الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و يرجى و يسأل و يجيب إن شاء و إن شاء و غفور بما ستر من هذه العلوم و الأسرار الراجعة إليه تعالى و إلى أسمائه و إلى العالم عن الخلق كلهم بالمجموع فلا يعلم المجموع و لا واحد من الخلق لكن له العلم بالآحاد فعند واحد ما ليس عند الآخر فهو بالمجموع حاصل فهو حاصل في المجموع غير حاصل عند واحد واحد و هو قوله ﴿وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّٰ بِمٰا شٰاءَ﴾ [البقرة:255] فجاء بباء التبعيض فعند واحد من العلم بالله ما ليس عند الآخر فلذلك قال ﴿إِنَّ اللّٰهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾ [فاطر:28] «الباب الخامس و التسعون و أربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله﴿وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ﴾ [البقرة:217] »من يرتدد منكم عن دينه و يموت *** فإنه كافر بالدين أجمعه لأنه أحدي العين ليس له *** مخالف جاءه من غير موضعه و إن إتيانه بالكل شرعته *** بذا أتى الحكم فيه من مشرعه [في الارتداد]الضمير في أنه يعود على الذين قال اللّٰه تعالى ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً﴾ [المائدة:48] فالمراد هنا بضمير منكم ليس إلا الأنبياء عليه السّلام لا الأمم لأنه لو كان للأمم لم يبعث رسول في أمة قد بعث فيها رسول إلا أن يكون مؤبدا لا يزيد و لا ينقص و ما وقع الأمر كذلك فإن جعلنا الضمير في قوله منكم للأمم و الرسل جميعا تكلفنا في التأويل شططا لا نحتاج إليه فكون الضمير كناية عن الرسل أقرب إلى الفهم و أوصل إلى العلم و يدخل في ذلك عموم الرسالة و خصوصها و «قال ﷺ من بدل دينه فاقتلوه» فاختلف الناس في اليهودي إن تنصر و النصراني إن تهود هل يقتل أم لا و لم يختلفوا فيه إن أسلم فإنه ﷺ ما جاء يدعو الناس إلا إلى الإسلام و جعل علماء الرسوم أن هذا تبديل مأمور به و ما هو عندنا كذلك فإن النصراني و أهل الكتاب كلهم إذا أسلموا ما بدلوا دينهم فإنه من دينهم الايمان بمحمد ﷺ و الدخول في شرعه إذا أرسل و أن رسالته عامة فما بدل أحد من أهل الدين دينه إذ أسلم فافهم و ما بقي إلا المشرك فإن ذلك ليس بدين مشروع و إنما هو أمر موضوع من عند غير اللّٰه و اللّٰه ما قال إلا ﴿مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ [البقرة:217] و «رسول اللّٰه ﷺ يقول من بدل دينه» و إنما لم يسم الشرك دينا لأن الدين الجزاء و لا جزاء في الخير للمشرك على الشرك أصلا لا فيما سلف و لا فيما بقي و إذا آل المشرك إلى ما يؤول إليه في النار التي هي موطنه الذي لا يخرج منه أبدا فإن ذلك ليس بجزاء و إنما ذلك اختصاص سبق الرحمة التي ﴿وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف:156] فيظهر حكمها فيه في وقت ما عند إزالة حكم الغضب الإلهي فما أراد بالدين إلا الذي له جزاء في الخير و الشر و لو أراد الدين الذي هو العادة مثل قول إمرئ القيس كدينك من أم الحويرث قبلها *** و جارتها أم الرباب بمأسل أراد بالدين هنا العادة و نحن إنما تكلمنا في الدين المشروع الذي العادة جزء منه فيكشف للذاكر بهذا الذكر علم الارتداد و هو الرجوع الذي في قوله ﴿وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾ [هود:123] فمن الناس من عجل له هنا الرجوع إلى اللّٰه و ليس ذلك إلا للعارفين بالله فإنهم يرجعون في أمورهم كلها إلى اللّٰه و لا يزالون يستصحبهم ذلك إلى الموت فيموتون عليه و إنما وصفوا بالكفر لأنهم تستروا بالأسباب و لم يقولوا بإبطالها فهم في نفوسهم و حالهم مع اللّٰه و بظاهرهم في الأسباب فإنهم يرون الأسباب راجعة إلى اللّٰه فرجعوا لرجوعها و رجعوا بها إلى اللّٰه فلما لم يفقدهم أصحاب الأسباب في الأسباب تخيلوا فيهم أنهم أمثالهم فيما هم فيه فجاءت هذه الآية ذما في العموم و حمدا و مدحا في الخصوص و لهذا تممها فقال فيهم إن أعمالهم حبطت لأنه أضافها إليهم و أعطاهم الرجوع إلى اللّٰه العلم بأن أعمالهم إلى اللّٰه لا إليهم فحبطت أعمالهم من الإضافة إليهم و صارت مضافة إلى اللّٰه كما هي في نفس الأمر و قوله في الدنيا يريد من عجل له الكشف عن ذلك هنا و قوله في الآخرة يريد من أخر له ذلك و هو الجميع إذا انكشف الغطاء و أما إضافة الدين إليه في قوله ﴿عَنْ دِينِهِ﴾ [البقرة:217] و إنما الدين لله فإن الراجع إذا رآه في رجوعه لله لا إليه زالت هذه الإضافة عنه لشهوده و إنما قلنا بإضافة الدين إليهم في هذه الآية لأنه أظهر في الحكم من أجل قوله ﴿حَتّٰى يَرُدُّوكُمْ﴾ [البقرة:217] يعني في الفتنة ﴿عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطٰاعُوا﴾ [البقرة:217] فأضاف الدين إليهم فكان الأوجه أن يكون في ضمير الهاء على ما هو عليه في ضمير الخطاب سواء و إن جاز أن يكون ضمير الهاء يعود على اللّٰه لكن الأصل في الضمائر |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |