الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)و إذا كان واحدا من تناوي *** أي عقل يرضاه أو يصطفيه هل لعين الشريك عين وجود *** فتراه بالعلم أو تنفيه كيف ينفي من كان في الأصل نفيا *** و هو نفي و النفي يستوفيه [ترك الجهاد لاقتضاء الموطن]لما اطلع المجاهد فيه و في سبيله و في اللّٰه و في سبيل اللّٰه على السبل التي هداه اللّٰه إليها فبانت عنده فرأى أنه ما جاهد غير اللّٰه فاستحيا لأجل هذا المشهد فترك الجهاد لاقتضاء الموطن و هو المجاهد تعالى و ما هو ممن يتصف بالمشقة فإنه يقول فيما هو أعظم من هذا و ما مسنا من لغوب و قال ﴿وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ و ليس هذا الهين عن صعوبة في الابتداء و لهذا القول بالمفهوم ضعيف في الدلالة لأنه لا يكون حقا في كل موضع و نسب ذلك إلى اللّٰه كما شاهده كما ترك رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم تعظيم عزة اللّٰه إذا اتصف بها أحد من عباد اللّٰه مثل قوله ﴿عَبَسَ وَ تَوَلّٰى أَنْ جٰاءَهُ الْأَعْمىٰ﴾ [بعث الرسول بدعوة عامة و إظهار الآيات]«فإنه صلى اللّٰه عليه و سلم كان يحب الفال الحسن» و بعثه بدعوة الحق و إظهار الآيات إنما يظهرها لمن يتصف بأنه يرى فلما جاءه الأعمى قام له حقيقة من بعث إليهم و هم أهل الأبصار فأعرض و تولى لأنه ما بعث لمثل هذا فهذا كان نظره صلى اللّٰه عليه و سلم و ما عتبة سبحانه فيما علمه و إنما عتبة جبر القلب ابن أم مكتوم و أمثاله لأنهم غائبون عن الذي يشهده صلى اللّٰه عليه و سلم و أمره أن يحبس نفسه معهم فقال له ﴿وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدٰاةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف:28] [لسان الحقيقة في فعل الرسول]و كان خباب بن الأرت و بلال و غيرهم من الأعبد و الفقراء لما تكبر كبراء قريش و أهل الجاهلية عن أن يجمعهم عند رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم مجلس واحد و أجابهم إلى ذلك رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فيقول لسان الظاهر إن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم كان يفعل لهم ذلك ليتألفهم على الإسلام لأن واحدا منهم كان إذا أسلم أسلم لإسلامه بشر كثير لكونه مطاعا في قومه و يترجم عن هذا المقام لسان الحقيقة أن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم لم يشاهد سوى الحق فأينما بري الصفة التي لا تنبغي إلا لله عظمها و لم يشاهد معها سواها و قام لها و وفاها حقها مثل العزة و الكبرياء و الغني فقال له ربه ﴿أَمّٰا مَنِ اسْتَغْنىٰ﴾ [عبس:5] فنبهه ببنية الاستغفال ﴿فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّٰى﴾ [عبس:6] و قد علم أنه لمن تصدى محمد صلى اللّٰه عليه و سلم يقول له و إن كنت تعظم صفتي حيث تراها لغلبة شهودك إياي فقد أمرتك أن لا تشاهدها مقيدة في المحدثين و هو «قوله عليه السلام إن اللّٰه أدبني فأحسن أدبي» و هذا من ذلك التأديب* [ترحيب النبي بمن عاتبه ربه فيهم]و «كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذا رأى هؤلاء تلك الأعبد يقول مرحبا بمن عاتبني فيهم ربي فكلما جلسوا عنده جلس لجلوسهم لا يمكن لهم أن يقوم و لا ينصرف حتى يكونوا هم الذين ينصرفون» فإن اللّٰه قال له ﴿وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ﴾ [الكهف:28] و لما علموا ذلك منه و «أنه عليه السلام قد تعرض له أمور يحتاج إلى التصرف فيها فكانوا يخففون فلا يلبثون عنده إلا قليلا و ينصرفون حتى ينصرف النبي صلى اللّٰه عليه و سلم لأشغاله» فترك صلى اللّٰه عليه و سلم ذلك الأمر الذي كان له فيه مشهد صحيح إلهي مراعاة لحفظ القلوب المنكسرة [اللّٰه عند المنكسرة قلوبهم غيبا و عند المتكبرين عينا]فإن اللّٰه عند المنكسرة قلوبهم غيبا يثبته الايمان و ينفيه العيان و هو عند المتكبرين عينا يثبته العيان و ينفيه الايمان فنقل اللّٰه نبيه صلى اللّٰه عليه و سلم من العيان إلى الايمان و أخبره أن تجليه تعالى في أعيان الأعزاء المتكبرين من زينة الحياة الدنيا فهي زينة اللّٰه للحياة الدنيا لا لنا و الذي لنا زينة اللّٰه من غير تقييد بالحياة الدنيا و ما يلزم من كونه زينا لزيد أن يكون زينا لعمرو [الزينة و مشاهد الناس لها]فمن الناس من لا شهود له إلا زينة اللّٰه و من الناس من لا شهود له إلا زينة الحياة الدنيا من حيث ما هي زينة اللّٰه لها لا لنا فيشهدها لها و إن لم تكن لنا زينة و من الناس من يشهد زينة الشيطان في عمله و أعمال الخلق في قوله ﴿وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطٰانُ أَعْمٰالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ كٰانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [ العنكبوت:38] فهم الذين أضلهم اللّٰه على علم فيشهدها أهل اللّٰه زينة اللّٰه للشيطان لأنه عمله و من الناس من يشهد من زين له عمله و لا يدري من زينه هل متعلق تلك الزينة الذم أو الحمد و هو موضع الشبهة كمن يرى رجلا يحب أن يكون نعله حسنا و ثوبه حسنا فلا يدري أ هو ممن يحب زينة الحياة الدنيا أو هو ممن يتجمل لله في قوله ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف:31] [حسن الظن أنت مندوب إليه و سوء الظن أنت منهى عنه]و «قد قال عليه السلام للرجل الذي قال له إني أحب أن يكون نعلي حسنا و ثوبي حسنا إن اللّٰه جميل يحب الجمال» فوقع لهذا الرجل الاشتباه فلا يدري لمن ينسب تلك الزينة كمن يسمع شخصا يقول ﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] فلا يدري هل هو تال أو هو ذاكر من غير قصد تلاوة القرآن لأن |
|
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |