«أو» مثلهم «كصيِّب» أي كأصحاب مطر وأصله صيوب من صاب يصوب أي ينزل «من السماء» السحاب «فيه» أي السحاب «ظلمات» متكاثفة «ورعد» هو الملك الموكَّل به وقيل صوته «وبرق» لمعان صوته الذي يزجره به «يجعلون» أي أصحاب الصيِّب «أصابعهم» أي أناملها «في آذانهم من» أجل «الصواعق» شدة صوت الرعد لئلا يسمعوها «حذر» خوف «الموت» من سماعها. كذلك هؤلاء: إذا نزل القرآن وفيه ذكر الكفر المشبه بالظلمات والوعيد عليه المشبه بالرعد والحجج البينة المشبهة بالبرق، يسدون آذانهم لئلا يسمعوه فيميلوا إلى الإيمان وترك دينهم وهو عندهم موت «والله محيط بالكافرين» علماً وقدرة فلا يفوتونه.
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (286)
أصل التكاليف مشتق من الكلف وهي المشقات «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها» وهو ما آتاها من التمكن الذي هو وسعها ، فقد خلق سبحانه لنا التمكن من فعل بعض الأعمال ، نجد ذلك من نفوسنا ولا ننكره ، وهي الحركة الاختيارية ، كما جعل سبحانه فينا المانع من بعض الأفعال الظاهرة فينا ، ونجد ذلك من نفوسنا ، كحركة المرتعش الذي لا اختيار للمرتعش فيها ، وبذلك القدر من التمكن الذي يجده الإنسان في نفسه صح أن يكون مكلفا ، ولا يحقق الإنسان بعقله لما ذا يرجع ذلك التمكن ، هل لكونه قادرا أو لكونه مختارا ؟ وإن كان مجبورا في اختياره ، ولا يمكن رفع الخلاف في هذه المسألة ، فإنها من المسائل المعقولة ولا يعرف الحق فيها إلا بالكشف ، وإذا بذلت النفس الوسع في طاعة اللّه لم يقم عليها حجة ،
فإن اللّه أجلّ أن يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك كان الاجتهاد في الفروع والأصول «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» لما كانت النفوس ولاة الحق على الجوارح ، والجوارح مأمورة مجبورة غير مختارة فيما تصرف فيه ، مطيعة بكل وجه ، والنفوس ليست كذلك ، فإذا عملت لغير عبادة لا يقبل العمل من حيث القاصد لوقوعه الذي هو النفس المكلفة ، لكن من حيث أن العمل صدر من الجوارح أو من جارحة مخصوصة ، فإنها تجزى به تلك الجارحة ، فيقبل العمل لمن ظهر منه ولا يعود منه على النفس الآمرة به للجوارح شيء إذا كان العمل خيرا بالصورة كصلاة المرائي والمنافق وجميع ما يظهر على جوارحه من أفعال الخير الذي لم تقصد به النفس عبادة ، وأما أعمال الشر المنهي عنها فإن النفس تجزى بها للقصد ، والجوارح لا تجزى بها لأنها ليس في قوتها الامتناع عما تريد النفوس بها من الحركات ، فإنها مجبورة على السمع والطاعة لها ، فإن جارت النفوس فعليها ، وللجوارح رفع الحرج ، بل لهم الخير الأتم ، وإن عدلت النفوس فلها وللجوارح ، لذلك قال تعالى : «لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فميز اللّه بين الكسب والاكتساب باللام وعلى ، وهذه الآية بشرى من اللّه حيث جعل المخالفة اكتسابا والطاعة كسبا ، فقال : «لَها ما كَسَبَتْ» فأوجبه لها .
وقال في المعصية والمخالفة : «وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ» فما أوجب لها الأخذ بما اكتسبته ، فالاكتساب ما هو حق لها فتستحقه ، فتستحق الكسب ولا تستحق الاكتساب ، والحق لا يعامل إلا بالاستحقاق ، والعفو من اللّه يحكم على الأخذ بالجريمة «رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا» اعلم أن الرحمة أبطنها اللّه في النسيان الموجود في العالم ، وأنه لو لم يكن لعظم الأمر وشق ، وفيما يقع فيه التذكر كفاية ، وأصل هذا وضع الحجاب بين العالم وبين اللّه في موطن التكليف ، إذ كانت المعاصي والمخالفات مقدرة في علم اللّه فلا بد من وقوعها من العبد ضرورة ، فلو وقعت مع التجلي والكشف لكان مبالغة في قلة الحياء من اللّه حيث يشهده ويراه ، والقدر حاكم بالوقوع فاحتجب رحمة بالخلق لعظيم المصاب ، قال صلّى اللّه عليه وسلم:
إن اللّه إذا أراد نفاذ قضائه وقدره سلب ذوي العقول عقولهم ، حتى إذا أمضى فيهم قضاءه وقدره ردها عليهم ليعتبروا ، وقال صلّى اللّه عليه وسلم : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان ، فلا يؤاخذهم اللّه به في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما في الآخرة فمجمع عليه من الكل ، وأما في الدنيا فأجمعوا على رفع الذنب ، واختلفوا في الحكم ، وكذلك في الخطأ على قدر ما شرع الشارع في
أشخاص المسائل ، مثل الإفطار ناسيا في رمضان وغير ذلك من المسائل ، فإن اللّه تعالى الذي شرع المعصية والطاعة وبيّن حكمهما ، رفع حكم الأخذ بالمعصية في حق الناسي والمخطئ «رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ، رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ» وهذا تعليم من الحق لنا أن نسأله في أن لا يقع منه في المستقبل ما لم يقع في الحال ، «وَاعْفُ عَنَّا» أي كثر خيرك لنا وقلل بلاءك عنا ، أي قلل ما ينبغي أن يقلل وكثر ما ينبغي أن يكثر ، فإن العفو من الأضداد يطلق بإزاء الكثرة والقلة ، وليس إلا عفوك عن خطايانا التي طلبنا منك أن تسترنا عنها حتى لا تصيبنا ، وهو قولنا : «وَاغْفِرْ لَنا» أي استرنا من المخالفات حتى لا تعرف مكاننا فتقصدنا «وَارْحَمْنا» برحمة الامتنان ورحمة الوجوب ، أي برحمة الاختصاص.
------------
(286) التنزلات الموصلية - الفتوحات ج 1 /
341 - ج 2 /
381 - ج 3 /
348 ، 123 ، 511 - ج 2 /
535 ، 684 - ج 3 /
381 - ج 1 /
435 ، 434
وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى لضرب آخر من المنافقين ، وهم قوم يظهر لهم الحق تارة ، ويشكون تارة أخرى ، فقلوبهم في حال شكهم وكفرهم وترددهم ( كصيب ) والصيب : المطر ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وناس من الصحابة ، وأبو العالية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والحسن البصري ، وقتادة ، وعطية العوفي ، وعطاء الخراساني ، والسدي ، والربيع بن أنس .
وقال الضحاك : هو السحاب .
والأشهر هو المطر نزل من السماء في حال ظلمات ، وهي الشكوك والكفر والنفاق . ( ورعد ) وهو ما يزعج القلوب من الخوف ، فإن من شأن المنافقين الخوف الشديد والفزع ، كما قال تعالى : ( يحسبون كل صيحة عليهم [ هم العدو ] ) [ المنافقون : 4 ] وقال : ( ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ) [ التوبة : 56 ، 57 ] .
والبرق : هو ما يلمع في قلوب هؤلاء الضرب من المنافقين في بعض الأحيان ، من نور الإيمان ؛ ولهذا قال : ( يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ) أي : ولا يجدي عنهم حذرهم شيئا ؛ لأن الله محيط [ بهم ] بقدرته ، وهم تحت مشيئته وإرادته ، كما قال : ( هل أتاك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط ) [ البروج : 17 - 20 ] .
[ والصواعق : جمع صاعقة ، وهي نار تنزل من السماء وقت الرعد الشديد ، وحكى الخليل بن أحمد عن بعضهم صاعقة ، وحكى بعضهم صاعقة وصعقة وصاقعة ، ونقل عن الحسن البصري أنه : قرأ : " من الصواقع حذر الموت " بتقديم القاف وأنشدوا لأبي النجم :
يحكوك بالمثقولة القواطع شفق البرق عن الصواقع
قال النحاس : وهي لغة بني تميم وبعض بني ربيعة ، حكى ذلك القرطبي في تفسيره ] .
قوله تعالى{أو كصيب من السماء} قال الطبري: {أو} بمعنى الواو، وقاله الفراء. وأنشد : وقد زعمت ليلى بأني فاجر ** لنفسي تقاها أو عليها فجورها وقال آخر : نال الخلافة أو كانت له قَدَرا ** كما أتى ربه موسى على قدر أي وكانت. وقيل{أو} للتخيير أي مثّلوهم بهذا أو بهذا، لا على الاقتصار على أحد الأمرين، والمعنى أو كأصحاب صيب. والصيب : المطر. واشتقاقه من صاب يصوب إذا نزل، قال علقمة : فلا تعدلي بيني وبين مغمر ** سقتك روايا المزن حيث تصوب وأصله : صَيوب، اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت، كما فعلوا في ميت وسيد وهين ولين. وقال بعض الكوفيين : أصله صويب على مثال فعيل. قال النحاس{لو كان كما قالوا لما جاز إدغامه، كما لا يجوز إدغام طويل. وجمع صيب صيايب. والتقدير في العربية : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا أو كمثل صيب}. قوله تعالى{من السماء} السماء تذكر وتؤنث، وتجمع على أسمية وسموات وسمي، على فُعول، قال العجاج : تلفه الرياح والسُّمِيّ والسماء : كل ما علاك فأظلك، ومنه قيل لسقف البيت : سماء. والسماء : المطر، سمي به لنزوله من السماء. قال حسان بن ثابت : ديارٌ من بني الحسحاس قفر ** تعفيها الروامس والسماء وقال آخر : إذا سقط السماء بأرض قوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا ويسمى الطين والكلأ أيضا سماء، يقال : ما زلنا نطأ السماء حتى أتيناكم. يريدون الكلأ والطين. ويقال لظهر الفرس أيضا سماء لعلوه، قال : وأحمر كالديباج أما سماؤه ** فَرَيّا وأما أرضه فمحول والسماء : ما علا. والأرض : ما سفل، على ما تقدم. قوله تعالى :{فيه ظلمات} ابتداء وخبر. {ورعد وبرق} معطوف عليه. وقال : ظلمات بالجمع إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدَّجْن، وهو الغيم، ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت. وقد مضى ما فيه من اللغات فلا معنى للإعادة، وكذا كل ما تقدم إن شاء الله تعالى. واختلف العلماء في الرعد، ففي الترمذي عن ابن عباس قال : سألت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد ما هو؟ قال : (ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله). فقالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال : (زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر الله) قالوا : صدقت. الحديث بطوله. وعلى هذا التفسير أكثر العلماء. فالرعد : اسم الصوت المسموع، وقاله علي رضي الله عنه، وهو المعلوم في لغة العرب، وقد قال لبيد في جاهليته : فَجَّعني الرعد والصواعق بال ** فارس يوم الكريهة النجد وروي عن ابن عباس أنه قال : الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت. واختلفوا في البرق، فروي عن علي وابن مسعود وابن عباس رضوان الله عليهم : البرق مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب. قلت : وهو الظاهر من حديث الترمذي. وعن ابن عباس أيضا هو سوط من نور بيد الملك يزجر به السحاب. وعنه أيضا البرق ملك يتراءى. وقالت الفلاسفة : الرعد صوت اصطكاك أجرام السحاب. والبرق ما ينقدح من اصطكاكها. وهذا مردود لا يصح به نقل، والله أعلم. ويقال : أصل الرعد من الحركة، ومنه الرعديد للجبان. وارتعد : اضطرب، ومنه الحديث : (فجيء بهما ترعد فرائصهما) الحديث. أخرجه أبو داود. والبرق أصله من البريق والضوء، ومنه البراق : دابة ركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وركبها الأنبياء عليهم السلام قبله. ورعدت السماء من الرعد، وبرقت من البرق. ورعدت المرأة وبرقت : تحسنت وتزينت. ورعد الرجل وبرق : تهدد وأوعد، قال ابن أحمر : يا جُلَّ ما بعدت عليك بلادنا ** وطِلابُنا فابرُق بأرضك وارعُدِ وأرعد القوم وأبرقوا : أصابهم رعد وبرق. وحكى أبو عبيدة وأبو عمرو : أرعدت السماء وأبرقت، وأرعد الرجل وأبرق إذا تهدد وأوعد، وأنكره الأصمعي. واحتج عليه بقول الكميت : أبرق وأرعد يا يزيـ ** ـد فما وعيدك لي بضائر فقال : ليس الكميت بحجة. فائدة : روى ابن عباس قال : كنا مع عمر بن الخطاب في سفرة بين المدينة والشام ومعنا كعب الأحبار، قال : فأصابتنا ريح وأصابنا رعد ومطر شديد وبرد، وفرق الناس. قال فقال لي كعب : إنه من قال حين يسمع الرعد : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، عوفي مما يكون في ذلك السحاب والبرد والصواعق. قال : فقلتها أنا وكعب، فلما أصبحنا واجتمع الناس قلت لعمر : يا أمير المؤمنين، كأنا كنا في غير ما كان فيه الناس قال : وما ذاك؟ قال : فحدثته حديث كعب. قال : سبحان الله أفلا قلتم لنا فنقول كما قلتم! في رواية فإذا بردة قد أصابت أنف عمر فأثرت به. وستأتي هذه الرواية في سورة الرعد إن شاء الله. ذكر الروايتين أبو بكر بن علي بن ثابت الخطيب في روايات الصحابة عن التابعين رحمة الله عليهم أجمعين. وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع الرعد والصواعق قال : (اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك قوله تعالى{يجعلون أصابعهم في آذانهم} جعلهم أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن فيؤمنوا به وبمحمد عليه السلام، وذلك عندهم كفر والكفر موت. وفي واحد الأصابع خمس لغات : إصبع بكسر الهمزة وفتح الباء، وأصبع بفتح الهمزة وكسر الباء، ويقال بفتحهما جميعا، وضمهما جميعا، وبكسرهما جميعا، ومؤنثة. وكذلك الأذن وتخفف وتثقل وتصغر، فيقال : أذينة. ولو سميت بها رجلا ثم صغرته قلت : أذين، فلم تؤنث لزوال التأنيث عنه بالنقل إلى المذكر فأما قولهم : أذينة في الاسم العلم فإنما سمي به مصغرا، والجمع آذان. وتقول : أذنته إذا ضربت أذنه. ورجل أذُن : إذا كان يسمع كلام كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع. وأذاني : عظيم الأذنين. ونعجة أذناء، وكبش آذن. وأذّنت النعل وغيرها تأذينا : إذا جعلت لها أذنا. وأذنت الصبي : عركت أذنه. قوله تعالى{من الصواعق} أي من أجل الصواعق. والصواعق جمع صاعقة. قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : إذا اشتد غضب الرعد الذي هو الملك طار النار من فيه وهي الصواعق. وكذا قال الخليل، قال : هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد، يكون معها أحيانا قطعة نار تحرق ما أتت عليه. وقال أبو زيد : الصاعقة نار تسقط من السماء في رعد شديد. وحكى الخليل عن قوم : الصاعقة بالسين. وقال أبو بكر النقاش : يقال صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد. وقرأ الحسن : من {الصواقع} بتقديم القاف، ومنه قول أبي النجم : يحكون بالمصقولة القواطع ** تَشَقُّق البرق عن الصواقع قال النحاس : وهي لغة تميم وبعض بني ربيعة. ويقال : صعقتهم السماء إذا ألقت عليهم. الصاعقة. والصاعقة أيضا صيحة العذاب، قال الله عز وجل{فأخذتهم صاعقة العذاب الهون} [
فصلت: 17 ]. ويقال : صعق الرجل صعقة وتصعاقا، أي غشي عليه، وفي قوله تعالى{وخر موسى صعقا} [
الأعراف : 143 ]. فأصعقه غيره. قال ابن مقبل : ترى النُعَرات الزرقَ تحت لَبانه ** أُحادَ ومثنى أصعقتها صواهله وقوله تعالى{فصعق من في السموات ومن في الأرض} [
الزمر: 68 ]. أي مات. وشبه الله تعالى في هذه الآية أحوال المنافقين بما في الصيب من الظلمات والرعد والبرق والصواعق. فالظلمات مثل لما يعتقدونه من الكفر، والرعد والبرق مثل لما يخوفون به. وقيل : مثل الله تعالى القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال عليهم، والعمى هو الظلمات، وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أحيانا أن تبهرهم هو البرق. والصواعق، مثل لما في القرآن من الدعاء إلى القتال في العاجل والوعيد في الآجل. وقيل : الصواعق تكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة وغيرهما. قوله{حذر الموت} حذر وحذار بمعنى، وقرئ بهما. قال سيبويه : هو منصوب، لأنه موقوع له أي مفعول من أجله، وحقيقته أنه مصدر، وأنشد سيبويه : وأغفر عوراء الكريم ادخاره ** وأعرض عن شتم اللئيم تكرما وقال الفراء : هو منصوب على التمييز والموت : ضد الحياة. وقد مات يموت، ويمات أيضا، قال الراجز : بنيتي سيدة البنات ** عيشي ولا يؤمن أن تماتي فهو ميِّت وميْت، وقوم موتى وأموات وميِّتون وميْتون. والموات بالضم الموت. والموات بالفتح ما لا روح فيه. والموات أيضا : الأرض التي لا مالك لها من الآدميين ولا ينتفع بها أحد. والمَوَتان بالتحريك خلاف الحيوان، يقال : اشتر الموتان، ولا تشتر الحيوان، أي اشتر الأرضين والدور، ولا تشتر الرقيق والدواب. والمُوتان بالضم موت يقع في الماشية، يقال : وقع في المال موتان. وأماته الله وموته، شدد للمبالغة. وقال : فعروة مات موتا مستريحا ** فهأنذا أُمَوَّتُ كل يوم وأماتت الناقة إذا مات ولدها، فهي مميت ومميتة. قال أبو عبيد : وكذلك المرأة، وجمعها مماويت. قال ابن السكيت : أمات فلان إذا مات له ابن أو بنون. والمتماوت من صفة الناسك المرائي. وموت مائت، كقولك : ليل لائل، يؤخذ من لفظه ما يؤكد به. والمستميت للأمر : المسترسل له، قال رؤبة : وزبد البحر له كتيت ** والليل فوق الماء مستميت المستميت أيضا : المستقتل الذي لا يبالي في الحرب من الموت، وفي الحديث : (أرى القوم مستميتين) وهم الذين يقاتلون على الموت. والمُوتة بالضم جنس من الجنون والصرع يعتري الإنسان، فإذا أفاق عاد إليه كمال عقله كالنائم والسكران. ومُؤتة بضم الميم وهمز الواو اسم أرض قتل بها جعفر بن أبي طالب عليه السلام. قوله تعالى{والله محيط بالكافرين} ابتداء وخبر، أي لا يفوتونه. يقال : أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذا حاصرا من كل جهة، قال الشاعر : أحطنا بهم حتى إذا ما تيقنوا ** بما قد رأوا مالوا جميعا إلى السلم ومنه قوله تعالى{وأحيط بثمره}[
الكهف: 42 ]. وأصله محيط، نقلت حركة الياء إلى الحاء فسكنت. فالله سبحانه محيط بجميع المخلوقات، أي هي في قبضته وتحت قهره، كما قال{والأرض جميعا قبضته يوم القيامة}[
الزمر: 67 ]. وقيل{محيط بالكافرين} أي عالم بهم. دليله{وأن الله قد أحاط بكل شيء علما}[
الطلاق: 12 ]. وقيل : مهلكهم وجامعهم. دليله قوله تعالى{إلا أن يحاط بكم}[
يوسف: 66 ]. أي إلا أن تهلكوا جميعا. وخص الكافرين بالذكر لتقدم ذكرهم في الآية. والله أعلم.
أو تُشْبه حالُ فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة، ويشكون فيه تارة أخرى، حالَ جماعة يمشون في العراء، فينصب عليهم مطر شديد، تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض، مع قصف الرعد، ولمعان البرق، والصواعق المحرقة، التي تجعلهم من شدة الهول يضعون أصابعهم في آذانهم؛ خوفًا من الهلاك. والله تعالى محيط بالكافرين لا يفوتونه ولا يعجزونه.
ثم قال تعالى: { أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ } يعني: أو مثلهم كصيب، أي: كصاحب صيب من السماء، وهو المطر الذي يصوب, أي: ينزل بكثرة، { فِيهِ ظُلُمَاتٌ } ظلمة الليل, وظلمة السحاب, وظلمات المطر، { وَرَعْدٌ } وهو الصوت الذي يسمع من السحاب، { وَبَرْقٌ } وهو الضوء [اللامع] المشاهد مع السحاب.
{أو كصيب} أي كأصحاب صيب. وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين بمعنى آخر إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب، وقيل: "أو" بمعنى الواو؛ يريد وكصيب كقوله تعالى: {أو يزيدون} بمعنى ويزيدون.
والصيب المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فعل من صاب يصوب أي نزل.
{من السماء}: أي من السحاب.
قيل: هي السماء بعينها، والسماء كل ما علاك فأظلك، وهي من أسماء الأجناس يكون واحداً وجمعاً.
{فيه}: أي في الصيب، وقيل: في السماء أي من السحاب ولذلك ذكره. وقيل: السماء يُذَكَّر ويؤنث، قال الله تعالى: {السماء منفطر به} [18-المزمل]، وقال: {إذا السماء انفطرت} [1-الانفطار].
{ظلمات} جمع ظلمة.
{ورعد} هو الصوت الذي يسمع من السحاب.
{وبرق} وهو النار التي تخرج منه.
قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين رضي الله عنهم: "الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب".
وقيل: الصوت زجر السحاب.
وقيل: تسبيح الملك. وقيل: الرعد نطق الملك والبرق ضحكه. وقال مجاهد: "الرعد اسم الملك" ويقال لصوته أيضاً رعد، والبرق مصع ملك يسوق السحاب.
وقال شهر بن حوشب: "الرعد ملك يزجي السحاب فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق"، وقيل: الرعد صوت انحراف الريح بين السحاب والأول أصح.
{يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق} جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه.
ويقال لكل عذاب مهلك صاعقة، وقيل: الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله تعالى على من يشاء. روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك".
قوله: {حذر الموت}: أي مخافة الهلاك.
{والله محيط بالكافرين}: أي عالم بهم، وقيل: جامعهم.
وقال مجاهد: "يجمعهم فيعذبهم". وقيل: مهلكهم، دليله قوله تعالى: {إلا أن يحاط بكم} [66-يوسف] أي تهلكوا جميعاً.
ويميل أبو عمرو و الكسائي الكافرين في محل النصب والخفض ولا يميلان: [أول كافر به] [41-البقرة].
(الصيب) المطر وأصلها صيوب. فعلها صاب يصوب.
(أَوْ كَصَيِّبٍ) جار ومجرور معطوفان على كمثل.
(مِنَ السَّماءِ) الجار والمجرور متعلقان بصفة لصيب التقدير صيب نازل.
(فِيهِ) جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم لظلمات.
(ظُلُماتٌ) مبتدأ مؤخر. والجملة في محل جر صفة ثانية لصيب.
(وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) معطوفان على ظلمات.
(يَجْعَلُونَ) فعل مضارع والواو فاعل.
(أَصابِعَهُمْ) مفعول به.
(فِي آذانِهِمْ) جار ومجرور متعلقان بالفعل، وهما في محل نصب مفعول به ثان.
(مِنَ الصَّواعِقِ) متعلقان بيجعلون.
(حَذَرَ) مفعول لأجله.
(الْمَوْتِ) مضاف إليه مجرور.
(وَاللَّهُ) الواو استئنافية، اللّه لفظ الجلالة مبتدأ.
(مُحِيطٌ) خبره.
(بِالْكافِرِينَ) متعلقان بالخبر. والجملة استئنافية لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Aw kasayyibin mina alssamai feehi thulumatun waraAAdun wabarqun yajAAaloona asabiAAahum fee athanihim mina alssawaAAiqi hathara almawti waAllahu muheetun bialkafireena
Or like a rainstorm from the sky, wherein is darkness, thunder and the flash of lightning. They thrust their fingers in their ears by reason of the thunder-claps, for fear of death, Allah encompasseth the disbelievers (in His guidance, His omniscience and His omnipotence).
Yahut da gökten boşana boşana yağan yağmura tutulmuşa benzerler; orada karanlıklar var, gök gürlemede, şimşek çakmada. Ölüm korkusuyla yıldırımların sesini duymamak için parmaklarıyla kulaklarını tıkarlar. Allah'sa inanmayanları çepçevre kaplamış, kavramıştır.
(On peut encore les comparer à ces gens qui,) au moment où les nuées éclatent en pluies, chargées de ténèbres, de tonnerre et éclairs, se mettent les doigts dans les oreilles, terrorisés par le fracas de la foudre et craignant la mort; et Allah encercle de tous côtés les infidèles.
Oder (sie ähneln manchen unter) einem Wolkenbruch aus dem Himmel, welcher von Finsternissen, Donner und Blitz begleitet wird. Sie stecken ihre Finger in ihre Ohren wegen der Donnerschläge aus Angst vor dem Tod doch ALLAH ist umgebend den Kafir gegenüber.