Les révélations mecquoises: futuhat makkiyah

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة هود: [الآية 102]

سورة هود
وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَآ أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَٰلِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُۥٓ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴿102﴾

تفسير الجلالين:

«وكذلك» مثل ذلك الأخذ «أخذ ربك إذا أخذ القرى» أريد أهلها «وهي ظالمة» بالذنوب: أي فلا يغني عنهم من أخذه شيء «إن أخذه أليم شديد» روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكذلك أخذ ربك) الآية.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)

[ خصّ صلّى اللّه عليه وسلم بعلم إحياء الأموات معنى وحس ]

خصّ صلّى اللّه عليه وسلم بعلم إحياء الأموات معنى وحسا ، فحصل العلم بالحياة المعنوية وهي حياة العلوم والحياة الحسية ، وهو ما أتى في قصة إبراهيم عليه السلام تعليما وإعلاما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وهو قوله تعالى : «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ» وذلك تسكين ورفق من اللّه لما يجده رسوله صلّى اللّه عليه وسلم من ردّ أمره ، فيجد لذلك عزاء في نفسه ، لما يرى من منازعة أمته إياه فيما جاء به عن اللّه ، وليري نبيه صلّى اللّه عليه وسلم ما قاست الأنبياء من أممهم فيعزي نفسه بذلك وتثبيتا لفؤاده صلّى اللّه عليه وسلم ، إن وقع منا في أمر اللّه ما وقع من هؤلاء «وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ» «وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى» لنا نحن «لِلْمُؤْمِنِينَ» لنشكر اللّه على ما أولانا من نعمه ، حيث آمنا واستسلمنا ولم نكلف نبينا أن يسأل ربه شيئا مثل ما كلّفت الأمم رسلها ، فنشكره سبحانه على هذه النعمة إذ لو شاء لألقى في قلوبنا ، ما ألقاه في قلوب الأمم قبلنا . واعلم أن جميع هذا القصص ، إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها معبرا ، فما أبلغ قوله تعالى «وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى» لما فيك وما عندك بما نسيته ، فيكون هذا الذي قصصته عليك يذكرك بما فيك وما نبهتك عليه .

[سورة هود (11) : الآيات 121 إلى 123]

وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)

لما تغرّب الأمر عند المحجوبين عن موطنه بما ادعوه فيه لأنفسهم قيل لهم :[ " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» ]

«وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» لو نظرتم من نسبتم إليه هذا الفعل منكم ، إنما هو اللّه لا أنتم ، فأضاف الحق الأفعال إليه ليحصل للعبد الطمأنينة ، بأن الدعوى لا تصح فيها مع التمييز بين ما يستحقه الحق عزّ وجل وما لا يستحقه ، فإذا بلغ العبد هذا الحدّ ردّ الأمور كلها للّه ، ولما رجع الأمر كله للّه مما وقعت فيه الدعاوى الكاذبة ، لم يدل رجوعها إلى اللّه تعالى على أمر لم يكن عليه اللّه ، بل هويته هي هي في حال الدعاوى في المشاركة وفي حال رجوع الأمر إليه ، والمقام ليس إلا للتمييز والحقيقة ، ما عصى اللّه أحد ولا أطاعه بل الأمر كله للّه ، فأفعال العبد خلق للّه والعبد محلّ لذلك الخلق ، فالأصل في العالم قبول الأمر الإلهي في التكوين ، والعصيان أمر عارض له نسبي ، فإليه يرجع الأمر كله ، يعني الذي عليه العالم بأسره ، ما صح منه وما اعتل ، فلا تنظر إلى المناصب وانظر إلى الناصب الذي يعمل بحكم الموطن لا بما يقتضيه النظر العقلي ، فمن موطن الدنيا أن يعامل فيها الجليل بالإجلال في وقت ، وفي وقت يعامل الجليل بالصغار ، وفي وقت يعامل الصغير بالصغار ، وفي وقت يعامل الصغير بالجلال بخلاف موطن الآخرة ،

فإن العظيم بها يعامل بالعظمة ، والحقير بها يعامل بالحقارة ، ولو نظر الناظر لرأى في الدنيا من يقول في اللّه ما لا يليق به تعالى ومن يقول فيه ما يليق به من التنزيه والثناء ، فالناظر إذا كان عاقلا علم بعقله أن موطن الدنيا كذا يعطي ويترك عنه الجواز العقلي الذي يمكن في كل فرد فرد من أفراد العالم ،

فإن هذا الجواز في عين الشهود ليس بعلم ولا صحيح ، وليكن العاقل مع الواقع في الحال ، فإن ذلك صورة الأمر على ما

هو عليه في نفسه ، فإنّ اللّه تعالى ذكرنا بنفسه لنعلم أن المرجع إليه ، فلا نقوم في شيء نحتاج فيه إلى الاعتذار عنه أو نستحي منه عند المرجع إليه ، فهو تعالى على صراط مستقيم ، ومنه بدأ الأمر كله ولذلك جاء بالرجوع ، لأنه لا يمكن أن يكون الرجوع إلا من خروج متقدم ، والموجودات كلها والمحدثات ما خرجت إلى الوجود إلا عن اللّه ، فلهذا ترجع أحكامها إليه ولم تزل عنده ، وإنما سميت راجعة لما طرأ للخلق من رؤية الأسباب التي هي حجب على أعين الناظرين ، فلا يزالون ينظرون ويخترقون الأسباب من سبب إلى سبب حتى يبلغوا إلى السبب الأول ، وهو الحق فهذا معنى الرجوع ، ومن جهة أخرى لما كانت الأسماء والصفات كلها للّه تعالى حتى ما يزعم العبد أنها له ،

قال تعالى :" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ " فأخذ منه جميع ما كان يزعم أنه له إلا العبادة ، فإنه لا يأخذها إذ كانت ليست بصفة له ،

فقال له تعالى :" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ» وهو أصله الذي خلق له (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالعبادة اسم حقيقي للعبد ، فهي ذاته وموطنه وحاله وعينه ونفسه وحقيقته ووجهه ، وأتى باسمه المضمر في «فَاعْبُدْهُ» لأنه إن عبدته من حيث عرفته فنفسك عبدت ، وإن عبدته من حيث لم تعرفه فنسبته إلى المرتبة الإلهية فالمرتبة عبدت ، وإن عبدته عينا من غير مظهر ولا ظاهر ولا ظهور ، بل هو هو لا أنت ، وأنت أنت لا هو ،

فهو قوله : «فَاعْبُدْهُ» فقد عبدته ، وتلك المعرفة التي ما فوقها معرفة ، فإنها معرفة لا يشهد معروفها ، «فَاعْبُدْهُ» أي تذلّل له في كل صراط يقيمك فيه ، لا تتذلل لغيره ، فإن غيره عدم ، ومن قصد العدم لم تظفر يداه بشيء ، ولا تقل أنت المدرك ، فإن الأبصار لا تدركه ، إذ لو أدرك الغيب ، ما كان غيبا ، لذلك جاء بضمير الغائب في قوله «فَاعْبُدْهُ» فاعبد ذاتا منزهة مجهولة لا تعرف منها سوى نسبتك إليها بالافتقار ، ولهذا تمم فقال : «وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» أي اعتمد عليه «وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» من دعواكم أن الأمر إليكم ، وهو للّه ، وقطع بهذا ظهر المدّعين بالاستقامة على العبودية والتوكل ، إذا لم يكن صفتهم ولا حالهم ، فقوله تعالى «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» يشير به للإنسان للبراءة من نفسه ، ورد الأمر كله إلى اللّه ، فالحق سبحانه غاية الطرق ، قصدت الطرق أو لم تقصد ، فما هو غاية قصد السالك ، فإن السالك مقيد القصد (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) وفيه إشارة إلى أنه ما في الوجود بحكم الحقيقة إلا طاهر ، فإن الاسم القدوس يصحب الموجودات ، وبه يثبت

قوله:" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» من تفريقكم بين اللّه وبين عباده ، ولا ينبغي أن يحال بين العبد وسيده ، ولا يدخل بين العبد والسيد إلا بخير ولهذا شرع الشفاعة وقبل العذر ، وأما النجاسة فهي أمر عرضي ، عيّنه حكم شرعي ، والطهارة أمر ذاتي ، ولما كان الوجود منه قال تعالى : «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ» بين البدء والختم وهو الرجوع «وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» فيهما ، فهل طلب منك ما ليس لك فيه تعمل ؟

" وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " فلا بد من حقيقة هنا تعطي إضافة العمل إليك مع كونه خلقا للّه تعالى ، حيث أنتم مظاهر أسمائه الحسنى ، وبها تسعدون وتشقون ،

(وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) فأضاف العمل لك ، وجعل نفسه رقيبا عليه وشهيدا ، لا يغفل ولا ينسى ، ذلك لتقتدي أنت به فيما كلفك من الأعمال ، فلا تغفل ولا تنسى لأنك أولى بهذه الصفة لافتقارك إليه وغناه عنك ، فسلّم الأمر إليه واستسلم ، تكن موافقا لما هو الأمر عليه في نفسه ، فتستريح من تعب الدعوى بين الافتتاح والختم ، وإذا علمت هذا فارجع إليه مختارا ولا ترجع مضطرا ، فإنه لا بد من رجوعك إليه ، ولا بد أن تلقاه كارها كنت أو محبا ، فإنه يلقاك بصفتك لا يزيد عليها ، فانظر لنفسك يا ولي ،

قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ من أحب لقاء اللّه ، أحب اللّه لقاءه ، ومن كره لقاء اللّه ، كره اللّه لقاءه ]

ولما كان لقاء اللّه لا يكون إلا بالموت ، فمن علم الموت استعجله في الحياة الدنيا ، فيموت في عين حياته عن جميع تصرفاته وحركاته وإراداته فيلقى اللّه بحكم من يلقاه محبا للقائه ، فإذا جاء الموت المعلوم في العامة وانكشف غطاء هذا الجسم ، لم يتغير عليه حال ولا زاد يقينا ، فما يذوق إلا الموتة الأولى ، وهي التي ماتها في حياته ،

قال عليّ رضي اللّه عنه : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، فمن رجع إلى اللّه هذا الرجوع سعد وما أحس بالرجوع المحتوم الاضطراري ، فإنه ما جاءه إلا وهو هناك عند اللّه ، فغاية ما يكون الموت المعلوم في حقه أن نفسه التي هي عند اللّه يحال بينها وبين تدبير هذا الجسم الذي كانت تدبره ،

فتبقى مع الحق على حالها ؛ وينقلب هذا الجسد إلى أصله ، وهو التراب الذي منه نشأت ذاته ،

فكأن دارا رحل عنها ساكنها ، فأنزله الملك في مقعد صدق عنده إلى يوم يبعثون ، ويكون حاله في بعثه كذلك لا يتغير عليه حال مع كونه مع الحق لا من حيث ما يعطيه الحق مع الأنفاس ، وهكذا في الحشر العام وفي الجنان التي هي مقره ومسكنه ، وفي النشأة

التي ينزل فيها ، وهذا الرجوع ما هو رجوع التوبة فإنّه لذلك الرجوع حدّ خاص ، وهذا رجوع عام في كل الأحوال التي يكون عليها الإنسان .

- تحقيق -المسافر ترك الحق في أهله خليفة ، شفقة عليهم وحذرا وخيفة ، وما خاف عليهم إلا منه ، لأنه ما يصدر شيء إلا عنه ، إذا كان السيد راعي الغنم ، فما جار وما ظلم ، وما ينال منها إلا ما يقوته ، وقوته ما يفوته ، قوته آثار أسمائه في عباده ، وبها عمارة بلاده ، فحراثة وزراعة ، وتجارة وبضاعة ، لذلك وصف باليدين ، وأظهر في الكون النجدين ، فالواحدة بائعة والأخرى مبتاعة ، إلى قيام الساعة ، ولكل يد طريق ، هذا هو التحقيق ، فإن حكم المشتري ما هو حكم البائع ، وهذا ما لا شك فيه من غير مانع ولا منازع ، آئبون تائبون وهو التواب وإليه المآب .

- تحقيق -قال تعالى : «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» سمّي رجوعا لكونه منه خرج ، وإليه يعود وفيما بين الخروج والعود ، وضعت الموازين ، ومد الصراط ووقعت الدعاوى ، وظهرت الآفات ، وكانت الرسل وجاءت الأدواء ، فمنهم المستعمل لها ، والآخذ بها والتارك لها .

(12) سورة يوسف مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(120) الفتوحات ج 3 / 145 ، 268 ، 457 - إيجاز البيان آية 56 - كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار

تفسير ابن كثير:

يقول تعالى : وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم ، ( إن أخذه أليم شديد ) وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم ، حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) .


تفسير الطبري :

قوله تعالى‏ {‏ذلك من أنباء القرى نقصه عليك‏}‏ ‏{‏ذلك‏}‏ رفع على إضمار مبتدأ، أي الأمر ذلك‏.‏ وإن شئت بالابتداء؛ والمعنى‏:‏ ذلك النبأ المتقدم من أنباء القرى نقصه عليك‏.‏ ‏{‏منها قائم وحصيد‏}‏ قال قتادة‏:‏ القائم ما كان خاويا على عروشه، والحصيد ما لا أثر له‏.‏ وقيل‏:‏ القائم العامر، والحصيد الخراب؛ قاله ابن عباس‏:‏ وقال مجاهد‏:‏ قائم خاوية على عروشها، وحصيد مستأصل؛ يعني محصودا كالزرع إذا حصد؛ قال الشاعر‏:‏ والناس في قسم المنية بينهم ** كالزرع منه قائم وحصيد وقال آخر‏:‏ إنما نحن مثل خامة زرع ** فمتى يأن يأت محتصده قال الأخفش سعيد‏:‏ حصيد أي محصود، وجمعه حصدى وحصاد مثل مرضى ومراض؛ قال‏:‏ يكون فيمن يعقل حصدى، مثل قتيل وقتلى‏.‏ {‏وما ظلمناهم‏}‏ أصل الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه، وقد تقدم في ‏{‏البقرة‏}‏ مستوفى‏.‏ ‏{‏ولكن ظلموا أنفسهم‏}‏ بالكفر والمعاصي‏.‏ وحكى سيبويه أنه يقال‏:‏ ظلم إياه {‏فما أغنت‏}‏ أي دفعت‏.‏ ‏{‏عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء‏}‏ في الكلام حذف، أي التي كانوا يعبدون؛ أي يدعون‏.‏ ‏{‏وما زادوهم غير تتبيب‏}‏ أي غير تخسير؛ قاله مجاهد وقتاده‏.‏ وقال لبيد‏:‏ فلقد بليت وكل صاحب جدة ** لبلى يعود وذاكم التتبيب والتباب الهلاك والخسران؛ وفيه إضمار؛ أي ما زادتهم عبادة الأصنام، فحذف المضاف؛ أي كانت عبادتهم إياها قد خسرتهم ثواب الآخرة‏.‏ قوله تعالى‏ {‏وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى‏}‏ أي كما أخذ هذه القرى التي كانت لنوح وعاد وثمود يأخذ جميع القرى الظالمة‏.‏ وقرأ عاصم الجحدري وطلحة بن مصرف ‏{‏وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى‏}‏ وعن الجحدري أيضا ‏{‏وكذلك أخذ ربك‏}‏ كالجماعة ‏{‏إذ أخذ القرى‏}‏‏.‏ قال المهدوي من قرأ ‏{‏وكذلك أخذ ربك إذ أخذ‏}‏ فهو إخبار عما جاءت به العادة في إهلاك من تقدم من الأمم؛ والمعنى‏:‏ وكذلك أخذ ربك من أخذه من الأمم المهلكة إذ أخذهم‏.‏ وقراءة الجماعة على أنه مصدر؛ والمعنى‏:‏ كذلك أخذ ربك من أراد إهلاكه متى أخذه؛ فإذ لما مضى؛ أي حين أخذ القرى؛ وإذا للمستقبل ‏{‏وهي ظالمة‏}‏ أي وأهلها ظالمون؛ فحذف المضاف مثل‏ {‏واسأل القرية‏} [‏يوسف‏:‏ 82‏]‏‏.‏ {‏إن أخذه أليم شديد‏}‏ أي عقوبته لأهل الشرك موجعة غليظة‏.‏ وفي صحيح مسلم والترمذي من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله تعالى يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته‏)‏ ثم قرأ {‏وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى‏}‏ الآية‏.‏ قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديث حسن صحيح غريب‏.‏ قوله تعالى‏ {‏إن في ذلك لآية‏}‏ أي لعبرة وموعظة‏.‏ {‏ذلك يوم‏}‏ ابتداء وخبر‏.‏ ‏{‏مجموع‏}‏ من نعته‏.‏ قوله تعالى‏ {‏له الناس‏}‏ اسم ما لم يسم فاعله؛ ولهذا لم يقل مجموعون، فإن قدرت ارتفاع ‏{‏الناس‏}‏ بالابتداء، والخبر ‏{‏مجموع له‏}‏ فإنما لم يقل‏:‏ مجموعون على هذا التقدير؛ لأن {‏له‏}‏ يقوم مقام الفاعل‏.‏ والجمع الحشر، أي يحشرون لذلك اليوم‏.‏ ‏{‏وذلك يوم مشهود‏}‏ أي يشهده البر والفاجر؛ ويشهده أهل السماء‏.‏ وقد ذكرنا هذين الاسمين مع غيرهما من أسماء القيامة في كتاب ‏{‏التذكرة‏}‏ وبيناهما والحمد الله‏. قوله تعالى‏ {‏وما نؤخره‏}‏ أي ما نؤخر ذلك اليوم‏.‏ {‏إلا لأجل معدود‏}‏ أي لأجل سبق به قضاؤنا، وهو معدود عندنا‏.‏ ‏{يوم يأتي‏}‏ وقرئ ‏{‏يوم يأت‏}‏ لأن الياء تحذف إذا كان قبلها كسرة؛ تقول‏:‏ لا أدر؛ ذكره القشيري‏.‏ قال النحاس‏:‏ قرأه أهل المدينة وأبو عمرو والكسائي بإثبات الياء في الإدراج؛ وحذفها في الوقف، وروي أن أبيا وابن مسعود قرآ ‏{‏يوم يأتي‏}‏ بالياء في الوقف والوصل‏.‏ وقرأ الأعمش وحمزة ‏{‏يوم يأت‏}‏ بغير باء في الوقف والوصل، قال أبو جعفر النحاس‏:‏ الوجه في هذا ألا يوقف عليه، وأن يوصل بالياء، لأن جماعة من النحويين قالوا‏:‏ لا تحذف الياء، ولا يجزم الشيء بغير جازم؛ فأما الوقف بغير ياء ففيه قول للكسائي؛ قال‏:‏ لأن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم، فحذف الياء، كما تحذف الضمة‏.‏ وأما قراءة حمزة فقد احتج أبو عبيد لحذف الياء في الوصل والوقف بحجتين إحداهما‏:‏ أنه زعم أنه رآه في الإمام الذي يقال له إنه مصحف عثمان رضي الله عنه بغير ياء‏.‏ والحجة الأخرى‏:‏ أنه حكى أنها لغة هذيل؛ تقول‏:‏ ما أدر؛ قال النحاس‏:‏ أما حجته بمصحف عثمان رضي الله عنه فشيء يرده عليه أكثر العلماء؛ قال مالك بن أنس رحمه الله‏:‏ سألت عن مصحف عثمان رضي الله عنه فقيل لي ذهب؛ وأما حجته بقولهم‏ {‏ما أدر‏}‏ فلا حجة فيه؛ لأن هذا الحذف قد حكاه النحويون القدماء، وذكروا علته، وأنه لا يقاس عليه‏.‏ وأنشد الفراء في حذف الياء‏.‏ كفَّاك كف ما تُليق درهما ** جودا وأخرى تعط بالسيف الدما أي تعطي‏.‏ وقد حكى سيبويه والخليل أن العرب تقول‏:‏ لا أدر، فتحذف الياء وتجتزئ بالكسرة، إلا أنهم يزعمون أن ذلك لكثرة الاستعمال‏.‏ قال الزجاج‏:‏ والأجود في النحو إثبات الياء؛ قال‏:‏ والذي أراه اتباع المصحف وإجماع القراء؛ لأن القراءة سنة؛ وقد جاء مثله في كلام العرب‏.‏ {‏لا تكلم نفس إلا بإذنه‏}‏ الأصل تتكلم؛ حذفت إحدى التاءين تخفيفا‏.‏ وفيه إضمار؛ أي لا تتكلم فيه نفس إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام؛ لأنهم ملجوؤون إلى ترك القبيح‏.‏ وقيل‏:‏ المعنى لا تكلم بحجة ولا شفاعة إلا بإذنه‏.‏ وقيل‏:‏ إن لهم في الموقف وقتا يمنعون فيه من الكلام إلا بإذنه‏.‏ وهذه الآية أكثر ما يسأل عنها أهل الإلحاد في الدين‏.‏ فيقول لم قال‏ {‏لا تكلم نفس إلا بإذنه‏}‏ و‏{‏هذا يوم لا ينطقون‏.‏ ولا يؤذن لهم فيعتذرون‏} [‏المرسلات‏:‏ 36‏]‏‏.‏ وقال في موضع من ذكر القيامة‏ {‏وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون‏} [‏الصافات‏:‏ 27‏]‏‏.‏ وقال‏ {‏يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها‏} [‏النحل‏:‏ 111‏]‏‏.‏ وقال‏ {‏وقفوهم إنهم مسؤولون‏} [‏الصافات‏:‏ 24‏]‏‏.‏ وقال ‏{‏فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان‏} [‏الرحمن‏:‏ 39‏]‏‏.‏ والجواب ما ذكرناه، وأنهم لا ينطقون بحجة تجب لهم وإنما يتكلمون بالإقرار بذنوبهم، ولوم بعضهم بعضا، وطرح بعضهم الذنوب على بعض؛ فأما التكلم والنطق بحجة لهم فلا؛ وهذا كما تقول للذي يخاطبك كثيرا، وخطابه فارغ عن الحجة‏:‏ ما تكلمت بشيء، وما نطقت بشيء، فسمي من يتكلم بلا حجة فيه له غير متكلم‏.‏ وقال‏:‏ قوم‏:‏ ذلك اليوم طويل، وله مواطن ومواقف في بعضها يمنعون من الكلام، وفي بعضها يطلق لهم الكلام؛ فهذا يدل على أنه لا تتكلم نفس إلا بإذنه‏.‏ ‏{‏فمنهم شقي وسعيد‏}‏ أي من الأنفس، أو من الناس؛ وقد ذكرهم قوله‏ {‏يوم مجموع له الناس‏}‏‏.‏ والشقي الذي كتبت عليه الشقاوة‏.‏ والسعيد الذي كتبت عليه السعادة؛ قال لبيد‏:‏ فمنهم سعيد آخذ بنصيبه ** ومنهم شقي بالمعيشة قانع وروى الترمذي عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال لما نزلت هذه الآية {‏فمنهم شقي وسعيد‏}‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت‏:‏ يا نبي الله فعلام نعمل‏؟‏ على شيء قد فرغ منه، أو على شيء لم يفرغ منه‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏بل على شيء قد فرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له‏)‏‏.‏ قال‏:‏ هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث عبدالله بن عمر؛ وقد تقدم في ‏{‏الأعراف‏}‏‏.‏ قوله تعالى‏ {‏فأما الذين شقوا‏}‏ ابتداء‏.‏ {‏ففي النار‏}‏ في موضع الخبر، وكذا ‏{‏لهم فيها زفير وشهيق‏}‏ قال أبو العالية‏:‏ الزفير من الصدر‏.‏ والشهيق من الحلق؛ وعنه أيضا ضد ذلك‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ الزفير من شدة الأنين، والشهيق من الأنين المرتفع جدا؛ قال‏:‏ وزعم أهل اللغة من الكوفيين والبصريين أن الزفير بمنزلة ابتداء صوت الحمير في النهيق، والشهيق بمنزلة آخر صوت الحمار في الشهيق‏.‏ وقال ابن عباس رضي الله عنه عكسه؛ قال‏:‏ الزفير الصوت الشديد، والشهيق الصوت الضعيف‏.‏ وقال الضحاك ومقاتل‏:‏ الزفير مثل أول نهيق الحمار، والشهيق مثل آخره حين فرغ من صوته؛ قال الشاعر‏:‏ حشرج في الجوف سحيلا أو شهيق ** حتى يقال ناهق وما نهق وقيل‏:‏ الزفير إخراج النفس، وهو أن يمتلئ الجوف غما فيخرج بالنفس، والشهيق رد النفس وقيل‏:‏ الزفير ترديد النفس من شدة الحزن؛ مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر لشدته؛ والشهيق النفس الطويل الممتد؛ مأخوذ من قولهم‏:‏ جبل شاهق؛ أي طويل‏.‏ والزفير والشهيق من أصوات المحزونين‏.‏ قوله تعالى‏ {‏خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض‏}‏ ‏{‏ما دامت‏}‏ في موضع نصب على الظرف؛ أي دوام السماوات والأرض، والتقدير‏:‏ وقت ذلك‏.‏ واختلف في تأويل هذا؛ فقالت‏.‏ طائفة منهم الضحاك‏:‏ المعنى ما دامت سماوات الجنة والنار وأرضهما والسماء كل ما علاك فأظلك، والأرض ما استقر عليه قدمك؛ وفي التنزيل‏ {‏وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء‏} [‏الزمر‏:‏ 74‏]‏‏.‏ وقيل‏:‏ أراد به السماء والأرض المعهودتين في الدنيا وأجرى ذلك على عادة العرب في الإخبار‏.‏ عن دوام الشيء وتأبيده؛ كقولهم‏:‏ لا آتيك ما جن ليل، أو سال سيل، وما اختلف الليل والنهار، وما ناح الحمام، وما دامت السماوات والأرض، ونحو هذا مما يريدون به‏.‏ طولا من غير نهاية؛ فأفهمهم الله تخليد الكفرة بذلك‏.‏ وإن كان قد أخبر بزوال السماوات‏.‏ والأرض‏.‏ وعن ابن عباس أن جميع الأشياء المخلوقة أصلها من نور العرش، وأن السماوات والأرض في الآخرة تردان إلى النور الذي أخذتا منه؛ فهما دائمتان أبدا في نور العرش‏.‏ قوله تعالى‏ {‏إلا ما شاء ربك‏}‏ في موضع نصب؛ لأنه استثناء ليس من الأول؛ وقد اختلف فيه على أقوال عشرة‏:‏ الأولى‏:‏ أنه استثناء من قوله ‏{‏ففي النار‏}‏ كأنه قال‏:‏ إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك؛ وهذا قول رواه أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري وجابر رضي الله عنهما‏.‏ وإنما لم يقل من شاء؛ لأن المراد العدد لا الأشخاص؛ كقوله ‏{‏ما طاب لكم‏} [‏النساء‏:‏ 3‏]‏‏.‏ وعن أبي نضرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏إلا من شاء ألا يدخلهم وإن شقوا بالمعصية‏)‏‏.‏ الثاني‏:‏ أن الاستثناء إنما هو للعصاة من المؤمنين في إخراجهم بعد مدة من النار؛ وعلى هذا يكون قوله‏ {‏فأما الذين شقوا‏}‏ عاما في الكفرة والعصاة، ويكون الاستثناء من ‏{‏خالدين‏}‏؛ قاله قتادة والضحاك وأبو سنان وغيرهم‏.‏ وفي الصحيح من حديث أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحممة أخرجوا منها ودخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون‏)‏ وقد تقدم هذا المعنى في ‏{‏النساء‏}‏ وغيرها‏.‏ الثالث‏:‏ أن الاستثناء من الزفير والشهيق؛ أي لهم فيها زفير وشهيق إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب الذي لم يذكره، وكذلك لأهل الجنة من النعيم ما ذكر، وما لم يذكر‏.‏ حكاه ابن الأنباري‏.‏ الرابع‏:‏ قال ابن مسعود‏ {‏خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض‏}‏ لا يموتون فيها، ولا يخرجون منها ‏{‏إلا ما شاء ربك‏}‏ وهو أن يأمر النار فتأكلهم وتفنيهم، ثم يجدد خلقهم‏.‏ قلت‏:‏ وهذا القول خاص بالكافر والاستثناء له في الأكل، وتجديد الخلق‏.‏ الخامس‏:‏ أن ‏{‏إلا‏}‏ بمعنى ‏{‏سوى‏}‏ كما تقول في الكلام‏:‏ ما معي رجل إلا زيد، ولي عليك ألفا درهم إلا الألف التي لي عليك‏.‏ قيل‏:‏ فالمعنى ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك من الخلود‏.‏ السادس‏:‏ أنه استثناء من الإخراج، وهو لا يريد أن يخرجهم منها‏.‏ كما تقول في الكلام‏:‏ أردت أن أفعل ذلك إلا أن أشاء غيره، وأنت مقيم على ذلك الفعل؛ فالمعنى أنه لو شاء أن يخرجهم لأخرجهم، ولكنه قد أعلمهم أنهم خالدون فيها، ذكر هذين القولين الزجاج عن أهل اللغة، قال‏:‏ ولأهل المعاني قولان آخران، فأحد القولين‏ {‏خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك‏}‏ من مقدار موقفهم على رأس قبورهم، وللمحاسبة، وقدر مكثهم في الدنيا، والبرزخ، والوقوف للحساب‏.‏ والقول الآخر‏:‏ وقوع الاستثناء في الزيادة على النعيم والعذاب، وتقديره‏ {‏خالدين فيها ما دامت السماوات ولأرض إلا ما شاء ربك‏}‏ من زيادة النعيم لأهل النعيم، وزيادة العذاب لأهل الجحيم‏.‏ قلت‏:‏ فالاستثناء في الزيادة من الخلود على مدة كون السماء والأرض المعهودتين في الدنيا واختاره الترمذي الحكيم أبو عبدالله محمد بن علي، أي خالدين فيها مقدار دوام السماوات والأرض، وذلك مدة العالم، وللسماء والأرض وقت يتغيران فيه، وهو قوله سبحانه ‏{‏يوم تبدل الأرض غير الأرض‏} [‏إبراهيم‏:‏ 48‏]‏ فخلق الله سبحانه الآدميين وعاملهم، واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنة، وعلى ذلك بايعهم يوم الميثاق، فمن وفي بذلك العهد فله الجنة، ومن ذهب برقبته يخلد في النار بمقدار دوام السماوات والأرض؛ فإنما دامتا للمعاملة؛ وكذلك أهل الجنة خلود في الجنة بمقدار ذلك؛ فإذا تمت هذه المعاملة وقع الجميع في مشيئة الله؛ قال الله تعالى‏ {‏وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين‏.‏ ما خلقناهما إلا بالحق‏} [‏الدخان‏:‏ 39‏]‏ فيخلد أهل الدارين بمقدار دوامهما، وهو حق الربوبية بذلك المقدار من العظمة؛ ثم أوجب لهم الأبد في كلتا الدارين لحق الأحدية؛ فمن لقيه موحدا لأحديته بقي في داوه أبدا، ومن لقيه مشركا بأحديته إلها بقي في السجن أبدا؛ فأعلم الله العباد مقدار الخلود، ثم قال‏ {‏إلا ما شاء ربك‏}‏ من زيادة المدة التي تعجز القلوب عن إدراكها لأنه لا غاية لها؛ فبالاعتقاد دام خلودهم في الدارين أبدا‏.‏ وقد قيل‏:‏ إن ‏{‏إلا‏}‏ بمعنى الواو، قاله الفراء وبعض أهل النظر وهو‏:‏ الثامن‏:‏ والمعنى‏:‏ وما شاء ربك من الزيادة في الخلود على مدة دوام السماوات والأرض في الدنيا‏.‏ وقد قيل في قوله تعالى‏ {‏إلا الذين ظلموا‏} [‏البقرة‏:‏ 150‏]‏ أي ولا الذين ظلموا‏.‏ وقال الشاعر‏:‏ وكل أخ مفارقه أخوه ** لعمر أبيك إلا الفرقدان أي والفرقدان‏.‏ وقال أبو محمد مكي‏:‏ وهذا قول بعيد عند البصريين أن تكون ‏{‏إلا‏}‏ بمعنى الواو، وقد مضى في ‏{‏البقرة‏}‏ بيانه‏.‏ وقيل‏:‏ معناه كما شاء ربك؛ كقوله تعالى‏ {‏ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف‏} [‏النساء‏:‏ 22‏]‏ أي كما قد سلف، وهو‏:‏ التاسع، العاشر‏:‏ وهو أن قوله تعالى‏ {‏إلا ما شاء رب‏}‏ إنما ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام؛ فهو على حد قوله تعالى‏ {‏لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين‏} [‏الفتح‏:‏ 27‏]‏ فهو استثناء في واجب، وهذا الاستثناء في حكم الشرط كذلك؛ كأنه قال‏:‏ إن شاء ربك؛ فليس يوصف بمتصل ولا منقطع؛ ويؤيده ويقويه قوله تعالى‏ {‏عطاء غير مجذوذ‏}‏ ونحوه عن أبي عبيد قال‏:‏ تقدمت عزيمة المشيئة من الله تعالى في خلود الفريقين في الدارين؛ فوقع لفظ الاستثناء، والعزيمة قد تقدمت في الخلود، قال‏:‏ وهذا مثل قوله تعالى‏ {‏لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين‏} [‏الفتح‏:‏ 27‏]‏ وقد علم أنهم يدخلونه حتما، فلم يوجب الاستثناء في الموضعين خيارا؛ إذ المشيئة قد تقدمة، بالعزيمة في الخلود في الدارين والدخول في المسجد الحرام؛ ونحوه عن الفراء‏.‏ وقول‏:‏ حادي عشر‏:‏ وهو أن الأشقياء هم السعداء، والسعداء هم الأشقياء لا غيرهم، والاستثناء في الموضعين راجع إليهم؛ وبيانه أن ‏{‏ما‏}‏ بمعنى ‏{‏من‏}‏ استثنى الله عز وجل من الداخلين في النار المخلدين فيها الذين يخرجون منها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بما معهم من الإيمان، واستثنى من الداخلين في الجنة المخلدين فيها الذين يدخلون النار بذنوبهم قبل دخول الجنة ثم يخرجون منها إلى الجنة‏.‏ وهم الذين وقع عليهم الاستثناء الثاني؛ كأنه قال تعالى‏ {‏فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك‏}‏ ألا يخلده فيها، وهم الخارجون منها من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بإيمانهم وبشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهم بدخولهم النار يسمون الأشقياء، وبدخلهم الجنة يسمون السعداء؛ كما روى الضحاك عن ابن عباس إذ قال‏:‏ الذين سعدوا شقوا بدخول النار ثم سعدوا بالخروج منها ودخولهم الجنة‏.‏ وقرأ الأعمش وحفص وحمزة والكسائي ‏{‏وأما الذين سعدوا‏}‏ بضم السين‏.‏ وقال أبو عمرو‏:‏ والدليل على أنه سعدوا أن الأول شقوا ولم يقل أشقوا‏.‏ قال النحاس‏:‏ ورأيت علي بن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي ‏{‏سعدوا‏}‏ مع علمه بالعربية‏!‏ إذ كان هذا لحنا لا يجوز؛ لأنه إنما يقال‏:‏ سعد فلان وأسعده الله، وأسعد مثل أمرض؛ وإنما احتج الكسائي بقولهم‏:‏ مسعود ولا حجة له فيه؛ لأنه يقال‏:‏ مكان مسعود فيه، ثم يحذف فيه ويسمى به‏.‏ وقال المهدوي‏:‏ ومن ضم السين من ‏{‏سعدوا‏}‏ فهو محمول على قولهم‏:‏ مسعود وهو شاذ قليل؛ لأنه لا يقال‏:‏ سعده الله؛ إنما يقال‏:‏ أسعده الله‏.‏ وقال الثعلبي‏ {‏سعدوا‏}‏ بضم السين أي رزقوا السعادة؛ يقال‏:‏ سعد وأسعد بمعنى واحد وقرأ الباقون ‏{‏سعدوا‏}‏ بفتح السين قياسا على {‏شقوا‏}‏ واختاره أبو عبيد وأبو حاتم‏.‏ وقال الجوهري‏:‏ والسعادة خلاف الشقاوة؛ تقول‏:‏ منه سعد الرجل بالكسر فهو سعيد، مثل سلم فهو سليم، وسعد فهو مسعود؛ ولا يقال فيه‏:‏ مسعد، كأنهم استغنوا عنه بمسعود‏.‏ وقال القشيري أبو نصر عبدالرحيم‏:‏ وقد ورد سعده الله فهو مسعود، وأسعده الله فهو مسعد؛ فهذا يقوي قول الكوفيين وقال سيبويه‏:‏ لا يقال سعد فلان كما لا يقال شقي فلان؛ لأنه مما لا يتعدى‏.‏ ‏{‏عطاء غير مجذوذ‏}‏ أي غير مقطوع؛ من جذه يجذه أي قطعه؛ قال النابغة‏:‏ تجذ السلوقي المضاعف نسجه ** وتوقد بالصفاح نار الحباحب قوله تعالى‏ {‏فلا تك‏}‏ جزم بالنهي؛ وحذفت النون لكثرة الاستعمال‏.‏ ‏{‏في مرية‏}‏ أي في شك‏.‏ {‏مما يعبد هؤلاء‏}‏ من الآلهة أنها باطل‏.‏ وأحسن من هذا‏:‏ أي قل يا محمد لكل من شك ‏{‏لا تك في مرية مما يعبد هؤلاء‏}‏ أن الله عز وجل ما أمرهم به، وإنما يعبدونها كما كان آباؤهم يفعلون تقليدا لهم‏.‏ ‏{‏وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص‏}‏ فيه ثلاثة أقوال‏:‏ أحدها‏:‏ نصيبهم من الرزق؛ قاله أبو العالية‏.‏ الثاني‏:‏ نصيبهم من العذاب؛ قال ابن زيد‏.‏ الثالث‏:‏ ما وعدوا به من خير أو شر، قاله ابن عباس رضي الله عنهما‏.

التفسير الميسّر:

وكما أخذتُ أهل القرى الظالمة بالعذاب لمخالفتهم أمري وتكذيبهم برسلي، آخذ غيرهم مِن أهل القرى إذا ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله ومعصيتهم له وتكذيبهم لرسله. إنَّ أَخْذه بالعقوبة لأليم موجع شديد.

تفسير السعدي

أي: يقصمهم بالعذاب ويبيدهم، ولا ينفعهم، ما كانوا يدعون, من دون الله من شيء.


تفسير البغوي

( وكذلك ) وهكذا ، ( أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن اسماعيل ، حدثنا صدقة بن الفضل ، أنبأنا أبو معاوية ، أنبأنا يزيد بن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ، قال : ثم قرأ : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ) الآية .


الإعراب:

(وَكَذلِكَ) الواو استئنافية والكاف حرف جر وذا اسم إشارة في محل جر واللام للبعد والكاف للخطاب متعلقان بخبر مقدم محذوف (أَخْذُ) مبتدأ مؤخر (رَبِّكَ) مضاف إليه والكاف مضاف إليه والجملة مستأنفة (إِذا) ظرف زمان يتضمن معنى الشرط (أَخْذُ) ماض فاعله مستتر والجملة مضاف إليه (الْقُرى) مفعول به منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر (وَهِيَ ظالِمَةٌ) الواو حالية ومبتدأ وخبر والجملة حالية (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ) إن واسمها والهاء مضاف إليه وأليم خبر أول والجملة مستأنفة (شَدِيدٌ) خبر ثان

---

Traslation and Transliteration:

Wakathalika akhthu rabbika itha akhatha alqura wahiya thalimatun inna akhthahu aleemun shadeedun

بيانات السورة

اسم السورة سورة هود (Hud - Hud)
ترتيبها 11
عدد آياتها 123
عدد كلماتها 1947
عدد حروفها 7633
معنى اسمها (هُودٌ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ هُودُ بنُ شَالِح، يَرْجِعُ نَسَبُهُ إِلَى سَامِ بنِ نُوحٍ عليه السلام، أَرسَلَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَى قَومِ عَادٍ فِي مَوْضِعِ الأَحْقَافِ مِنْ بِلَادِ اليَمَنِ
سبب تسميتها تَفصِيلُ قِصَّةِ هُودٍ عليه السلام فِي هَذِهِ السُّورَةِ دُونَ غَيرِهَا مِنْ سُوَرِ القُرآنِ الكريم
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (هود عليه السلام)
مقاصدها بَيَانُ مُهِمَّةِ الرُّسُلِ فِي تَقْرِيرِ عَقِيدَةِ التَّوحِيدِ وَالبَعْثِ، وَمَوقِفِ أَقْوَامِهِمْ مِنْهُمْ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آيَاتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها فِيهَا مَوْعِظَةٌ شَدِيْدَةٌ عَنِ العَذَابِ وَأَهْوَالِ يَوِمِ القِيَامَةِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي (هُودٌ) و(الْوَاقِعَةُ) و(الْمُرْسَلَاتُ) و(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) و(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)». (حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، رَواهُ التِّرمِذِيّ). هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَواهُ أَبُو دَاوُود)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ اسْمِ اللهِ الخَبِيرِ وَمُقْتَضَاهُ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ١٢٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يُونُسَ عليه السلام): اخْتُتِمَتْ سُورَةُ (يُونُسَ عليه السلام) بِاسْمِ اللهِ الحَكِيمِ فَقَالَ: ﴿ۚ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ١٠٩﴾، وافْتُتِحَتْ سُورَةُ (هود عليه السلام) بِاسْمِ اللهِ الحَكِيمِ فَقَالَ: ﴿مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


Veuillez noter que certains contenus sont traduits de l'arabe de manière semi-automatique!