الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة طه: [الآية 114]

سورة طه
فَتَعَٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ ۗ وَلَا تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰٓ إِلَيْكَ وَحْيُهُۥ ۖ وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا ﴿114﴾

تفسير الجلالين:

«فتعالى الله الملك الحق» عما يقول المشركون «ولا تعجل بالقرآن» أي بقراءته «من قبل أن يُقضى إليك وحيه» أي يفرغ جبريل من إبلاغه «وقل ربّ زدني علما» أي بالقرآن فكلما أنزل عليه منه زاد به علمه.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (111)

الوجوه منا المراد بها حقائقنا ، إذ وجه كل شيء ذاته ، وكل ما خلق اللّه من العالم فإنما خلقه اللّه على كماله في نفسه ، فذلك الكمال وجهه ، فالوجوه هنا أعيان الذوات وحقائق


الموجودات ، إذ وجه كل شيء حقيقته وذاته ، فعنت الوجوه أي خضعوا وذلوا ، وطلبوا الزيادة من العلم فيما لا علم لهم به منه ، وهو العلم باللّه عن طريق التجلي والذوق ، ولذلك قال : عنت أي ذلت ، فلما تجلى اسمه «الحي» حييت الموجودات «والقيوم» فقامت به الأرض والسماوات ومن فيهن من عوالم البقاء والاستحالات ، فعنت لحياته الوجوه وسجدت لقيوميته الجباه ، وأقنعت لعظمته الرؤوس وتحركت بذكره الشفاه" وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً"

[سورة طه (20) : الآيات 112 إلى 114]

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً (112) وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (113) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (114)

[ الوحي وحيان ]

الوحي وحيان : وحي قرآن ووحي فرقان ؛ ووحي القرآن هو الأول فإن القرآن حصل عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم مجملا غير مفصل الآيات والسور ، فلما أوحى اللّه إلى محمد صلّى اللّه عليه وسلم كان يعجل بالقرآن حين كان ينزل عليه جبريل عليه السلام بالفرقان ، قبل أن يقضى إليه وحيه ، ليعلم بالحال أن اللّه تولى تعليمه من الوجه الخاص الذي لا يشعر به الملك ، وجعل اللّه الملك النازل بالوحي صورة حجابية ، فقيل له «وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ» الذي عندك فتلقيه مجملا فلا يفهم عنك «مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ» فرقانا مفصلا ، فأمر صلّى اللّه عليه وسلم بالتأني عند الوحي أدبا مع المعلم الذي أتاه به من قبل ربه ، فهو صلّى اللّه عليه وسلم مصغ تابع للملك هنا ، وقد قال تعالى له فيما أوحى إليه (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) كذلك أدبا مع أستاذه جبريل[ «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» ] «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» بتفصيل ما أجملته فيّ من المعاني ، فما أشرف العلم ، فهو الصفة الشريفة التي أخبر اللّه تعالى نبيه محمدا صلّى اللّه عليه وسلم وسلم بالزيادة منها ، ولم يقل ذلك في غيره من الصفات ، فإن فيه الشرف التام ، وليس في الصفات أعم منه تعلقا ، لتعلقه بالواجبات والجائزات والمستحيلات ، وغيره من الصفات ليس كذلك ، وحدّ العلم


وحقيقته المطلقة معرفة الشيء على ما هو عليه ، والمفيدة العمل به ، وهو الذي يعطيك السعادة الأبدية ، ولا تخالف فيه ، فهو نور من أنوار اللّه تعالى يقذفه في قلب من أراد من عباده ، وهو معنى قائم بنفس العبد يطلعه على حقائق الأشياء ، وهو للبصيرة كنور الشمس للبصر ، بل أتم وأشرف ، وكل من ادعى علما من غير عمل فدعواه كاذبة إن تعلق به خطاب عمل ، ولهذا لم يأمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يطلب من اللّه تعالى الزيادة من شيء إلا من العلم ، فإنه أشرف الصفات وأنزه السمات ، فالعلم سبب النجاة وإن شقي في الطريق ، فالمآل إلى النجاة ، فلو علم المشرك ما يستحقه الحق من نعوت الجلال لعلم أنه لا يستحق أن يشرك به ، ولو علم المشرك أن الذي جعله شريكا لا يستحق أن يوصف بالشركة للّه في ألوهته لما أشرك ، فما أخذ إلا بالجهل من الطرفين .

ولما كانت العلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زكت نفسه وعظمت مرتبته أعلاها العلم باللّه ،

لهذا أمر الحق تعالى نبيه أن يقول «رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» فهذا العلم الذي أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بطلب المزيد منه ، هو العلم باللّه عن طريق التجلي والذوق ، فإنه أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، لا علم التكليف ، فإن النقص منه هو مطلوب الأنبياء عليهم السلام ،

فقوله تعالى «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» يريد من العلم به ، من حيث ما له تعالى من الوجوه في كل مخلوق ومبدع ،

وهو علم الحقيقة ، فإنه لما كان الخلق على الدوام دنيا وآخرة فالمعرفة تحدث على الدوام دنيا وآخرة ، ولذا أمر بطلب الزيادة من العلم ، أتراه أمره صلّى اللّه عليه وسلم بطلب الزيادة من العلم بالأكوان ؟ لا واللّه ، ما أمر إلا بالزيادة من العلم باللّه ، بالنظر فيما يحدثه من الكون ، فيعطيه ذلك الكون عن أيّة نسبة إلهية ظهر ،

ولهذا نبّه صلّى اللّه عليه وسلم القلوب في دعائه [ اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم غيبك ]

والأسماء نسب إلهية والغيب لا نهاية له ، فلا بد من الخلق على الدوام ، فكأنما يقول صلّى اللّه عليه وسلم : ارفع عني اللّبس الذي يحول بيني وبين العلم بالخلق الجديد ، فيفوتني خير كثير حصل في الوجود لا أعلمه ، لذا أمر اللّه نبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يدعوه بأن يزيده بطلبه علما به في كل ما يعطيه ، وهو وجه الحق في كل شيء ،

فما طلب الزيادة من علم الشريعة ، بل كان يقول [ اتركوني ما تركتكم ]

فالشرف كله إنما هو في العلم ، والعالم به بحسب ذلك العلم ، فإن أعطى عملا في جانب الحق عمل به ، وإن أعطاه عملا في جانب الخلق عمل به ، فهو يمشي في بيضاء نقية سمحاء ،


لا يرى فيه عوجا ولا أمتا ، وما طلب الزيادة من العلم إلا من الرب ، ولهذا جاء مضافا لاحتياج العالم إليه أكثر من غيره من الأسماء ، لأنه اسم لجميع المصالح ، وهو من الأسماء الثلاث الأمهات ، وهي : اللّه والرحمن والرب ، فقال «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» أي زدني من كلامك ما أزيد به علما بك ، يرقى به عنده منزلة لم تكن له ، فالمراد بهذه الزيادة من العلم المتعلق بالإله ليزيد معرفة بتوحيد الكثرة ، فتزيد رغبته في تحميده ، فيزاد فضلا على تحميده دون انتهاء ولا انقطاع ، فطلب منه الزيادة وقد حصل من العلوم والأسرار ما لم يبلغه أحد ، ومما يؤيد ما ذكرناه من أنه أمر بالزيادة من علم التوحيد لا من غيره ، أنه كان صلّى اللّه عليه وسلم إذا أكل طعاما قال [ اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ]

وإذا شرب لبنا قال [ اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ] لأنه أمر بطلب الزيادة ،

فكان يتذكر عندما يرى اللبن اللبن الذي شربه ليلة الإسراء ،

فقال له جبريل : أصبت الفطرة أصاب اللّه بك أمتك ، والفطرة علم التوحيد الذي فطر اللّه الخلق عليها حين أشهدهم حين قبضهم من ظهورهم

وقال لهم : ألست بربكم ؟

قالوا : بلى ، فشاهدوا الربوبية قبل كل شيء ، ولهذا تأول صلّى اللّه عليه وسلم اللبن لما شربه في النوم وناول فضله عمر ، قيل : ما أولته يا رسول اللّه ؟

قال : العلم ، فلو لا حقيقة مناسبة بين العلم واللبن جامعة ما ظهر بصورته في عالم الخيال ، عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله ،

واعلم أن اللّه تعالى أمر نبيه أن يقول «رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» وما أمره إلى وقت معين ولا حد محدود ، بل أطلق ، فطلب الزيادة والعطاء دنيا وآخرة ، فقد أمر صلّى اللّه عليه وسلم بطلب الزيادة مع كونه قد حصل علم الأولين والآخرين وأوتي جوامع الكلم ، فإنه لا يعظم على اللّه شيء طلب منه ، فإن المطلوب منه لا يتناهى فليس له طرف نقف عنده ، فوسع في طلب المزيد ، يقول النبي صلّى اللّه عليه وسلم في شأن يوم القيامة [ فأحمده ]

يعني إذا طلب الشفاعة [ بمحامد يعلمنيها اللّه لا أعلمها الآن ] فاللّه لا يزال خلاقا إلى غير نهاية فينا ، فالعلوم إلى غير نهاية ، ولا شيء أشرف من العلم ، ولم يأمر بطلب زيادة في غيره من الصفات ، لأنه الصفة العامة التي لها الإحاطة بكل صفة وموصوف فطلب المزيد من العلم عبادة مأمور بها .

فالعلم أشرف نعت ناله بشر *** وصاحب العلم محفوظ عليه مصون

إن قام قام به أو راح راح به *** والحال والمال في حكم الزوال يكون

ولما كانت أعلى الطرق إلى العلم باللّه علم التجليات ، أردف سبحانه هذه الآية بقوله «وَعَنَتِ


الوجوه للحي القيوم» أي ذلت فأراد علوم التجلي ، والتجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، وهي علوم الأذواق ، وكل تجل إلهي لا بد أن يصحبه زيادة في العلم ، فزاد هنا من العلم العلم بشرف التأني عند الوحي ، فقوله تعالى «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً»

بما يكون من اللّه إليه برفع الوسائط ، وما أسمعنا اللّه ذلك إلا تنبيها لنقول ذلك ونطلبه من اللّه ، ولو كان خصوصا بالنبي لم يسمعنا ، أو كان يذكر أنه خاص به كما قال في نكاح الهبة ،

فإذا سأل الإنسان مزيد العلم فليسأل كما أمر اللّه تعالى نبيه أن يسأل إذ قال له «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» فنكر ولم يعين ، فعمّ ،

فأي علم نزل عليه دخل تحت هذا السؤال ، فإن النزول عن سؤال أعظم لذة من النزول عن غير سؤال ، فإن في ذلك إدراك البغية وذلة الافتقار ، وإعطاء الربوبية حقها والعبودة حقها ، وفي العلم المنزل عن السؤال من علو المنزلة ما لا يقدّر قدر ذلك إلا اللّه

- تحقيق -إذا قلت : ما لا بد منه هو يأتيك من غير طلب ، لأنه من المحال الإقامة على أمر واحد زمانين ، فلا يحتاج إلى طلب الزائد ،

قلنا : قال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلم «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً» ينبهه وإيانا على أن ثمّ أمرا آخر زائدا على ما هو الحاصل في الوقت ، لنتهمم لقدومه ، وليظهر من العبد الافتقار إلى اللّه بالدعاء في طلب الزيادة ، والزائد غير معيّن عندك ، فإذا عينه الدعاء والحق يجيب ، فقد تعيّن عندك ما تدعو فيه ، وهو الذي أمر اللّه به نبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يزيده بطلبه علما به في كل ما يعطيه .

والعلم أشرف ما يؤتيه من منح ***والكشف أعظم منهاج وأوضحه

فإن سألت إله الحق في طلب *** فسله كشفا فإن اللّه يمنحه

وأدمن القرع إن الباب أغلقه *** دعوى الكيان وجود اللّه يفتحه

[سورة طه (20) : الآية 115]

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)

خلق اللّه تعالى آدم بيديه وما حفظه من المعصية ولا من النسيان ، وما توجهت اليدان إلا على طينته وطبيعته ، وما جاءته الوسوسة إلا من جهة طبيعته ، لأن الشيطان وسوس إليه وهو مخلوق من جزء ما خلق منه آدم ، فما نسي ولا قبل الوسوسة إلا من طبيعته ،

فإن هذه النشأة من حكم الطبيعة فيها الجحد والنسيان ،

فكانت حركة آدم في جحده حركة طبيعية ، وفي نسيانه أثر طبيعي ، فلو تناسى لكان الأمر من حركة الطبيعة ، كالجحد من


حيث أنه جحد هو أثر طبيعي ، ومن حيث ما هو جحد بكذا هو حكم طبيعي لا أثر ، فهذا الفرق بين حكم الطبيعة وبين أثرها ، والنسيان من أثرها والتناسي من حكمها ، والغفلة من أثرها والتغافل من حكمها ، وقليل من العلماء باللّه من يفرق بين حكم الطبيعة وأثرها ،

فاجتمع في آدم حكم الطبيعة بالجحد ، لأنه الأول الجامع في ظهره للجاحدين من أبنائه ، لأن آدم إنسان كامل ، وكذا النسيان الواقع منه هو من أثر الطبيعة وحكم الأبناء ، فإنه حامل في ظهره للناسين من أبنائه ، فحكموا عليه بالنسيان ، وسرى الجحد والنسيان في بني آدم من جحد آدم ونسيانه جبرا لقلب آدم ،

قال تعالى «وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ» والذي نسي آدم إنما هو قوله تعالى (هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ)

فنسي ما أخبره اللّه به من عداوته ، فقبل نصيحته ، فنسيان آدم عليه السلام إنما كان أخبره اللّه تعالى به من عداوة إبليس ، وما تخيل آدم عليه السلام أن أحدا يقسم باللّه كاذبا ،

فلما أقسم باللّه إنه ناصح لهما فيما ذكره لهما ، تناولا من الشجرة المنهي عنها ، وفي هذا تنبيه في أن الاجتهاد لا يسوغ مع وجود النص في المسألة ، وربما وقعت المعصية بتأويل منه ، ولو نسي النهي ما عوقب أصلا ، وإنما نسي ما ذكرناه ، وفي عداوة إبليس لحواء بشرى لها بالسعادة لأنها لو كانت من حزب الشيطان ما كان عدوا له

«وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً» وهو عمل الباطن ، فبرأ الحق باطن آدم من المعصية ، وكان عند اللّه وجيها مجتبى ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [ نسي آدم فنسيت ذريته ، وجحد آدم فجحدت ذريته ]

وهذا حديث بشرى من النبي صلّى اللّه عليه وسلم ، فإن آدم رحمه اللّه فرحمت ذريته ، حيثما كانوا جعل لهم رحمة تخصهم ، بأي دار أنزلهم اللّه تعالى .

[سورة طه (20) : الآيات116إلى 119]

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَاآدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)

الترتيب في الظاهر على خلاف ذلك ، ولكن الحكمة في ذلك أن الحرارة سبب الظمأ ، فقرنه بالضحى ، والجوع تعرية باطن الحيوان ، فذلك قرنه بتعرية ظاهر الأبدان.


[سورة طه (20) : الآيات 120]

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَاآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120)

فصدقه وهو الكذوب ، فتلطّف إبليس في الإغواء تلطف المستدرج في الاستدراج ، والماكر في المكر ، والخادع في الخداع ، فكان لآدم بعد المؤاخذة ما أعطته خاصية تلك الشجرة لمن أكل من ثمرها من الخلد والملك الذي لا يبلى .

[سورة طه (20) : الآيات 121]

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121)

اعلم أن الأمر الإلهي لا يخالف الإرادة ، فإنها داخلة في حدّه وحقيقته ، وإنما وقع الالتباس من تسميتهم صيغة الأمر أمرا وليست بأمر ، والصيغة مرادة بلا شك ، فأوامر الحق إذا وردت على ألسنة المبلغين فهي صيغ الأوامر لا الأوامر فتعصى ،

وقد يأمر الآمر بما لا يريد وقوع المأمور به ، فما عصى أحد قط أمر اللّه ، وهو قوله إذا أراد شيئا أن يقول له : كن فيكون ؛

وبهذا علمنا أن النهي الذي خوطب به آدم عن قرب الشجرة إنما كان بصيغة لغة الملك الذي أوحى إليه به ، ولما علم إبليس أن آدم محفوظ من اللّه ، ورأى اللّه قد نهاه عن قرب الشجرة لا قرب الثمرة ، جاء بصورة الأكل لا بصورة القرب ،

فإنه علم أنه لا يفعل لنهي ربه إياه عن قرب الشجرة ، فأتاه بثمرها فأكل آدم وزوجته حواء ، وصدّقا إبليس وهو الكذوب في قوله (هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)

ولما كان آدم قد نهي ولم يؤمر أمر إيجاب ، وكان حاملا للمخالف من ولده في ظهره والطائع ، فأوقع المخالفة عن حركة المخالف ، فلما رماه من صلبه ، ما بلغنا أن آدم عليه السلام عصى ربه بعد ذلك أبدا ، وأفرد بالمعصية دون أهله في قوله «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ»

- الوجه الأول-والنهي وقع عليهما والفعل وقع عنهما ، لأنها بعض من كلّه ، فهي جزء منه ، فكأنها ما ثمّ إلا هو ، فأهدرت في اللفظ ولم تذكر ، وذكر آدم «فَغَوى» ومن غوى هوى ، ألا تراه هبط ، وفي يديه سقط ، فاستدرك الغلط حين هبط ، فتلقى من ربه ما تلقاه من الكلمات فتاب ، ففاز بحسن المآب ، لأنه ما قصد انتهاك الحرمة ، ولا الخروج من النور إلى الظلمة

- الوجه الثاني - «وَعَصى


آدَمُ رَبَّهُ» لما نهاه عن قرب الشجرة فأكل من ثمرتها ، فأضاف المعصية إلى ظاهر آدم ، لأن المعصية بالظاهر وقعت وهو القرب من الشجرة والأكل ، بعد أن برأ باطنه منها ، وما حفظ اللّه تعالى آدم من المعصية مما حمله في طينته من عصاة بنيه ، فآدم عليه السلام مع خلقه باليدين عصى بنفسه ولم يحفظ «فَغَوى» أي فخاف ، وهو قد أكل بالتأويل وظن أنه مصيب غير منتهك للحرمة في نفس الأمر ، وكان متعلق النهي القرب لا الأكل . فيقوى التأويل وغوى هنا بمعنى خاف ،

قال الشاعر «1» : ومن يغو لا يعدم على الغي لائما ؛ ولما كان آدم هو الأب الأعظم في الجسمية ، والمقرب عند اللّه وأول هذه النشأة الترابية ، ظهرت فيه المقامات كلها حتى المخالفة ، إذ كان جامعا للقبضتين : قبضة الوفاق وقبضة الخلاف ، فما تحرك من آدم لمخالفة النهي إلا النسمة المجبولة على المخالفة ، فكانت مخالفته نهي اللّه من تحرك تلك النسمة التي كان يحملها في ظهره لما عصى ، ثم خاف ، قال اللّه تعالى في حقه .

[سورة طه (20) : الآية 122]

ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)

«ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ» فهو مجتبى ، فآدم عليه السلام لولا خطيئته ما ظهرت سيادته في الدنيا ، فهي التي أورثته الاجتباء ، فما خرج من الجنة بخطيئته إلا لتظهر سيادته ، فكان هبوطه هبوط خلافة لا هبوط بعد «فَتابَ عَلَيْهِ» فكان اللّه هو التائب لا آدم ، والذي صدر من آدم ما اقتضته خاصية الكلمات التي تلقاها ، وما فيها ذكر توبته ، وإنما هو مجرد اعتراف وهو قوله (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) فأنتج لهما هذا الاعتراف قوله تعالى «فَتابَ عَلَيْهِ» أي رجع عليه بالرحمة ، فرجع عليه بستره ، فحال بينه ذلك الستر الإلهي وبين العقوبة التي تقتضيها المخالفة ، وجعل ذلك من عناية الاجتباء ، أي لما اجتباه أعطاه الكلمات ، ورجع عليه بالصفة التي كان يعامله بها ابتداء من التقريب ، والاعتناء الذي جعله خليفة عنه في خلقه ، وكمل به وفيه وجود العالم «وَهَدى»

- الوجه


(1) أنشد الأصمعي للمرقّش :

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره *** ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائم

وغوى عند الجوهري بمعنى خاب (تاج العروس ، ولسان العرب) ولا يوجد في المعاجم غوى بمعنى خاف إلا أن تكون لغة لم تصل إلينا أو تصحيفا لخاب ، وخاف أليق بمكانة آدم عليه السلام .


الأول-أي بيّن له قدر ما فعل وقدر ما يستحقه من الجزاء ، وقدر ما أنعم عليه من الاجتباء ، وبيّن له أنه رجع عليه بالرحمة فعمّته

- الوجه الثاني- «وَهَدى» به من هدى ، ومع التوبة قال له : اهبط ، هبوط ولاية واستخلاف لا هبوط طرد ، فهو هبوط مكان لا هبوط رتبة ، ولهذا يضعف القول بتسرمد العذاب ، فإن النار مع كونها دار ألم فإن حكم العذاب زائد على كونها دارا ، فإنا نعلم أن خزنتها في نعيم دائم ، ما هم فيها بمعذبين مع كونهم ما هم منها بمخرجين ، لأنهم لها خلقوا ، وهي دائمة والساكن فيها دائم لكونه مخلوقا لها ، فلما شملت الرحمة آدم بجملته ، وكان حاملا لكل بنيه بالقوة ، عمت الرحمة الجميع ، إذ لا تحجير ، ولا كان يستحق أن يسمى آدم مرحوما وفيه من لا يقبل الرحمة ، والحق يقول «فَتابَ عَلَيْهِ»

أي رجع عليه بالرحمة «وَهَدى» أي بيّن له أنه رجع عليه بها فعمته ، ولهذا يرجى لأهل الشقاء أن لا يتسرمد عليهم العذاب ، قال تعالى «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى» وما تركه سدى ، فأغاظ اللّه به الأعداء ، وأفرح به الملائكة الأوداء ، فتلقى من ربه الكلمات ، وكانت له من أعظم الهبات ، فتحقق بحقائق المحبة ، ورجع إلى ما كان عليه من المنزلة والقربة ، وهذا حكم سار في الذرية ، أعطته هذه البنية ، فما ثمّ إلا من همّ ولمّ ، وإن كان الموجود الأتم ، فاعلم إن كنت تعلم ، فاجتبي آدم عليه السلام قبل أن يتاب عليه ، لأن سابقة قدمه سبقت إليه.

[سورة طه (20) : الآيات 123إلى 125]

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)

قلنا إن السمع والبصر قسمان :عادي وحقيقي،

فالعادي سمع القلب بالأذن وإبصاره بالعين، وهو عام في المؤمن والكافر ،

والحقيقي بصر العين بالقلبوسمع الأذن به، وقد نفاه اللّه تعالى عن الكافر في غير ما آية ، وبهذا يفهم قوله تعالى «وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ، قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً» مع العلم بأن اللّه تعالى يعيدهم بأبصارهم


العادية كحالهم في الدنيا ، تحقيقا لقوله تعالى (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) ولكن الحكم في تلك الدار للأبصار الحقيقية المستفادة من نور صفاته ، بواسطة استجابة القلب لآياته ، وتوجهه لنورها إلى عالم الغيب ، وقلب الكافر في الدنيا كان خاليا من نور التوحيد ، فكان بصره لا يرجع إلى قلبه ، لأنه لا مدد له إلا من حسه ، وهو أعمى عن نور آيات التوحيد ، لا جرم أنه يحشر يوم القيامة أعمى كما كان في الدنيا ، لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء ، فكذلك إذا قال «لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً ".

[سورة طه (20) : الآية 126]

قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)

أي لا بصر في هذه الدار إلا من نور صفاتي المستفادة من الاستجابة لآياتي ، ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور

ولذلك قال تعالى:

[سورة طه (20) : الآيات 127إلى 130]

وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130)

الصباح والمساء أطراف النهار ، فالمساء ابتداء الليل ، والصباح انتهاء الليل ، والنهار ما بين الانتهاء والابتداء ، والليل ما بين الابتداء والانتهاء ،

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [ من سبّح اللّه مائة بالغداة ومائة بالعشي كان كمن حج مائة حجة ] يعني مقبولة

[ ومن حمد اللّه مائة بالغداة ومائة بالعشي كان كمن حمل على مائة فرس في سبيل اللّه ، أو قال غزا مائة غزوة ، ومن هلل اللّه مائة بالغداة ومائة بالعشي كان كمن أعتق مائة رقبة من ولد إسماعيل ، ومن كبر اللّه مائة بالغداة ومائة بالعشي لم يأت في ذلك اليوم أحد أكثر مما أتى إلّا من قال مثل


ما قال أو زاد على ما قال ] أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب ،

وهو قوله عزّ وجل «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها» فأمرنا بالتسبيح آناء الليل وأطراف النهار ، وما تعرض لذكر النهار في هذا الحكم لأنه قال (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلً) أي فراغا ، فالنهار لك والليل وأطراف النهار له ، فإذا كنت له في الليل وأطراف النهار كان لك هو في النهار ، فعطايا الليل وأطراف النهار جزاء التسبيح ، وعطايا النهار جزاء الاشتغال والفراغ إلى الحق في آناء الليل وأطراف النهار.

[سورة طه (20) : الآية 131]

وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)

"وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ» ليس هذا قوله تعالى (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ)

فإن الغض له حكم آخر ، لأنه نقص مما تمتد العين إليه ، والنقص هنا أن لا يمد إلى أمر خاص ، أي إلى مرئي خاص ، فعلم ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فزاد علما إلى علمه ،" إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا "

وقد جعل اللّه النساء زهرة حيث كن ، فإذا كن في الدنيا كن زهرة الحياة الدنيا ، فوقع النعيم بهن حيث كن ، وأحكام الأماكن تختلف ، فهن وإن خلقن للنعيم في الدنيا فهن فتنة «لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ» يستخرج الحق بهن ما خفي عنا فينا مما هو به عالم ولا نعلمه من نفوسنا ، فيقوم به الحجة لنا وعلينا ، وما فتنهم الحق إلا بما سماه زهرة لهم ،

لما كانت الزهرة دليلة على الثمرة ومتنزها للبصر ومعطية الرائحة الطيبة ،

فإذا لم يدرك صاحب هذه الزهرة رائحتها ولا شهدها زهرة وإنما شهدها امرأة ولا علم دلالتها التي سيقت له على الخصوص وزوجت به ،

وتنعم بها ونال منها ما نال بحيوانيته لا بروحه وعقله ، فلا فرق بينه وبين سائر الحيوان ، بل الحيوان خير منه ، لأن كل حيوان مشاهد لفصله المقوم له ، وهذا الشخص ما وقف مع فصله المقوّم له :

كل شخص زوجه من نفسه *** ولهذا زوجه من جنسه

فهو كل وهي جزء فلذا *** كثرت أزواجه من نفسه

«وَرِزْقُ رَبِّكَ» ما أعطاك مما أنت عليه في وقتك ، وما لم يعطك وهو لا بد لك فلا بد من


وصوله إليك ، وما أبطأ به إلا الوقت الزماني الذي هو له ، وما ليس لك فلا يصل إليك ، فتتعب نفسك حيث طمعت في غير مطمع ، وما أعني بقولنا إنه لك إلا ما تناله على الحد الإلهي الذي أباحه لك ، وإن نلته على غير ذلك الحد فما نلت ما هو لك من جانب الحق ، إنما نلت ما هو لك من جانب الطبع ، وليس المراد في الدنيا إلا ما تناله من جانب الحق ، فالحق للدنيا والطبع للآخرة ، والطبع له الإباحة والحق له التحجير ، فانظر إلى عطايا ربك فإنها أكثر ما تكون ابتلاء ، ولا تعرف ذلك إلا بالميزان ، وذلك أن كل عطاء يصل إليك فهو رزق ربك ، ولكن على الميزان المشروع فهو «خَيْرٌ وَأَبْقى» والذي هو خير وأبقى هو الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت الذي رزقه ، فإنه تعالى لا يتّهم في إعطائه الأصلح لعبده ، فما أعطاه إلا ما هو خير في حقه وأسعد عند اللّه وإن قل ، فإنه ربما لو أعطاه ما يتمناه العبد طغى وحال بينه وبين سعادته ، فإن الدنيا دار فتنة.

[سورة طه (20) : الآية 132]

وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)

" وَاصْطَبِرْ عَلَيْها» يريد الصلاة ، قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) يعني بالصبر على الصلاة .

[سورة طه (20) : الآيات 127إلى 130]

وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)

أذل الأذلاء من كان له عزّ وجل ، لأن ذل الذليل على قدر من ذلّ تحت عزّه ، ولا عز أعظم من عز الحق ، فلا ذل أذل ممن هو للّه ، ومن ذل للّه لا يذل لغير اللّه أصلا ، وأما الخزي فلا يخزى إذا كان للّه ، فإن الخزي لا يكون من اللّه لمن هو له ، وإنما يكون لمن هو لغير اللّه في شهوده ، ولذلك قالت خديجة وورقة بن نوفل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم [ كلا واللّه ل


يخزيك اللّه أبدا ] لما ذكر له ابتداء نزول الناموس عليه ، فالذل صفة شريفة إذا كانت الذلة للّه ، والخزي صفة ذميمة بكل وجه ، فالخزي الذي يقوم بالعبد إنما هو ما جناه على نفسه بجهله وتعديه رسوم سيده وحدوده ، فجميع مذام الأخلاق وسفسافها صفات مخزية عند اللّه وفي العرف ، فمن كان للّه لم يذل ولا يخزى أبدا .

------------

(111) الفتوحات ج 2 / 182 ، 671 - ج 1 / 166 - كتاب التنزلات الموصلية

تفسير ابن كثير:

وقوله : ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) كقوله تعالى في سورة " لا أقسم بيوم القيامة " ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ) [ القيامة : 16 - 19 ] ، وثبت في الصحيح عن ابن عباس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج من الوحي شدة ، فكان مما يحرك لسانه ، فأنزل الله هذه الآية يعني : أنه ، عليه السلام ، كان إذا جاءه جبريل بالوحي ، كلما قال جبريل آية قالها معه ، من شدة حرصه على حفظ القرآن ، فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه; لئلا يشق عليه . فقال : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) أي : أن نجمعه في صدرك ، ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئا ، ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه )

وقال في هذه الآية : ( ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي : بل أنصت ، فإذا فرغ الملك من قراءته عليك فاقرأه بعده ، ( وقل رب زدني علما ) أي : زدني منك علما .

قال ابن عيينة ، رحمه الله : ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة [ من العلم ] حتى توفاه الله عز وجل .

ولهذا جاء في الحديث : " إن الله تابع الوحي على رسوله ، حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر ابن أبى شيبة ، حدثنا عبد الله بن نمير ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن ثابت ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم انفعني بما علمتني ، وعلمني ما ينفعني ، وزدني علما ، والحمد لله على كل حال " .

وأخرجه الترمذي ، عن أبي كريب ، عن عبد الله بن نمير ، به . وقال : غريب من هذا الوجه . ورواه البزار عن عمرو بن علي الفلاس ، عن أبي عاصم ، عن موسى بن عبيدة ، به . وزاد في آخره : " وأعوذ بالله من حال أهل النار " .


تفسير الطبري :

قوله تعالى{وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا} أي كما بينا لك في هذه السورة من البيان فكذلك جعلناه {قرآنا عربيا} أي بلغة العرب. {وصرفنا فيه من الوعيد} أي بينا ما فيه من التخويف والتهديد والثواب والعقاب. {لعلهم يتقون} أي يخافون الله فيجتنبون معاصيه، ويحذرون عقابه. {أو يحدث لهم ذكرا} أي موعظة. وقال قتادة : حذرا وورعا. وقيل : شرفا؛ فالذكر ها هنا بمعنى الشرف؛ كقول{وإنه لذكر لك ولقومك}[الزخرف 44]. وقيل : أي ليتذكروا العذاب الذي توعدوا به. وقرأ الحسن {أو نحدث} بالنون؛ وروي عنه رفع الثاء وجزمها. قوله تعالى{فتعالى الله الملك الحق} لما عرف العباد عظيم نعمه، وإنزال القرآن نزه نفسه عن الأولاد والأنداد فقال{فتعالى الله} أي جل الله الملك الحق؛ أي ذو الحق. {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} علم نبيه كيف يتلقى القرآن. قال ابن عباس كان عليه السلام يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل من الوحي حرصا على الحفظ، وشفقة على القرآن مخافة النسيان، فنهاه الله عن ذلك وأنزل {ولا تعجل بالقرآن} وهذا كقوله{لا تحرك به لسانك لتعجل به}[القيامة : 16] على ما يأتي. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : لا تتله قبل أن تتبينه. وقيل{ولا تعجل} أي لا تسل إنزاله {من قبل أن يقضى} أي يأتيك {وحيه}. وقيل : المعنى لا تلقه إلى الناس قبل أن يأتيك بيان تأويله. {وقل رب زدني علما} قال الحسن : نزلت في رجل لطم وجه امرأته؛ فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تطلب القصاص، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لها القصاص فنزل {الرجال قوامون على النساء}[النساء 34] ولهذا قال{وقل رب زدني علما} أي فهما؛ لأنه عليه السلام حكم بالقصاص وأبى الله ذلك. وقرأ ابن مسعود وغيره{ من قبل أن نقضي} بالنون وكسر الضاد {وحيَه} بالنصب.

التفسير الميسّر:

فتنزَّه الله - سبحانه - وارتفع، وتقدَّس عن كل نقص، الملك الذي قهر سلطانه كل ملك وجبار، المتصرف بكل شيء، الذي هو حق، ووعده حق، ووعيده حق، وكل شيء منه حق. ولا تعجل - أيها الرسول - بمسابقة جبريل في تَلَقِّي القرآن قبل أن يَفْرَغ منه، وقل: ربِّ زدني علمًا إلى ما علمتني.

تفسير السعدي

لما ذكر تعالى حكمه الجزائي في عباده، وحكمه الأمري الديني، الذي أنزله في كتابه، وكان هذا من آثار ملكه قال: { فَتَعَالَى اللَّهُ } أي: جل وارتفع وتقدس عن كل نقص وآفة، { الْمُلْكُ } الذي الملك وصفه، والخلق كلهم مماليك له، وأحكام الملك القدرية والشرعية، نافذة فيهم.

{ الْحَقُّ } أي: وجوده وملكه وكماله حق، فصفات الكمال، لا تكون حقيقة إلا لذي الجلال، ومن ذلك: الملك، فإن غيره من الخلق، وإن كان له ملك في بعض الأوقات، على بعض الأشياء، فإنه ملك قاصر باطل يزول، وأما الرب، فلا يزال ولا يزول ملكا حيا قيوما جليلا.

{ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } أي: لا تبادر بتلقف القرآن حين يتلوه عليك جبريل، واصبر حتى يفرغ منه، فإذا فرغ منه فاقرأه، فإن الله قد ضمن لك جمعه في صدرك وقراءتك إياه، كما قال تعالى: { لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } ولما كانت عجلته صلى الله عليه وسلم، على تلقف الوحي ومبادرته إليه، تدل على محبته التامة للعلم وحرصه عليه، أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم، فإن العلم خير، وكثرة الخير مطلوبة، وهي من الله، والطريق إليها الاجتهاد، والشوق للعلم، وسؤال الله، والاستعانة به، والافتقار إليه في كل وقت.

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة، الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال، ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم، فإنه سبب للحرمان، وكذلك المسئول، ينبغي له أن يستملي سؤال السائل، ويعرف المقصود منه قبل الجواب، فإن ذلك سبب لإصابة الصواب.


تفسير البغوي

( فتعالى الله الملك الحق ) جل الله عن إلحاد الملحدين وعما يقوله المشركون ، ( ولا تعجل بالقرآن ) أراد النبي صلى الله عليه وسلم ، كان إذا نزل عليه جبريل بالقرآن يبادر فيقرأ معه ، قبل أن يفرغ جبريل مما يريد من التلاوة ، ومخافة الانفلات والنسيان ، فنهاه الله عن ذلك وقال : ( ولا تعجل بالقرآن ) أي لا تعجل بقراءته ( من قبل أن يقضى إليك وحيه ) أي : من قبل أن يفرغ جبريل من الإبلاغ ، نظيره قوله تعالى : " لا تحرك به لسانك لتعجل به " ( سورة القيامة : 16 ) وقرأ يعقوب : " نقضي " بالنون وفتحها وكسر الضاد ، وفتح الياء : " وحيه " بالنصب .

قال مجاهد وقتادة : معناه لا تقرئه أصحابك ، ولا تمله عليهم حتى يتبين لك معانيه .

( وقل رب زدني علما ) يعني بالقرآن ومعانيه . وقيل : علما إلى ما علمت .

وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم رب زدني علما وإيمانا ويقينا .


الإعراب:

(فَتَعالَى) الفاء استئنافية تعالى ماض مبني على الفتح المقدر (اللَّهُ) لفظ الجلالة فاعل (الْمَلِكُ الْحَقُّ) صفتان مرفوعتان والجملة استئنافية (وَلا) الواو عاطفة ولا ناهية (تَعْجَلْ) مضارع مجزوم بلا الناهية فاعله مستتر (بِالْقُرْآنِ) متعلقان بتعجل (مِنْ قَبْلِ) متعلقان بتعجل (أَنْ) ناصبة (يُقْضى) مضارع مبني للمجهول (إِلَيْكَ) متعلقان بيقضى (وَحْيُهُ) نائب فاعل والهاء مضاف إليه (وَقُلْ) الجملة معطوفة (رَبِّ) منادى بأداة نداء محذوفة وهو منصوب على النداء ومضاف إلى ياء المتكلم المحذوفة (زِدْنِي) فعل دعاء والنون للوقاية والياء في محل نصب مفعول به أول (عِلْماً) مفعول به ثان وجملة النداء والتي بعدها مقول القول.

---

Traslation and Transliteration:

FataAAala Allahu almaliku alhaqqu wala taAAjal bialqurani min qabli an yuqda ilayka wahyuhu waqul rabbi zidnee AAilman

بيانات السورة

اسم السورة سورة طه (Ta-ha - Ta-Ha)
ترتيبها 20
عدد آياتها 135
عدد كلماتها 1354
عدد حروفها 5288
معنى اسمها (طَهَ): حَرْفَانِ لَا يَعلَمُ مَعْنَاهُمَا إِلَّا اللهُ، كَبَقِيَّةِ الْحُرُوفِ المُقَطَّعَةِ فِي مُفْتَتَحِ بَعْضِ السُّوَرِ (1)
سبب تسميتها انْفِرَادُ السُّورَةِ بِمُفْتَتَحِ حَرْفَي (طَه) دُونَ غَيرِهَا مِنْ سُوَرِ القُرْآنِ؛ فَسُمِّيَتْ بِهِمَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (طَهَ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (مُوسَى عليه السلام)، وَسُورَةَ (الكَلِيمِ)
مقاصدها تَذْكِيرُ النَّبِيِّ ﷺ بِقِصَّتَي مُوسَى وَآدَمَ عَلَيهِمَا السَّلام تَسْلِيَةً لَهُ، وَتَقْوِيَةً لِقَلْبِهِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا
فضلها مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ مِنَ القُرْآنِ، فَعَنِ ابْنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: فِي (بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالكَهْفِ، وَمَرْيَمَ، وَطَهَ، وَالأنْبِيَاءِ) - «هُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي». (رَوَاهُ البُخَارِيّ)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (طَهَ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ فَضْلِ القُرْآنِ، وَشَقَاءِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ٢﴾، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: ﴿وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا ...١٢٤﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (طَهَ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (مَرْيَمَ): لَمَّا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ وَالنَّبِيَّ ﷺ فِي خَاتِمَةِ (مَرْيَمَ) بِقَولِهِ: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرۡنَٰهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلۡمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِۦ قَوۡمٗا لُّدّٗا ٩٧﴾. ذَكَرَهُمَا فِي فَاتِحَةِ (طَهَ) فَقَالَ: ﴿مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ٢﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!