمعوا قولي تفوزوا *** بما قد قال في أم الكتاب فلفظة نستعين قد أظهرتنا *** و أفعالي و عيني في تباب فنحن التائهون بكل قفر *** و نحن الواقفون بكل باب [إن اللّٰه إذا أراد تعظيم عبد عند عباده و كساه خلعته و أعطاه أسماءه و جعله خليفة في خلقه]قال اللّٰه تعالى ﴿وَ مٰا أَرْسَلْنٰا مِنْ رَسُولٍ إِلاّٰ بِلِسٰانِ قَوْمِهِ﴾ [ابراهيم:4] فإذا خاطبهم ما يخاطبهم إلا بما تواطئوا عليه و إذا ظهر لهم في فعل من الأفعال فلا يظهر لهم إلا بما ألفوه في عاداتهم و من عاداتهم مع الكبير عندهم إذا مشى أن يحجبوه و معناه أن يكونوا له حجبة بين يديه كما قال ﴿نُورُهُمْ يَسْعىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ [التحريم:8] و سبب ذلك أن الكبير لو تقدم الجماعة لم يعرف و لم تتوفر الدواعي إلى تعظيمه فإذا تقدم الحجاب بين يديه طرقوا له و تأهبت العامة لرؤيته و حصل في قلوبها من تعظيمه على قدر ما يعرفونه من عظمة الحجبة في نفوسهم فيعظم شأنه فإذا أراد اللّٰه تعظيم عبد عند عباده عدل به عن منزلته و كساه خلعته و أعطاه أسماءه و جعله خليفة في خلقه و ملكه أزمة الأمور و حمل الغاشية بين يديه كما يحمل الملك الغاشية بين يدي ولي عهده و إن كان في المنزلة أعظم منه و لا بد لمن هذه حالته أن يعطي المرتبة حقها فلا بد أن ينحجب عن رتبة عبوديته و على قدر ما ينحجب عنها ينحجب عن ربه و لا يمكن إلا هذا فإن الحضرة في الوقت له و الوقت وقته و الحكم للوقت في كل حاكم أ لا ترى الحق يقول عن نفسه إنه ﴿كُلَّ يَوْمٍ(هُوَ)فِي شَأْنٍ﴾ فهو بحسب الوقت لأنه لا يعطي إلا بحسب القابل فالقبول وقته حتى يجري الأمور على الحكمة و لما كان الوقت لصاحبه حكم عليه بما يظهر به و قال ﷺ لا يؤمن الرجل في سلطانه و لا يقعد على تكرمته إلا بإذنه و لو كان الخليفة بنفسه إذا دخل دار أحد من رعيته فالأدب الإلهي المعتاد يحكم عليه بأن يحكم عليه رب البيت فحيثما أقعده قعد ما دام في سلطانه و إن كان الخليفة أكبر منه و أعظم و لكن حكم المنزل حكم عليه فرده مرءوسا أ لا ترى أن وجود العبد و أعني به العالم ما ظهر إلا بوجود الحق و إيجاده لأن الحكم له ثم تأخر المتقدم و تقدم المتأخر فلم يظهر للعلم بالله عين حتى أظهره العلم بالعالم فكان ذلك جزاء الإيجاد و عاد ذلك الجزاء |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |