«هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء» من ذكورة وأنوثة وبياض وسواد وغير ذلك «لا إله إلا هو العزيز» في ملكه «الحكيم» في صنعه.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)
الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل
489
سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .
------------
(200) الفتوحات ج 4 /
482 ، 347 ،
482
( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) أي : يخلقكم كما يشاء في الأرحام من ذكر وأنثى ، [ و ] حسن وقبيح ، وشقي وسعيد ( لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) أي : هو الذي خلق ، وهو المستحق للإلهية وحده لا شريك له ، وله العزة التي لا ترام ، والحكمة والأحكام .
وهذه الآية فيها تعريض بل تصريح بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق ، كما خلق الله سائر البشر ، لأن الله [ تعالى ] صوره في الرحم وخلقه كما يشاء ، فكيف يكون إلها كما زعمته النصارى - عليهم لعائن الله - وقد تقلب في الأحشاء ، وتنقل من حال إلى حال ، كما قال تعالى : ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ) [ الزمر : 6 ]
فيه مسألتان: قوله تعالى {هو الذي يصوركم} أخبر تعالى عن تصويره للبشر في أرحام الأمهات وأصل الرحِم من الرحمة، لأنها مما يتراحم به. واشتقاق الصورة من صاره إلى كذا إذا أماله؛ فالصورة مائلة إلى شَبَه وهيئة. وهذه الآية تعظيم لله تعالى، وفي ضمنها الرد على نصارى نجران، وأن عيسى من المصَوَّرين، وذلك مما لا ينكره عاقل. وأشار تعالى إلى شرح التصوير في سورة "الحج" و"المؤمنون". وكذلك شرحه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود، على ما يأتي هناك بيانه إن شاء الله تعالى وفيها الرد على الطبائعيين أيضا إذ يجعلونها فاعلة مستبدة. وقد مضى الرد عليهم في آية التوحيد وفي مسند ابن سنجر - واسمه محمد بن سَنْجر - حديث (إن الله تعالى يخلق عظام الجنين وغضاريفه من مني الرجل وشحمه ولحمه من مني المرأة). وفي هذا أدل دليل على أن الولد يكون من ماء الرجل والمرأة، وهو صريح في قوله تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} [
الحجرات : 13] وفي صحيح مسلم من حديث ثوبان وفيه : أن اليهودي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان. قال : (ينفعك إن حدثتك)؟. قال : أسمع بأذني، قال : جئتك أسألك عن الولد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذْكَرا بإذن الله تعالى وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله...) الحديث. وسيأتي بيانه آخر "الشورى" إن شاء الله تعالى. الثانية: قوله تعالى {كيف يشاء} يعني من حسن وقبح وسواد وبياض وطول وقصر وسلامة وعاهة، إلى غير ذلك من الشقاء والسعادة. وذكر عن إبراهيم بن أدهم أن القراء اجتمعوا إليه ليسمعوا ما عنده من الأحاديث، فقال لهم : إني مشغول عنكم بأربعة أشياء، فلا أتفرغ لرواية الحديث. فقيل له : وما ذاك الشغل؟ قال : أحدها أني أتفكر في يوم الميثاق حيث قال : (هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي) فلا أدري من أي الفريقين كنت في ذلك الوقت. والثاني حيث صورت في الرحم فقال الملك الذي هو موكل على الأرحام : (يا رب شقي هو أم سعيد) فلا أدري كيف كان الجواب في ذلك الوقت والثالث حين يقبض ملك الموت روحي فيقول : (يا رب مع الكفر أم مع الإيمان) فلا أدري كيف يخرج الجواب. والرابع حيث يقول {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} [
يس : 59] فلا أدري في أي الفريقين أكون. ثم قال تعالى {لا إله إلا هو} أي لا خالق ولا مصور سواه وذلك دليل على وحدانيته، فكيف يكون عيسى إلها مصورا وهو مصور. {العزيز} الذي لا يغالب. {الحكيم} ذو الحكمة أو المحكم، وهذا أخص بما ذكر من التصوير.
هو وحده الذي يخلقكم في أرحام أمهاتكم كما يشاء، من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وشقي وسعيد، لا معبود بحق سواه، العزيز الذي لا يُغالَب، الحكيم في أمره وتدبيره.
{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } من كامل الخلق وناقصه، وحسن وقبيح، وذكر وأنثى { لا إله إلا هو العزيز الحكيم } تضمنت هذه الآيات تقرير إلهية الله وتعينها، وإبطال إلهية ما سواه، وفي ضمن ذلك رد على النصارى الذين يزعمون إلهية عيسى ابن مريم عليه السلام، وتضمنت إثبات حياته الكاملة وقيوميته التامة، المتضمنتين جميع الصفات المقدسة كما تقدم، وإثبات الشرائع الكبار، وأنها رحمة وهداية للناس، وتقسيم الناس إلى مهتد وغيره، وعقوبة من لم يهتد بها، وتقرير سعة علم الباري ونفوذ مشيئته وحكمته.
( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ) ذكرا أو أنثى ، أبيض أو أسود ، حسنا أو قبيحا ، تاما أو ناقصا ، ( لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) وهذا في الرد على وفد نجران من النصارى ، حيث قالوا : عيسى ولد الله ، فكأنه يقول : كيف يكون لله ولد وقد صوره الله تعالى في الرحم
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحيم بن أحمد بن محمد الأنصاري ، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أنا أبو خيثمة زهير بن معاوية ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود يقول : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه الملك " أو قال : " يبعث إليه الملك بأربع كلمات فيكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد " قال : " وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها ، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينها وبينه غير ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني ، أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي ، أنا أبو أحمد بن عيسى الجلودي ، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان ، أنا مسلم بن الحجاج ، أنا محمد بن عبد الله بن نمير ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول : يا رب أشقي أو سعيد؟ فيكتب ذلك فيقول : يا رب أذكر أم أنثى؟ فيكتبان ، ويكتب عمله وأجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص " .
(هُوَ) ضمير رفع منفصل في محل رفع مبتدأ (الَّذِي) اسم موصول خبر (يُصَوِّرُكُمْ) فعل مضارع ومفعوله وفاعله مستتر (فِي الْأَرْحامِ) متعلقان بيصوركم والجملة صلة الموصول (كَيْفَ) أداة شرط في محل نصب حال (يَشاءُ) فعل مضارع والفاعل ضمير مستتر تقديره: هو (لا إله إلا هو) تقدم إعرابها والجملة استئنافية (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العزيز خبر أول لمبتدأ محذوف تقديره: هو العزيز والحكيم خبر ثان.
Traslation and Transliteration:
Huwa allathee yusawwirukum fee alarhami kayfa yashao la ilaha illa huwa alAAazeezu alhakeemu
He it is Who fashioneth you in the wombs as pleaseth Him. There is no Allah save Him, the Almighty, the Wise.
O, size, daha analarınızın karnındayken dilediği gibi şekil verir. Yoktur ondan başka üstün, hüküm ve hikmet sahibi tapacak.
C'est Lui qui vous donne forme dans les matrices comme Il veut. Point de divinité à part Lui, le Puissant, le Sage.
ER ist Derjenige, Der euch in den Mütterleibern formt, wie ER will. Es ist kein Gott außer Ihm, Dem Allwürdigen, Dem Allweisen.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran) |
ترتيبها |
3 |
عدد آياتها |
200 |
عدد كلماتها |
3503 |
عدد حروفها |
14605 |
معنى اسمها |
عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام |
سبب تسميتها |
ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ) |
مقاصدها |
بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم).
هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا.
فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ):
ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ). |