الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة آل عمران: [الآية 194]

سورة آل عمران
رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۗ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ ﴿194﴾

تفسير الجلالين:

«ربَّنا وآتنا» أعطنا «ما وعدتنا» به «على» ألسنه «رسلك» من الرحمة والفضل وسؤالهم ذلك وإن كان وعده تعالى لا يخلف سؤال أن يجعلهم من مستحقيه لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم له وتكرير ربَّنا مبالغة في التضرع «ولا تُخزنا يوم القيامة إنك لا تُخلف الميعاد» الوعد بالبعث والجزاء.

تفسير الشيخ محي الدين:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)

الرباط أن يلزم الانسان نفسه دائما من غير حد ينتهي إليه ، أو يجعله في نفسه ، فإذا ربط نفسه بهذا الأمر ، فهو مرابط ، والرباط ملازمة ، وهو من أفضل أحوال المؤمن ، فكل إنسان إذا مات يختم على عمله إلا المرابط ، فإنه ينمّى له إلى يوم القيامة ، ويأمن فتان القبر ، ثبت هذا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، والرباط في الخير كله ، ما يختص به خير من خير ، فالكل

489



سبيل اللّه ، فإن سبيل اللّه ما شرعه اللّه لعباده أن يعملوا به ، فما يختصّ بملازمة الثغور فقط ولا بالجهاد ، فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال في انتظار الصلاة بعد الصلاة : إنه رباط . «وَاتَّقُوا اللَّهَ) يعني في ذلك كله ، أي اجعلوه وقاية تتقوا به هذه العزائم ، وذلك معونته في قوله (اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) * (واستعينوا باللّه) فهذا معنى قوله «اتَّقُوا اللَّهَ» * «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» أي تكون لكم النجاة من مشقة الصبر والرباط .

------------

(200) الفتوحات ج 4 / 482 ، 347 ، 482

تفسير ابن كثير:

( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) قيل : معناه : على الإيمان برسلك . وقيل : معناه : على ألسنة رسلك . وهذا أظهر .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن محمد ، عن أبي عقال ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عسقلان أحد العروسين ، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا لا حساب عليهم ، ويبعث منها خمسين ألفا شهداء وفودا إلى الله ، وبها صفوف الشهداء ، رءوسهم مقطعة في أيديهم ، تثج أوداجهم دما ، يقولون : ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) فيقول : صدق عبدي ، اغسلوهم بنهر البيضة . فيخرجون منه نقاء بيضا ، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا " .

وهذا الحديث يعد من غرائب المسند ، ومنهم من يجعله موضوعا ، والله أعلم .

( ولا تخزنا يوم القيامة ) أي : على رءوس الخلائق ( إنك لا تخلف الميعاد ) أي : لا بد من الميعاد الذي أخبرت عنه رسلك ، وهو القيام يوم القيامة بين يديك .

وقد قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الحارث بن سريج حدثنا المعتمر ، حدثنا الفضل بن عيسى ، حدثنا محمد بن المنكدر ، أن جابر بن عبد الله حدثه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العار والتخزية تبلغ من ابن آدم في القيامة في المقام بين يدي الله ، عز وجل ، ما يتمنى العبد أن يؤمر به إلى النار " حديث غريب .

وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الآيات العشر من آخر آل عمران إذا قام من الليل لتهجده ، فقال البخاري ، رحمه الله :

حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرني شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن كريب عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة ، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد ، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد فنظر إلى السماء فقال : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) ثم قام فتوضأ واستن . فصلى إحدى عشرة ركعة . ثم أذن بلال فصلى ركعتين ، ثم خرج فصلى بالناس الصبح .

وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن إسحاق الصنعاني ، عن ابن أبي مريم ، به ثم رواه البخاري من طرق عن مالك ، عن مخرمة بن سليمان ، عن كريب ، عن ابن عباس أنه بات عند ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي خالته ، قال : فاضطجعت في عرض الوسادة ، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتصف الليل - أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل - استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه ، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم قرأ العشر الآيات الخواتيم من سورة آل عمران ، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه ثم قام يصلي - قال ابن عباس : فقمت فصنعت مثل ما صنع ، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه - فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي ، وأخذ بأذني اليمنى يفتلها فصلى ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ، ثم ركعتين ثم أوتر ، ثم اضطجع حتى جاءه المؤذن ، فقام فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم خرج فصلى الصبح .

وهكذا أخرجه بقية الجماعة من طرق عن مالك ، به ورواه مسلم أيضا وأبو داود من وجوه أخر ، عن مخرمة بن سليمان ، به .

" طريق أخرى " لهذا الحديث عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] .

قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن علي ، أخبرنا أبو يحيى بن أبي مسرة أنبأنا خلاد بن يحيى ، أنبأنا يونس بن أبي إسحاق ، عن المنهال بن عمرو ، عن علي بن عبد الله بن عباس ، عن عبد الله بن عباس قال : أمرني العباس أن أبيت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظ صلاته . قال : فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة العشاء الآخرة ، حتى إذا لم يبق في المسجد أحد غيره قام فمر بي ، فقال : " من هذا ؟ عبد الله ؟ " فقلت نعم . قال : " فمه ؟ " قلت : أمرني العباس أن أبيت بكم الليلة . قال : " فالحق الحق " فلما أن دخل قال : " افرشن عبد الله ؟ " فأتى بوسادة من مسوح ، قال فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها حتى سمعت غطيطه ، ثم استوى على فراشه قاعدا ، قال : فرفع رأسه إلى السماء فقال : " سبحان الملك القدوس " ثلاث مرات ، ثم تلا هذه الآيات من آخر سورة آل عمران حتى ختمها .

وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي ، من حديث علي بن عبد الله بن عباس حديثا في ذلك أيضا .

طريق أخرى رواها ابن مردويه ، من حديث عاصم بن بهدلة ، عن بعض أصحابه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة بعد ما مضى ليل ، فنظر إلى السماء ، وتلا هذه الآية : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) إلى آخر السورة . ثم قال : " اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، وعن يميني نورا ، وعن شمالي نورا ، ومن بين يدي نورا ، ومن خلفي نورا ، ومن فوقي نورا ، ومن تحتي نورا ، وأعظم لي نورا يوم القيامة " وهذا الدعاء ثابت في بعض طرق الصحيح ، من رواية كريب ، عن ابن عباس ، رضي الله عنه . .

ثم روى ابن مردويه وابن أبي حاتم من حديث جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : بما جاءكم موسى من الآيات ؟ قالوا : عصاه ويده البيضاء للناظرين . وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم ؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا . فدعا ربه ، عز وجل ، فنزلت : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) قال : " فليتفكروا فيها " لفظ ابن مردويه . وقد تقدم سياق الطبراني لهذا الحديث في أول الآية ، وهذا يقتضي أن تكون هذه الآيات مكية ، والمشهور أنها مدنية ، ودليله الحديث الآخر ، قال ابن مردويه :

حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل ، أخبرنا أحمد بن علي الحراني ، حدثنا شجاع بن أشرس ، حدثنا حشرج بن نباتة الواسطي أبو مكرم ، عن الكلبي - هو أبو جناب [ الكلبي ] - عن عطاء قال : انطلقت أنا وابن عمر وعبيد بن عمير إلى عائشة ، رضي الله عنها ، فدخلنا عليها وبيننا وبينها حجاب ، فقالت : يا عبيد ، ما يمنعك من زيارتنا ؟ قال : قول الشاعر :

زر غبا تزدد حبا

فقال ابن عمر : ذرينا أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبكت وقالت : كل أمره كان عجبا ، أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ، ثم قال : ذريني أتعبد لربي [ عز وجل ] قالت : فقلت : والله إني لأحب قربك ، وإني أحب أن تعبد لربك . فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ، ثم قام يصلي ، فبكى حتى بل لحيته ، ثم سجد فبكى حتى بل الأرض ، ثم اضطجع على جنبه فبكى ، حتى إذا أتى بلال يؤذنه بصلاة الصبح قالت : فقال : يا رسول الله ، ما يبكيك ؟ وقد غفر الله لك ذنبك ما تقدم وما تأخر ، فقال : " ويحك يا بلال ، وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل علي في هذه الليلة : ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ) " ثم قال : " ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها " .

وقد رواه عبد بن حميد ، عن جعفر بن عون ، عن أبي جناب الكلبي عن عطاء ، بأطول من هذا وأتم سياقا .

وهكذا رواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، عن عمران بن موسى ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن يحيى بن زكريا ، عن إبراهيم بن سويد النخعي ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء قال : دخلت أنا [ وعبد الله بن عمر ] وعبيد بن عمير على عائشة فذكر نحوه .

وهكذا رواه عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب " التفكر والاعتبار " عن شجاع بن أشرص ، به . ثم قال : حدثني الحسن بن عبد العزيز : سمعت سنيدا يذكر عن سفيان - هو الثوري - رفعه قال : من قرأ آخر آل عمران فلم يتفكر فيه ويله . يعد بأصابعه عشرا . قال الحسن بن عبد العزيز : فأخبرني عبيد بن السائب قال : قيل للأوزاعي : ما غاية التفكر فيهن ؟ قال : يقرؤهن وهو يعقلهن .

قال ابن أبي الدنيا : وحدثني قاسم بن هاشم ، حدثنا علي بن عياش ، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان قال : سألت الأوزاعي عن أدنى ما يتعلق به المتعلق من الفكر فيهن وما ينجيه من هذا الويل ؟ فأطرق هنية ثم قال : يقرؤهن وهو يعقلهن .

[ حديث آخر فيه غرابة : قال أبو بكر بن مردويه : أنبأنا عبد الرحمن بن بشير بن نمير ، أنبأنا إسحاق بن إبراهيم البستي ح وقال : أنبأنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد ، حدثنا أحمد بن عمرو قالا أنبأنا هشام بن عمار ، أنبأنا سليمان بن موسى الزهري ، أنبأنا مظاهر بن أسلم المخزومي ، أنبأنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة . مظاهر بن أسلم ضعيف ] .


تفسير الطبري :

فيه خمس وعشرون مسألة الأولى: قوله تعالى‏ {‏إن في خلق السماوات والأرض‏}‏ تقدم معنى هذه الآية في [‏البقرة‏]‏ في غير موضع‏.‏ فختم تعالى هذه السورة بالأمر بالنظر والاستدلال في آياته؛ إذ لا تصدر إلا عن حي قيوم قدير وقدوس سلام غني عن العالمين؛ حتى يكون إيمانهم مستندا إلى اليقين لا إلى التقليد‏.‏ ‏{‏لآيات لأولى الألباب‏}‏ الذين يستعملون عقولهم في تأمل الدلائل‏.‏ وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‏:‏ لما نزلت هذه الآية على النبي قام يصلى، فأتاه بلال يُؤْذِنُه بالصلاة، فرآه يبكي فقال‏:‏ يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر‏!‏ فقال‏:‏ ‏(‏يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا ولقد أنزل الله على الليلة آية ‏{‏إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب‏}‏ - ثم قال‏:‏‏(‏ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها‏)‏‏.‏ الثانية: قال العلماء‏:‏ يستحب لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه، ويستفتح قيامه بقراءة هذه العشر الآيات اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما وسيأتي؛ ثم يصلي ما كتب له، فيجمع بين التفكر والعمل، وهو أفضل العمل على ما يأتي بيانه في هذه الآية بعد هذا‏.‏ وروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة [‏آل عمران‏]‏ كل ليلة، خرجه أبو نصر الوائلي السجستاني الحافظ في كتاب ‏الإبانة‏‏ من حديث سليمان بن موسى عن مظاهر بن أسلم المخزومي عن المقبري عن أبي هريرة‏.‏ وقد تقدم أول السورة عن عثمان قال‏:‏ من قرأ آخر [آل عمران] في ليلة كتب له قيام ليلة‏.‏ الثالثة: قوله تعالى‏:{‏الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم‏}‏ ذكر تعالى ثلاث هيئات لا يخلو ابن آدم منها في غالب أمره، فكأنها تحصر زمانه‏.‏ ومن هذا المعنى قول عائشة رضي الله عنها‏:‏ (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه‏).‏ أخرجه مسلم‏.‏ فدخل في ذلك كونه على الخلاء وغير ذلك‏.‏ وقد اختلف العلماء في هذا؛ فأجاز ذلك عبدالله بن عمرو وابن سيرين والنخعي، وكره ذلك ابن عباس وعطاء والشعبي‏.‏ والأول أصح لعموم الآية والحديث‏.‏ قال النخعي‏:‏ لا بأس بذكر‏الله في الخلاء فإنه يصعد‏.‏ المعنى‏:‏ تصعد به الملائكة مكتوبا في صحفهم؛ فحذف المضاف‏.‏ دليله قوله تعالى‏ {‏ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد‏} [‏ق‏:‏ 18‏]‏‏.‏ وقال‏ {‏وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين‏} [‏الانفطار‏:10 ، 11‏]‏‏.‏ لأن الله عز وجل أمر عباده بالذكر على كل حال ولم يستثن فقال‏ {‏اذكروا الله ذكرا كثيرا‏} [‏الأحزاب‏:‏ 41‏]‏ وقال‏{‏فاذكروني أذكركم‏} [‏البقرة‏:‏ 152‏]‏ وقال‏ {‏إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا‏} [‏الكهف‏:‏ 3‏]‏ فعمّ‏.‏ فذاكر الله تعالى على كل حالاته مثاب مأجور إن شاء الله تعالى‏.‏ وذكر أبو نعيم قال‏:‏ حدثنا أبو بكر بن مالك حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه عن كعب الأحبار قال قال موسى عليه السلام‏:‏ ‏(‏يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك قال‏:‏ يا موسى أنا جليس من ذكرني قال‏:‏ يا رب فإنا نكون من الحال على حال نجلك ونعظمك أن نذكرك قال‏:‏ وما هي‏؟‏ قال‏:‏ الجنابة والغائط قال‏:‏ يا موسى اذكرني على كل حال‏)‏‏.‏ وكراهية من كره ذلك إما لتنزيه ذكر الله تعالى في المواضع المرغوب عن ذكره فيها ككراهية قراءة القرآن في الحمام، وإما إبقاء على الكرام الكاتبين على أن يحلهم موضع الأقذار والأنجاس لكتابة ما يلفظ به‏.‏ والله أعلم‏.‏ و‏{‏قياما وقعودا‏}‏ نصب على الحال‏.‏ ‏{‏وعلى جنوبهم‏}‏ في موضع الحال؛ أي ومضطجعين ومثله قوله تعالى‏ {‏دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما‏} [‏يونس‏:‏ 12‏]‏ على العكس؛ أي دعانا مضطجعا على جنبه‏.‏ وذهب، جماعة من المفسرين منهم الحسن وغيره إلى أن قوله ‏{‏يذكرون الله‏}‏ إلى آخره، إنما هو عبارة عن الصلاة؛ أي لا يضيعونها، ففي حال العذر يصلونها قعودا أو على جنوبهم‏.‏ وهي مثل قوله تعالى‏ {‏فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم‏} [‏النساء‏:‏ 103‏]‏ في قول ابن مسعود على، ما يأتي بيانه‏.‏ وإذا كانت الآية في الصلاة ففقهها أن الإنسان يصلى قائما، فإن لم يستطع فقاعدا، فإن لم يستطع فعلى جنبه؛ كما ثبت عن عمران بن حصين قال‏:‏ كان بي البواسير فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فقال‏:‏ ‏(‏صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب‏)‏ رواه الأئمة‏:‏( وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا قبل موته بعام في النافلة) ؛ على ما في صحيح مسلم‏.‏ وروى النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا‏.‏ قال أبو عبدالرحمن‏:‏ لا أعلم أحد‏ ‏روى هذا الحديث غير أبي داود الحفري وهو ثقة، ولا أحسب هذا الحديث إلا خطأ‏.‏ والله أعلم‏.‏ الرابعة: واختلف العلماء في كيفية صلاة المريض والقاعد وهيئتها؛ فذكر ابن عبدالحكم عن مالك أنه يتربع في قيامه، وقال البويطي عن الشافعي فإذا أراد السجود تهيأ للسجود على قدر ما يطيق، قال‏:‏ وكذلك المتنفل‏.‏ ونحوه قول الثوري، وكذلك قال الليث وأحمد وإسحاق وأبو يوسف ومحمد‏.‏ وقال الشافعي في رواية المزني‏:‏ يجلس في صلاته كلها كجلوس التشهد‏.‏ وروى هذا عن مالك وأصحابه؛ والأول المشهور وهو ظاهر المدونة‏.‏ وقال أبو حنيفة وزفر‏:‏ يجلس كجلوس التشهد، وكذلك يركع ويسجد‏.‏ الخامسة: قال‏:‏ فإن لم يستطع القعود صلى على جنبه أو ظهره على التخيير؛ هذا مذهب المدونة وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم يصلي على ظهره، فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن ثم على جنبه الأيسر‏.‏ وفي كتاب ابن المواز عكسه، يصلي على جنبه الأيمن، وإلا فعلى الأيسر، وإلا فعلى الظهر‏.‏ وقال سحنون‏:‏ يصلي على الأيمن كما يجعل في لحده، وإلا فعلى ظهره وإلا فعلى الأيسر‏.‏ وقال مالك وأبو حنيفة‏:‏ إذا صلى مضطجعا تكون رجلاه مما يلي القبلة‏.‏ والشافعي والثوري‏:‏ يصلي على جنبه ووجهه إلى القبلة‏.‏ السادسة: فإن قوي لخفة المرض وهو في الصلاة؛ قال ابن القاسم‏:‏ إنه يقوم فيما بقي من صلاته ويبني على ما مضى؛ وهو قول الشافعي وزفر والطبري‏.‏ وقال أبو حنيفة وصاحباه يعقوب ومحمد فيمن صلى مضطجعا ركعة ثم صحّ‏:‏ إنه يستقبل الصلاة من أولها، ولو كان قاعدا يركع ويسجد ثم صحّ بنى في قول أبي حنيفة ولم يبن في قول محمد‏.‏ وقال أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ إذا افتتح الصلاة قائما ثم صار إلى حد الإيماء فليبن؛ وروي عن أبي يوسف‏.‏ وقال مالك في المريض الذي لا يستطيع الركوع ولا السجود وهو يستطيع القيام والجلوس‏:‏ إنه يصلي قائما ويومئ إلى الركوع، فإذا أراد السجود جلس وأومأ إلى السجود؛ وهو قول أبي يوسف وقياس قول الشافعي وقال، أبو حنيفة وأصحابه‏:‏ يصلي قاعدا‏.‏ السابعة: وأما صلاة الراقد الصحيح فروي عن حديث عمران بن حصين زيادة ليست موجودة في غيره، وهي (‏صلاة الراقد مثل نصف صلاة القاعد‏)‏‏.‏ قال أبو عمر‏:‏ وجمهور أهل العلم لا يجيزون النافل مضطجعا؛ وهو حديث لم يروه إلا حسين المعلم وهو حسين بن ذكوان عن عبدالله بن بريدة عن عمران بن حصين، وقد اختلف على حسين في إسناده ومتنه اختلافا يوجب التوقف عنه، وإن صح فلا أدري ما وجهه؛ فإن كان أحد من أهل العلم قد أجاز النافلة مضطجعا لمن قدر على القعود أو على القيام فوجهه هذه الزيادة في هذا الخبر، وهي حجة لمن ذهب إلى ذلك‏.‏ وإن أجمعوا على كراهة النافلة راقدا لمن قدر على القعود أو القيام، فحديث حسين هذا إما غلط وإما منسوخ وقيل‏:‏ المراد بالآية الذين يستدلون بخلق السموات والأرض على أن المتغير لا بد له من مغير، وذلك المغير يجب أن يكون قادرا على الكمال، وله أن يبعث الرسل، فإن بعث رسولا ودل على صدقه بمعجزة واحدة لم يبق لأحد عذر؛ فهؤلاء الذين يذكرون الله على كل حال‏.‏ والله أعلم‏.‏ الثامية: قوله تعالى‏:{‏ويتفكرون في خلق السماوات والأرض‏}‏ قد بينا معنى ‏{‏ويذكرون‏}‏ وهو إما ذكر باللسان وإما الصلاة فرضها ونفلها؛ فعطف تعالى عبادة أخرى على إحداهما بعبادة أخرى، وهي التفكر في قدرة الله تعالى ومخلوقاته والعبر الذي بث؛ ليكون ذلك أزيد بصائرهم‏:‏ وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد وقيل‏{‏يتفكرون‏}‏ عطف على الحال‏.‏ وقيل‏:‏ يكون منقطعا؛ والأول أشبه‏.‏ والفكرة‏:‏ تردد القلب في الشيء؛ يقال‏:‏ تفكر، ورجل فكير كثير الفكر، ومر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتفكرون في الله فقال‏:‏ ‏(‏تفكروا في الخلق، ولا تتفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره‏)‏ وإنما التفكر والاعتبار وانبساط الذهن في المخلوقات كما قال‏{‏ويتفكرون في خلق السموات والأرض‏}‏‏.‏ وحكي أن سفيان الثوري رضي الله عنه صلى خلف المقام ركعتين، ثم رفع رأسه إلى السماء فلما رأى الكواكب غشي عليه، وكان يبول الدم من طول حزنه وفكرته‏.‏ وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له‏)‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا عبادة كتفكر‏)‏‏.‏ وروي عنه عليه السلام قال‏:‏ ‏(‏تفكر ساعة خير من عبادة سنة‏).‏ وروى ابن القاسم عن مالك قال‏:‏ قيل لأم الدرداء‏:‏ ما كان أكثر شأن أبي الدرداء‏؟‏ قالت‏:‏ كان أكثر شأنه التفكر‏.‏ قيل له‏:‏ أفترى التفكر عمل من الأعمال‏؟‏ قال‏:‏ نعم، هو اليقين‏.‏ وقيل لابن المسيب في الصلاة بين الظهر والعصر، قال‏:‏ ليست هذه عبادة، إنما العبادة الورع عما حرم الله والتفكر في أمر الله‏.‏ وقال الحسن‏:‏ تفكر ساعة خير من قيام ليلة؛ وقال ابن العباس وأبو الدرداء‏.‏ وقال الحسن‏:‏ الفكرة مرآة المؤمن ينظر فيها إلى حسناته وسيئاته‏.‏ ومما يتفكر فيه مخاوف الآخرة من الحشر والنشر والجنة ونعيمها والنار وعذابها‏.‏ ويروى أن أبا سليمان الداراني رضي الله عنه أخذ قدح الماء ليتوضأ لصلاة الليل وعنده ضيف، فرآه لما أدخل أصبعه في أذن القدح أقام لذلك متفكرا حتى طلع الفجر؛ فقال له‏:‏ ما هذا يا أبا سليمان‏؟‏ قال‏:‏ إني لما طرحت أصبعي في أذن القدح تفكرت في قول الله تعالى ‏{‏إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون‏} [‏المؤمن‏:‏ 71‏]‏ تفكرت، في حالي وكيف أتلقى الغل إن طرح في عنقي يوم القيامة، فما زلت في ذلك حتى أصبحت‏.‏ قال ابن عطية‏ ‏وهذا نهاية الخوف، وخير الأمور أوساطها، وليس علماء الأمة الذين هم الحجة على هذا المنهاج، وقراءة علم كتاب الله تعالى ومعاني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يفهم ويرجى نفعه أفضل من هذا‏‏‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ اختلف الناس أي العملين أفضل‏:‏ التفكر أم الصلاة؛ فذهب الصوفية إلى أن التفكر أفضل؛ فإنه يثمر المعرفة وهو أفضل، المقامات الشرعية‏.‏ وذهب الفقهاء إلى أن الصلاة أفضل؛ لما ورد في الحديث من الحث عليها والدعاء إليها والترغيب فيها‏.‏ وفي الصحيحين عن ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة، وفيه‏:‏ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الخواتم من سورة آل عمران، وقام إلى شن معلق فتوضأ وضوءا خفيفا ثم صلى ثلاث عشرة ركعة؛ الحديث‏.‏ فانظروا رحمكم الله إلى جمعه بين التفكر في المخلوقات ثم إقباله على صلاته بعده؛ وهذه السنة هي التي يعتمد عليها‏.‏ فأما طريقة الصوفية أن يكون الشيخ منهم يوما وليلة وشهرا مفكرا لا يفتر؛ فطريقة بعيدة عن الصواب غير لائقة بالبشر، ولا مستمرة على السنن‏.‏ قال ابن عطية‏:‏ وحدثني أبي عن بعض علماء المشرق قال‏:‏ كنت بائتا في مسجد الأقدام بمصر فصليت العتمة فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له مسجى بكسائه حتى أصبح، وصلينا نحن تلك الليلة؛ فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل فاستقبل القبلة وصلى مع الناس، فاستعظمت جراءته في الصلاة بغير وضوء؛ فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته لأعظه، فلما دنوت منه سمعته ينشد شعرا‏:‏ مسجى الجسم غائب حاضر ** منتبه القلب صامت ذاكر منقبض في الغيوب منبسط ** كذاك من كان عارفا ذاكر يبيت في ليله أخا فكر ** فهو مدى الليل نائم ماهر قال‏:‏ فعلمت أنه ممن يعبد بالفكرة، فانصرفت عنه‏.‏ التاسعة: قوله تعالى‏: {‏ربنا ما خلقت هذا باطلا‏}‏ أي يقولون‏:‏ ما خلقته عبثا وهزلا، بل خلقته دليلا على قدرتك وحكمتك‏.‏ والباطل‏:‏ الزائل الذاهب‏.‏ ومنه قول لبيد‏:‏ ألا كل شيء ما خلا الله باطل ** أي زائل‏.‏ و‏{‏باطلا‏}‏ نصب لأنه نعت مصدر محذوف؛ أي خلقا باطلا وقيل‏:‏ انتصب على نزع الخافض، أي ما خلقتها للباطل‏.‏ وقيل‏:‏ على المفعول الثاني، ويكون خلق بمعنى جعل‏.‏ ‏{‏سبحانك‏}‏ أسند النحاس عن موسى بن طلحة قال‏:‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى ‏‏سبحان الله‏‏ فقال‏:‏ ‏(‏تنزيه الله عن السوء‏)‏ وقد تقدم في [‏البقرة‏]‏ معناه مستوفى‏.‏ ‏{‏وقنا عذاب النار‏}‏ أجرنا من عذابها، وقد تقدم‏.‏ العاشرة: قوله تعالى‏:{‏ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته‏}‏ أي أذللته وأهنته‏.‏ وقال المفضل أي أهلكته؛ وأنشد‏:‏ أخزى الإله من الصليب عبيده ** واللابسين قلانس الرهبان وقيل‏:‏ فضحته وأبعدته؛ يقال‏:‏ أخزاه الله‏:‏ أبعده ومقته‏.‏ والاسم الخزي‏.‏ قال ابن السكيت‏:‏ خزي يخزي خزيا إذا وقع في بلية‏.‏ وقد تمسك بهذه الآية أصحاب الوعيد وقالوا‏:‏ من أدخل النار ينبغي إلا يكون مؤمنا؛ لقوله تعالى‏ {‏فقد أخزيته‏}‏ فإن الله يقول‏{‏يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه‏} [‏التحريم‏:‏ 8‏]‏‏.‏ وما قالوه مردود؛ لقيام الأدلة على أن من ارتكب كبيرة لا يزول عنه اسم الإيمان، كما تقدم ويأتي‏.‏ والمراد من قوله‏ {‏من تدخل النار‏}‏ من تخلد في النار؛ قاله أنس بن مالك‏.‏ وقال قتادة‏:‏ تدخل مقلوب تخلد، ولا نقول كما قال أهل حروراء‏.‏ وقال سعيد بن المسيب‏:‏ الآية خاصة في قوم لا يخرجون من النار؛ ولهذا قال‏ {‏وما للظالمين من أنصار‏}‏ أي الكفار‏.‏ وقال أهل المعاني،‏:‏ الخزي يحتمل أن يكون بمعنى الحياء؛ يقال‏:‏ خزي يخزى إذا استحيا، فهو خزيان‏.‏ قال ذو الرمة‏:‏ خزاية أدركته عند جولته ** من جانب الحيل مخلوطا بها الغضب فخزي المؤمنين يومئذ استحياؤهم في دخول النار من سائر أهل الأديان إلى أن يخرجوا منها‏.‏ والخزي للكافرين هو إهلاكهم فيها من غير موت؛ والمؤمنون يموتون، فافترقوا‏.‏ كذا ثبت في صحيح السنة من حديث أبي سعيد الخدري، أخرجه مسلم، وقد تقدم ويأتي‏.‏ الحادية عشرة: قوله تعالى‏:{‏ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان‏}‏ أي محمدا صلى الله عليه وسلم؛ قاله ابن مسعود وابن عباس وأكثر المفسرين‏.‏ وقال قتادة ومحمد بن كعب القرظي‏:‏ هو القرآن، وليس كلهم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ دليل هذا القول ما أخبر الله تعالى عن مؤمني الجن إذ قالوا‏ {‏إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد‏}[‏الجن‏:1 ، 2‏]‏‏.‏ وأجاب الأولون فقالوا‏:‏ من سمع القرآن فكأنما لقي النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا صحيح معنى‏.‏ وأن من ‏{‏آمنوا‏}‏ في موضع نصب على حذف حرف الخفض، أي بأن أمنوا‏.‏ وفي الكلام تقديم وتأخير، أي سمعنا مناديا للإيمان ينادي؛ عن أبي عبيدة‏.‏ وقيل‏:‏ اللام بمعنى إلى، أي إلى الإيمان؛ كقوله‏ {‏ثم يعودون لما نهوا عنه‏}[‏المجادلة‏:‏ 8‏]‏‏.‏ وقوله‏ {‏بأن ربك أوحى لها‏} [‏الزلزلة‏:‏ 5‏]‏ وقوله‏{‏الحمد لله الذي هدانا لهذا‏}[‏الأعراف‏:‏ 43‏]‏ أي إلى هذا، ومثله كثير‏.‏ وقيل‏:‏ هي لام أجل، أي لأجل الإيمان‏.‏ الثانية عشرة: قوله تعالى‏:{‏ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا‏}‏ تأكيد ومبالغة في الدعاء‏.‏ ومعنى اللفظين واحد؛ فإن الغفر والكفر‏:‏ الستر‏.‏ ‏{‏وتوفنا مع الأبرار‏}‏ أي أبرارا مع الأنبياء، أي في جملتهم‏.‏ واحدهم وبر وبار وأصله من الاتساع؛ فكأن البر متسع في طاعة الله ومتسعة له رحمة الله‏.‏ الثالثة عشرة: قوله تعالى‏ {‏ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك‏}‏ أي على ألسنة رسلك؛ مثل ‏{‏واسأل القرية‏}‏‏.‏ وقرأ الأعمش والزهري ‏{‏رسلك‏}‏ بالتخفيف، وهو ما ذكر من استغفار الأنبياء والملائكة للمؤمنين؛ والملائكة يستغفرون لمن في الأرض‏.‏ وما ذكر من دعاء نوح للمؤمنين ودعاء إبراهيم واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لأمته‏.‏ ‏{‏ولا تخزنا‏}‏ أي لا تعذبنا ولا تهلكنا ولا تفضحنا، ولا تهنا ولا تبعدنا ولا تمقتنا يوم القيامة ‏{‏إنك لا تخلف الميعاد‏}‏‏.‏ إن قيل‏:‏ ما وجه قولهم ‏{‏ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك‏} [‏آل عمران‏:‏ 194‏]‏ وقد علموا أنه لا يخلف الميعاد؛ فالجواب من ثلاثة أوجه‏:‏ الأول‏:‏ أن الله سبحانه وعد من آمن بالجنة، فسألوا أن يكونوا ممن وعد بذلك دون الخزي‏:‏ والعقاب‏.‏ الثاني‏:‏ أنهم دعوا بهذا الدعاء على جهة العبادة والخضوع؛ والدعاء مخ العبادة‏.‏ وهذا كقوله ‏{‏قال رب احكم بالحق‏} [‏الأنبياء‏:‏ 112‏]‏ وإن كان هو لا يقضي إلا بالحق‏.‏ الثالث‏:‏ سألوا أن يعطوا ما وعدوا به من النصر على عدوهم معجلا؛ لأنها حكاية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه ذلك إعزازا للدين‏.‏ والله أعلم‏.‏ وروى أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من وعده الله عز وجل على عمل ثوابا فهو منجز له رحمة ومن وعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار‏)‏‏.‏ والعرب تذم بالمخالفة في الوعد وتمدح بذلك في الوعيد؛ حتى قال قائلهم‏:‏ ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي ** ولا أختفي من خشية المتهدد وإني متى أوعدته أو وعدته ** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي الرابعة عشرة: قوله تعالى‏:{‏فاستجاب لهم ربهم‏}‏ أي أجابهم‏.‏ قال الحسن‏:‏ ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استجاب لهم‏.‏ وقال جعفر الصادق‏:‏ من حزبه أمر فقال خمس مرات ربنا أنجاه الله مما يخاف وأعطاه ما أراد‏.‏ قيل‏:‏ وكيف ذلك ‏؟‏ قال‏:‏ اقرؤوا إن شئتم ‏{‏الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم‏}‏ إلى قوله‏{‏إنك لا تخلف الميعاد‏} [‏آل عمران‏:191 ، 194‏]‏‏.‏ الخامسة عشرة: قوله تعالى‏:{‏أني‏}‏ أي بأني‏.‏ وقرأ عيسى بن عمر ‏{‏إني}‏ بكسر الهمزة، أي فقال‏:‏ إني‏.‏ وروى الحاكم أبو عبدالله في صحيحه عن أم سلمة أنها قالت‏:‏ يا رسول الله، ألا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ‏؟‏ فأنزل الله تعالى‏{‏فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من‏‏ ذكر أو أنثى‏}‏ الآية‏.‏ وأخرجه الترمذي‏.‏ ودخلت ‏{‏من‏}‏ للتأكيد؛ لأن قبلها حرف نفي‏.‏ وقال الكوفيون‏:‏ هي للتفسير ولا يجوز حذفها؛ لأنها دخلت لمعنى لا يصلح الكلام إلا به، وإنما تحذف إذا كان تأكيدا للجحد‏.‏ ‏{‏بعضكم من بعض‏}‏ ابتداء وخبر، أي دينكم واحد‏.‏ وقيل‏:‏ بعضكم من بعض في الثواب والأحكام والنصرة وشبه ذلك‏.‏ وقال الضحاك‏:‏ رجالكم شكل نسائكم في الطاعة، ونساؤكم شكل رجالكم في الطاعة؛ نظيرها قوله عز وجل‏{‏والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‏} [‏التوبة‏:‏ 71‏]‏‏.‏ ويقال‏:‏ فلان مني، أي على مذهبي وخلقي‏.‏ السادسة عشرة: قوله تعالى‏:{‏فالذين هاجروا‏}‏ ابتداء وخبر، أي هجروا أوطانهم وساروا إلى المدينة‏.‏ ‏{‏وأخرجوا من ديارهم‏}‏ في طاعة الله عز وجل‏.‏ ‏{‏وقاتلوا‏}‏ أي وقاتلوا أعدائي‏.‏ ‏{‏وقتلوا‏}‏ أي في سبيلي‏.‏ وقرأ ابن كثير وابن عامر‏{‏وقاتلوا وقتلوا‏}‏ على التكثير‏.‏ وقرأ الأعمش ‏{‏وقتلوا وقاتلوا‏}‏ لأن الواو لا تدل على أن الثاني بعد الأول‏.‏ وقيل‏:‏ في الكلام إضمار قد، أي قتلوا وقد قاتلوا؛ ومنه قول الشاعر‏:‏ تصابى وأمسى علاه الكبر ** أي وقد علاه الكبر‏.‏ وقيل‏:‏ أي وقد قاتل من بقي منهم؛ تقول العرب‏:‏ قتلنا بني تميم، وإنما قتل بعضهم‏.‏ وقال امرؤ القيس‏:‏ فإن تقاتلونا نقتلكم ** وقرأ عمر بن عبدالعزيز‏ {‏وقتلوا وقتلوا‏}‏ خفيفة بغير ألف‏.‏ ‏{‏لأكفرن عنهم سيئاتهم‏}‏ أي لأسترنّها عليهم في الآخرة، فلا أوبخهم بها ولا أعاقبهم عليها‏.‏ ‏{‏ثوابا من عند الله‏}‏ مصدر مؤكد عند البصريين؛ لأن معنى ‏{‏لأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار‏}‏ لأثيبنهم ثوابا‏.‏ الكسائي‏:‏ انتصب على القطع‏.‏ الفراء‏:‏ على التفسير‏.‏ ‏{‏والله عنده حسن الثواب‏}‏ أي حسن الجزاء؛ وهو ما يرجع على العامل من جراء عمله؛ من ثاب يثوب‏.‏ السابعة عشرة: قوله تعالى‏ {‏لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد‏}‏ قيل‏:‏ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد الأمة‏.‏ وقيل‏:‏ للجميع‏.‏ وذلك أن المسلمين قالوا‏:‏ هؤلاء الكفار لهم تجائر وأموال واضطراب في البلاد، وقد هلكنا نحن من الجوع؛ فنزلت هذه الآية‏.‏ أي لا يغرنكم سلامتهم بتقلبهم في أسفارهم‏.‏ ‏{‏متاع قليل‏}‏ أي تقلبهم متاع قليل‏.‏ وقرأ يعقوب ‏{‏يغرنك‏}‏ ساكنة النون؛ وأنشد‏:‏ لا يغرنك عشاء ساكن ** قد يوافي بالمنيات السحر ونظير هذه الآية قوله تعالى‏{‏فلا يغررك تقلبهم في البلاد‏} [‏المؤمن‏:‏ 4‏]‏‏.‏ والمتاع‏:‏ ما يعجل الانتفاع به؛ وسماه قليلا لأنه فان، وكل فان وإن كان كثيرا فهو قليل‏.‏ وفي صحيح الترمذي عن المستورد الفهري قال‏:‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم، فلينظر بماذا يرجع‏)‏‏.‏ قيل‏:‏ ‏(‏يرجع‏)‏ بالياء والتاء‏.‏ ‏{‏وبئس المهاد‏}‏ أي بئس ما مهدوا لأنفسهم بكفرهم، وما مهد الله لهم من النار‏.‏ الثامنة عشرة: في هذه الآية وأمثالها كقوله‏ {‏أنما نملي لهم خير‏} [‏آل عمران‏:‏ 178‏]‏ الآية‏.‏ ‏{‏وأملي لهم إن كيدي متين‏} [‏الأعراف‏:‏ 183‏]‏‏.‏ ‏{‏أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين‏} [‏المؤمنون‏:‏ 55‏]‏‏.‏ ‏{‏سنستدرجهم من حيث لا يعلمون‏} [‏الأعراف‏:‏ 182‏]‏ دليل على أن الكفار غير‏منعم عليهم في الدنيا؛ لأن حقيقة النعمة الخلوص من شوائب الضرر العاجلة والآجلة، ونعم الكفار‏.‏ مشوبة بالآلام والعقوبات، فصار كمن قدم بين يدي غيره حلاوة من عسل فيها السم، فهو وإن استلذ آكله لا يقال‏:‏ أنعم عليه؛ لأن فيه هلاك روحه‏.‏ ذهب إلى هذا جماعة من العلماء، وهو قول الشيخ أبي الحسن الأشعري‏.‏ وذهب جماعة منهم سيف السنة ولسان الأمة القاضي أبو بكر‏:‏ إلى أن الله أنعم عليهم في الدنيا‏.‏ قالوا‏:‏ وأصل النعمة من النعمة بفتح النون، وهي لين العيش؛ ومنه قوله تعالى‏{‏ونعمة كانوا فيها فاكهين‏} [‏الدخان‏:‏ 27‏]‏‏.‏ يقال‏:‏ دقيق ناعم، إذا بولغ في طحنه وأجيد سحقه‏.‏ وهذا هو الصحيح، والدليل عليه أن الله تعالى أوجب على الكفار أن يشكروه وعلى جميع المكلفين فقال‏ {‏فاذكروا آلاء الله‏} [‏الأعراف‏:‏ 74‏]‏‏.‏ ‏{‏واشكروا لله‏} [‏البقرة‏:‏ 172‏]‏ والشكر لا يكون إلا على نعمة‏.‏ وقال‏ {‏وأحسن كما أحسن الله إليك‏} [‏القصص‏:‏ 77‏]‏ وهذا خطاب لقارون‏.‏ وقال‏ {‏وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة‏} [‏النحل‏:‏ 112‏]‏ الآية‏.‏ فنبه سبحانه أنه قد أنعم عليهم نعمة دنياوية فجحدوها‏.‏ وقال‏{‏يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها‏} [‏النحل‏:‏ 83‏]‏ وقال‏{‏يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم‏} [‏فاطر‏:‏ 3‏]‏‏.‏ وهذا عام في الكفار وغيرهم‏.‏ فأما إذا قدم لغيره طعاما فيه سم فقد رفق به في الحال؛ إذ لم يجرعه السم بحتا؛ بل دسه في الحلاوة، فلا يستبعد أن يقال‏:‏ قد أنعم عليه، وإذا ثبت هذا فالنعم ضربان‏:‏ نعم نفع ونعم دفع؛ فنعم النفع ما وصل إليهم من فنون اللذات، ونعم الدفع ما صرف عنهم من أنواع الآفات‏.‏ فعلى هذا قد أنعم على الكفار نعم الدفع قولا واحدا؛ وهو ما زوي عنهم من الآلام والأسقام، ولا خلاف بينهم في أنه لم ينعم عليهم نعمة دينه‏.‏ والحمد لله‏.‏ التاسعة عشرة: قوله تعالى‏:{‏لكن الذين اتقوا ربهم‏}‏ استدراك بعد كلام تقدم فيه معنى النفي؛ لأن معنى ما تقدم ليس لهم في تقلبهم في البلاد كبير الانتفاع، لكن المتقون لهم الانتفاع الكبير والخلد الدائم‏.‏ فموضع ‏{‏لكن}‏ رفع بالابتداء‏.‏ وقرأ يزيد بن القعقاع ‏{‏لكن‏}‏ بتشديد النون‏.‏ الموفية عشرين: قوله تعالى‏:{‏نزلا من عند الله‏}‏ نزلا مثل ثوابا عند البصريين، وعند الكسائي يكون مصدرا‏.‏ الفراء‏:‏ هو مفسر‏.‏ وقرأ الحسن والنخعي ‏{‏نزلا‏}‏ بتخفيف الزاي استثقالا لضمتين، وثقله الباقون‏.‏ والنزل ما يهيأ للنزيل، والنزيل الضيف‏.‏ قال الشاعر‏:‏ نزيل القوم أعظمهم حقوقا ** وحق الله في حق النزيل والجمع الأنزال‏.‏ وحظ نزيل‏:‏ مجتمع‏.‏ والنزل‏:‏ أيضا الريع؛ يقال؛ طعام النزل والنزل‏.‏ الحادية والعشرون: قلت‏:‏ ولعل النزل - والله أعلم - ما جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان مولى وسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الحبر الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏هم في الظلمة دون الجسر‏)‏ قال‏:‏ فمن أول الناس إجازة ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏فقراء المهاجرين‏)‏ قال اليهودي‏:‏ فما تحفتهم حين يدخلون الجنة‏؟‏ قال ‏(‏زيادة كبد النون‏)‏ قال‏:‏ فما غذاؤهم على إثرها ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها‏)‏ قال‏:‏ فما شرابهم عليه ‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏من عين فيها تسمى سلسبيلا‏)‏ وذكر الحديث‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ والتحفة ما يتحف به الإنسان من الفواكه‏.‏ والطرف محاسنه وملاطفه، وهذا مطابق لما ذكرناه في النزل، والله أعلم‏.‏ وزيادة الكبد‏:‏ قطعة منه كالأصبع‏.‏ قال الهروي‏{‏نزلا من عند الله‏}‏ أي ثوابا‏.‏ وقيل رزقا‏.‏‏{‏ وما عند الله خير للأبرار‏}‏ أي مما يتقلب به الكفار في الدنيا‏.‏ والله أعلم‏.‏ الثانية والعشرون: قوله تعالى‏:{‏وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله‏}‏ قال جابر بن عبدالله وأنس وابن عباس وقتادة والحسن‏:‏ نزلت في النجاشي، وذلك أنه لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال النبي لأصحابه‏:‏ ‏(‏قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي‏)‏؛ فقال بعضهم لبعض‏:‏ يأمرنا أن نصلي على علج من علوج الحبشة؛ فأنزل الله تعالى ‏{‏وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم‏}‏‏.‏ قال الضحاك‏ {‏وما أنزل إليكم‏}‏ القرآن‏.‏ ‏{‏وما أنزل إليهم‏}‏ التوراة والإنجيل‏.‏ وفي التنزيل‏{‏أولئك يؤتون أجرهم مرتين‏} [‏القصص‏:‏ 54‏]‏‏.‏ وفي صحيح مسلم‏ (‏ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين - فذكر - رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه وصدقه فله أجران‏)‏ وذكر الحديث‏.‏ وقد تقدم في [‏البقرة‏]‏ الصلاة عليه وما للعلماء في الصلاة على الميت الغائب، فلا معنى للإعادة‏.‏ وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد‏:‏ نزلت في مؤمني أهل الكتاب، وهذا عام والنجاشي واحد منهم‏.‏ واسمه أصحمة، وهو بالعربية عطية‏.‏ ‏{‏خاشعين‏}‏ أذلة، ونصب على الحال من المضمر الذي في ‏{‏يؤمن‏}‏‏.‏ وقيل‏:‏ من الضمير في ‏{‏إليهم‏}‏ أو في ‏{‏إليكم‏}‏‏.‏ وما في الآية بين، وقد تقدم‏.‏ الثالثة والعشرون: قوله تعالى {يأيها الذين آمنوا اصبروا} الأية. ختم تعالى السورة بما تضمنته هذه الآية العاشرة من الوصاة التي جمعت الظهور في الدنيا على الأعداء والفوز بنعيم الآخرة؛ فحض على الصبر على الطاعات وعن الشهوات، والصبر الحبس، وقد تقدم في [البقرة‏]‏ بيانه‏.‏ وأمر بالمصابرة فقيل‏:‏ معناه مصابرة الأعداء؛ قاله زيد بن أسلم‏.‏ وقال الحسن‏:‏ على الصلوات الخمس‏.‏ وقيل‏:‏ إدامة مخالفة النفس عن شهواتها فهي تدعو وهو ينزع‏.‏ وقال عطاء والقرظي‏:‏ صابروا الوعد الذي وعدتم‏.‏ أي لا تيأسوا وانتظروا الفرج؛ قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏انتظار الفرج بالصبر عبادة‏)‏‏.‏ واختار هذا القول أبو عمر رحمه الله‏.‏ والأول قول الجمهور؛ ومنه قول عنترة‏:‏ فلم أر حيا صابروا مثل صبرنا ** ولا كافحوا مثل الذين نكافح فقوله ‏{‏صابروا مثل صبرنا‏}‏ أي صابروا العدو في الحرب ولم يبد منهم جبن ولا خور‏.‏ والمكافحة‏:‏ المواجهة والمقبلة في الحرب؛ ولذلك اختلفوا في معنى قوله ‏{‏ورابطوا‏}‏ فقال جمهور الأمة‏:‏ رابطوا أعدائكم بالخيل، أي ارتبطوها كما يرتبطها أعداءكم؛ ومنه قوله تعالى‏{‏ومن رباط الخيل‏} [‏الأنفال‏:‏ 60‏]‏ وفي الموطأ عن مالك عن زيد بن أسلم قال‏:‏ كتب أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم؛ فكتب إليه عمر‏:‏ أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من منزل شدة يجعل الله له بعدها فرجا، وإنه لن يغلب عسر يسرين، وإن الله تعالى يقول في كتابه ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون‏}‏ وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن‏:‏ هذه الآية في انتظار الصلاة بعد الصلاة، ولم يكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه؛ رواه الحاكم أبو عبدالله في صحيحه‏.‏ واحتج أبو سلمة بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط‏)‏ ثلاثا؛ رواه مالك‏.‏ قال ابن عطية‏:‏ والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة في سبيل الله‏.‏ أصلها من ربط الخيل، ثم سمي كل ملازم لثغر من ثغور الإسلام مرابطا، فارسا كان أو راجلا‏.‏ واللفظ مأخوذ من الربط‏.‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏فذلكم الرباط‏)‏ إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله‏.‏ والرباط اللغوي هو الأول؛ وهذا كقوله‏:‏ ‏(‏ليس الشديد بالصرعة‏)‏ وقوله ‏(‏ليس المسكين بهذا الطواف‏)‏ إلى غير ذلك‏.‏ قلت‏:‏ قوله ‏والرباط اللغوي هو الأول‏‏ ليس بمسلم، فإن الخليل بن أحمد أحد أئمة اللغة وثقاتها قد قال‏:‏ الرباط ملازمة الثغور، ومواظبة الصلاة أيضا، فقد حصل أن انتظار الصلاة رباط لغوي حقيقة؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وأكثر من هذا ما قاله الشيباني أنه يقال‏:‏ ماء مترابط أي دائم لا ينزح؛ حكاه ابن فارس وهو يقتضي تعدية الرباط لغة إلى غير ما ذكرناه‏.‏ فإن المرابطة عند العرب‏:‏ العقد على الشيء حتى لا ينحل، فيعود إلى ما كان صبر عنه، فيحبس القلب على النية الحسنة والجسم على فعل الطاعة‏.‏ ومن أعظمها وأهمها ارتباط الخيل في سبيل الله كما نص عليه في التنزيل في قوله‏{‏ومن رباط الخيل‏} [‏الأنفال‏:‏ 60‏]‏ على ما يأتي‏.‏ وارتباط النفس على الصلوات كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ رواه أبو هريرة وجابر، ولا عطر بعد عروس‏.‏ الرابعة والعشرون: المرابط في سبيل الله عند الفقهاء هو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما؛ قاله محمد بن المواز ورواه‏.‏ وأما سكان الثغور دائما بأهليهم الذين يعمرون ويكتسبون هنالك، فهم وإن كانوا حماة فليسوا بمرابطين‏.‏ قال ابن عطية‏.‏ وقال ابن خويز منداد‏:‏ وللرباط حالتان‏:‏ حالة يكون الثغر مأمونا منيعا يجوز سكناه بالأهل والولد‏.‏ وإن كان غير مأمون جاز أن يرابط فيه بنفسه إذا كان من أهل القتال، ولا ينقل إليه الأهل والولد لئلا يظهر العدو فيسبي ويسترق‏.‏ والله أعلم‏.‏ الخامسة والعشرون :جاء في فضل الرباط أحاديث كثيرة، منها ما رواه البخاري عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ رباط يوم في سبيل الله خير عند الله من الدنيا وما فيها‏)‏‏.‏ وفي صحيح مسلم عن سلمان قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان‏)‏‏.‏ وروى أبو داود في سننه عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:(‏ كل ميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتان القبر‏)‏‏.‏ وفي هذين الحديثين دليل على أن الرباط أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت؛ كما جاء في حديث العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدق جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له‏)‏ وهو حديث صحيح انفرد بإخراجه مسلم؛ فإن الصدقة الجارية والعلم المنتفع به والولد الصالح يدعو لأبويه ينقطع ذلك بنفاد الصدقات وذهاب العلم وموت الولد‏.‏ والرباط يضاعف أجره إلى يوم القيامة؛ لأنه لا معنى للنماء إلا المضاعفة، وهي غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه، بل هي فضل دائم من الله تعالى إلى يوم القيامة‏.‏ وهذا لأن أعمال البر كلها لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منه بحراسة بيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام‏.‏ وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة؛ خرجه ابن ماجة بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏من مات مرابطا في سبيل الله أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع‏)‏‏.‏ وفي هذا الحديث قيد ثان وهو الموت حالة الرباط‏.‏ والله أعلم‏.‏ وروي عن عثمان بن عفان قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها‏)‏‏.‏ وروي عن أبي بن كعب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا - أراه قال‏:‏ من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة وتكتب له الحسنات ويجرى له أجر الرباط إلى يوم القيامة‏)‏‏.‏ ودل هذا الحديث على أن رباط يوم في شهر رمضان يحصل له من الثواب الدائم وإن لم يمت مرابطا‏.‏ والله أعلم‏.‏ وعن أنس بن مالك قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة السنة ثلاثمائة يوم وستون يوما واليوم كألف سنة‏)‏‏.‏ قلت‏:‏ وجاء في انتظار الصلاة بعد الصلاة أنه رباط؛ فقد يحصل لمنتظر الصلوات ذلك الفضل إن شاء الله تعالى‏.‏ وقد‏ روى أبو نعيم الحافظ قال حدثنا سليمان بن أحمد قال حدثنا علي بن عبدالعزيز قال حدثنا حجاج بن المنهال وحدثنا أبو بكر بن مالك قال‏:‏ حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثني الحسن بن موسى قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي أيوب الأزدي عن نوف البكالي عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة المغرب فصلينا معه فعقب من عقب ورجع من رجع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يثوب الناس لصلاة العشاء، فجاء وقد حضره الناس رافعا أصبعه وقد عقد تسعا وعشرين يشير بالسبابة إلى السماء فحسر ثوبه عن ركبتيه وهو يقول‏:‏ ‏(‏أبشروا معشر المسلمين هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي هؤلاء قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى‏)‏‏.‏ ورواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن مطرف بن عبدالله‏:‏ أن نوفا وعبدالله بن عمرو اجتمعا فحدث نوف عن التوراة وحدث عبدالله بن عمرو بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ‏{‏واتقوا الله‏}‏ أي لم تؤمروا بالجهاد من غير تقوى‏.‏ ‏{‏لعلكم تفلحون‏}‏ لتكونوا على رجاء من الفلاح‏.‏ وقيل‏:‏ لعل بمعنى لكي‏.‏ والفلاح البقاء، وقد مضى هذا كله في [‏البقرة‏]‏ مستوفى، والحمد لله‏.

التفسير الميسّر:

يا ربنا أعطنا ما وعدتنا على ألسنة رسلك من نصر وتمكين وتوفيق وهداية، ولا تفضحنا بذنوبنا يوم القيامة، فإنك كريم لا تُخْلف وعدًا وَعَدْتَ به عبادك.

تفسير السعدي

ولما ذكروا توفيق الله إياهم للإيمان، وتوسلهم به إلى تمام النعمة، سألوه الثواب على ذلك، وأن ينجز لهم ما وعدهم به على ألسنة رسله من النصر، والظهور في الدنيا، ومن الفوز برضوان الله وجنته في الآخرة، فإنه تعالى لا يخلف الميعاد، فأجاب الله دعاءهم، وقبل تضرعهم، فلهذا قال:


تفسير البغوي

( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) أي : على ألسنة رسلك ، ( ولا تخزنا ) ولا تعذبنا ولا تهلكنا ولا تفضحنا ولا تهنا ، ( يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد )

فإن قيل : ما وجه قولهم : ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) وقد علموا أن الله لا يخلف الميعاد؟ قيل : لفظه دعاء ومعناه خبر أي : لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك تقديره : ( فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا ( ولا تخزنا يوم القيامة ) لتؤتينا ما وعدتنا على رسلك من الفضل والرحمة وقيل : معناه ربنا واجعلنا ممن يستحقون ثوابك وتؤتيهم ما وعدتهم على ألسنة رسلك لأنهم لم يتيقنوا استحقاقهم لتلك الكرامة فسألوه أن يجعلهم مستحقين لها ، وقيل : إنما سألوه تعجيل ما وعدهم من النصر على الأعداء ، قالوا : قد علمنا أنك لا تخلف ولكن لا صبر لنا على حلمك فعجل خزيهم وانصرنا عليهم .


الإعراب:

(رَبَّنا) سبق إعرابها (وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) عطف على وتوفنا وما اسم موصول مفعول به ثان وعدتنا فعل ماض وفاعل ومفعوله وبهذا الفعل تعلق الجار والمجرور والجملة صلة الموصول.

(وَلا) الواو عاطفة ولا ناهية (تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) فعل مضارع للدعاء مجزوم بحذف حرف العلة ونا مفعول به يوم ظرف متعلق بتخزنا (الْقِيامَةِ) مضاف إليه (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) إن واسمها والجملة بعدها خبرها وجملة (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ) تعليلية لا محل لها.

---

Traslation and Transliteration:

Rabbana waatina ma waAAadtana AAala rusulika wala tukhzina yawma alqiyamati innaka la tukhlifu almeeAAada

بيانات السورة

اسم السورة سورة آل عمران (Al-i'Imran - Family of Imran)
ترتيبها 3
عدد آياتها 200
عدد كلماتها 3503
عدد حروفها 14605
معنى اسمها عِمرَانُ: رَجُلٌ صَالِحٌ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالمُرَادُ بِـ(آلِ عِمْرَانَ): عِيسَى وَأُمُّهُ مَريَمُ وَيَحْيَى عليه السلام
سبب تسميتها ذِكْرُ قِصَّةِ آلِ عِمْرَانَ، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى المَقصِدِ العَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (آلِ عِمرَانَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الكَنـْزِ)، وَسُورَةَ (الأَمَانِ)، وَتُلقَّبُ بِـ(الزَّهْرَاءِ)
مقاصدها بَيانُ الأَدِلَّةِ وَالبَرَاهِينَ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللهِ وَأَحْكَامِ الجِهَادِ وغَيرِهِ، وَردِّ شُبُهَاتِ النَّصَارَى
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنْقَل سَبَبٌ ِلنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها تُحَاجُّ عَنْ صَاحِبِهَا يَومَ القِيَامَةِ، قَالَ ﷺ: «اقرَؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: البَقرةَ، وآلَ عِمرانَ؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ -أي سَحَابتانِ- أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِما». (رَوَاهُ مُسْلِم). هِيَ مِنَ السَّبعِ، قَالَ ﷺ: «مَنْ أخَذَ السَّبعَ الْأُوَلَ مِنَ القُرآنِ فَهُوَ حَبْرٌ» أَيْ: عَالِم. (حَدِيثٌ حَسَنٌ، رَوَاهُ أَحمَد)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ الكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَالإِشَارَةُ إِلَيهَا. فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿نَزَّلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾ ...الآيَاتِ،وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ﴾ ...الآيَاتِ. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (آلِ عِمْرانَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (البَقَرَةِ): ذِكْرُ دُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي خَوَاتِيم سُورَةِ (البَقَرَةِ) وفي أوَّلِ سُورَةِ (آلِ عِمْرَانَ).
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!